المحتوى الرئيسى

بأية حال عدت يا عيد؟

06/17 17:52

فى ظرف كالذى نحن فيه، حيث معاناة أشقائنا وشقيقاتنا الفاجعة فى غزّة والضفة الغربية، وفى بلدان عربية أخرى أيضًا، تحضر قصيدة المتنبى الشهيرة التى كتبها عن العيد، أكثر من تلك الأشعار والأقوال المليئة بالبهجة والفرح بقدومه، ويُقال إن مفردة العيد اشتقت من الفعل يعود، كون العيد يعود كل سنة، وربما من هنا جاء قول التمنى أو الدعاء الذى نكرره لأحبتنا فى الأعياد: «عساكم من العائدين»، أو (العايدين) حين ننطقها بلهجاتنا العامية.

يقول مطلع قصيدة المتنبى: «عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ/ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ». وفى هذا البيت يخاطب الشاعر العيد، سائلًا إياه عن الحال التى أتى بها، أتكون هى نفسها الماضية المليئة، بالنسبة له، بالأحزان أم أنها تحمل جديدًا؟

وفيما يشبه الجواب عن السؤال الذى به استهلّ المتنبى قصيدته، يقول فى البيت الثانى: «أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ/ فَلَيتَ دونَكَ بِيدًا دونَهَا بِيدُ»، مبديًا أسفه على بُعد أحبته عنه، متمنيًا لو كان هذا العيد بعيدًا عنه، كبُعد أحبته، كأنه يقول للعيد: «لم تأتِ فى وقتك للأسف»، لأنه يتعذر عليه الفرح به وهو فى حال الحزن الذى يعانيه.

لقصيدة المتنبى التى جاء فى مطلعها البيتان أعلاه، حكاية أوردها على الجارم فى كتابه «أبوالطيب المتنبى.. الشاعر الطموح»، وفيها يتحدث عن كيف ضاقت بالمتنبى الدوائر، وكثرت الدسائس من حوله توقع بينه وبين كافور. فحنّ أبوالطيب إلى سيف الدولة، وندم على اللحظة التى حملته على مغادرة إمارة حلب، وشعر كما لو أن معين الشعر عنده قد نضب، وحين سألته عائشة شقيقة ابن رشيدين المأخوذة بشعره: «أتمرّ سنة ولا نسمع منك جديدًا؟» أجابها: «إن البلابل لا تغنى وسط حفيف السهام».

عقد المتنبى العزم على الفرار من مصر، خوفًا من مكائد المحيطين بكافور، واختار ليلة عيد الأضحى موعدًا لتنفيذ ما عزم عليه، فتسلل إلى الصحراء مستغلًا فرصة انشغال حاشية كافور بالعيد. وحين انتهى العيد لحظ القوم أن المتنبى لم يظهر فيه، فحسبوا أنه مريض، وأرسلوا بعض الأعوان للسؤال عنه فى داره، فرأوا بابها مغلقًا، ففتحوه ودخلوا، وحين لم يجدوا أحدًا أخذتهم الدهشة، وهم يبحثون فى كل حجرة، حتى بلغوا حجرة نوم المتنبى، فرأوا سريره وفوقه شىء قد التف بغطاء، فصاح أحدهم فرحًا: هنا الشاعر، فأقبل الجند نحوه ورفعوا الغطاء. لم يكن المتنبى هناك.. كانت هناك قصيدة! إنها القصيدة نفسها، التى حفظنا عن ظهر قلب مطلعها، لكننا أصبحنا نعيده لا لنتذكر حكاية المتنبى مع كافور، وإنما لنقرأ فيها ما حولنا من مآسٍ.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل