سورة البقرة من أعظم سور القرآن الكريم كما بيّن رسولنا الكريم، وبها أطول آيه في القرآن من حيث عدد الكلمات والحروف
وقد احتوت السورة على أحكام كثيرة جداً في المعاملات والعبادات، ومن تلك المعاملات الديون التي تتكرر كثيراً في حياة الناس وينتج عن عدم الانضباط والالتزام بالشرع خلافات متكررة و مشاكل كثيرة
ولهذا أمر الله – تعالى- بتوثيق الديون، والإشهاد على ذلك، وأفرد لها آيه كاملة في القرآن الكريم
وهي “آيه الدين” التي نستعرض سبب نزولها وبعض من أحكامها من خلال السطور التالية.
“آيه الدين” هي أطول و أكبر آيه في القرآن الكريم من حيث عدد الكلمات و الحروف
كما أنها أطول آيه في سورة البقرة ، وهي رقم (282).
مطلعها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)
ومختتمها قوله سبحانه: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)
أما أصغر آية فى القرآن فهى الآية رقم (1) من سورة طه، وهي (طـــه).
إن “التداين” حاجة إنسانية لا غنى للناس عنه، وهو من أعظم أسباب رواج المعاملات؛
ذلك لأن المقتدر على تنمية المال قد يحتاج المال، فيضطر إلى “التداين”
ليظهر مواهبه في التجارة، أوالزراعة أو الصناعة؛ ولأن صاحب المال قد تنفذ أمواله
فإذا لم يتداين اختل نظام ماله، ما يؤدي بالتالي إلى اختلال النظام المالي للمجتمع
ولهذا ولغيره من الأسباب شرع الله تعالى للناس “التداين” تيسيراً لمعاملاتهم وتجاراتهم
واستثماراً لطاقاتهم الإيجابية في المجتمع، وإبقاء للمجتمع محافظاً على نشاطه وحيويته ونموه.
(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)
ومختتمها قوله سبحانه: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)
وسبب نزول هذه الآية – حسب ما تذكره كتب التفسير و ما رواه الطبري وغيره- عن ابن عباس رضي الله عنهما
في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)،
قال: أُنزلت في “السَّلَم” إلى أجل معلوم.
وذكر الإمامان الرازي وابن كثير، أن الآية نزلت في “السَّلَف” – وهو “السَّلَم” عينه – لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَدِم المدينة، وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث
فقال صلى الله عليه وسلم: “من أسلف، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم”، متفق عليه.
حيث نزلت الآيه بخصوص بيع “السَّلَم”، وهو بيع ما ليس موجود، ولكنه قابل للوجود.
وأن “القرض” يدخل في معنى “التداين”؛ لأنه بمعنى “السَّلَم” في المحصلة
وبالتالي يتعين كتابة المتفق عليه بين المتعاملين في كلا التعاملين: “السَّلَم” و “القرض”.
والمراد بـ “السَّلَم” في قول ابن عباس رضي الله عنهما: “السَّلَف”
وهو: أن يدفع شخص مالاً مقابل سلعة معلومة في أجل محدد
فكأن صاحب المال قد “أسلم” أو “سلَّم” الثمن إلى صاحب السلعة
والسلعة ليست موجودة الآن، ولكنها في طور الوجود.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ
وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا
فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ
وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء
أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ
وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
حملت “آية الدَّين” الأمر الإلهيّ بتوثيق الديون والقروض بين الناس، والإشهاد عليها؛
نظراً لما يترتّب على ذلك من حماية أموال النّاس، الأمر الذي يقود بدوره لاستمرار التعاون بين أفراد المجتمع
والمحافظة على الودّ بينهم، وقد استنبط العلماء من هذه الآية أحكامًا وفوائدًا غايةً في الأهميّة، نذكر من أبرزها:
وفي هذا يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ)“.
فقال سبحانه: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ)
مع جواز أن يكون المدين هو الكاتب على اعتبار أنّ الله -عزّ وجلّ- قد حذّر في مواطن أخرى
من الانحراف عن جادّة الصواب في الأحكام والتوثيق؛
فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ)”.
الكلام عن تفسير “آيه الدَّين” طويل، حيث أنها تحتوي على ثلاثين حكمًا- كما قال خويز منداد فيما حكاه عنه القرطبي-
فتحدثت الآيه عن آداب الدَّين والمعاملات التجارية، كما تضمنت العديد من أحكام المعاملات، وآداب التعامل
وضروب البلاغة، ووجوه من اللطائف.
والمقصود منها إجمالاً: هو التوثيق للمعاملات والمداينات بالكتابة والإشهاد.