القرآن الكريم كلام الله، أنزله الله لعباده ليهتدوا به ويتفكّروا ويعملوا بآياته و سورة البقرة واحدة من السور التي تحتوي على العديد من الفضائل التي أوردها النبي –صلى الله عليه وسلم- في العديد من المواقف والأحاديث.
ونستعرض في هذا المقال الحديث عن سورة البقرة وسبب تسميتها وأسراراها وفضائلها..
سورة البقرة هي ثاني سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة بحسب ترتيب المصحف العثماني
عدد آياتها ست وثمانون ومائتا آية، وهي أطول سورة في القرآن
وفيها أطول آية في القرآن، وهي آية المداينة ( وهي الآيه رقم 282)
وفيها أفضل آية في القرآن، وهي آية الكرسي. (وهي الآيه رقم 255)
وآية الكرسي لها شأن عظيم، وقد صح الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأنها أفضل آية في كتاب الله
عن أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت”.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: هذه السورة أول ما نزل بالمدينة، نزلت في أوقات متفرقة.
وعنه أيضاً: آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، آية الربا. وروي أن آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى: (واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله).
باستثناء الآية هذه الآيه إذ نزلت في حجّة الوداع، فهي آية مكيّة.
وقد ثبت في “الصحيحين”، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة من بطن الوادي، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
سميت سورة البقرة بعدة أسماء، منها: السنام، والذروة، والزهراء، البكر والعوان، وفسطاط القرآن
وسبب تسميتها بالاسمين الأولين؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: “البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً”
رواه أحمد وغيره.
وأما تسميتها الزهراء؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران”.
وأما سبب تسميتها بفسطاط القرآن، فلأنّها تحتوي على ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر.
والبكر والعوان، لأنهما صفتان من صفات البقرة التي أمر الله بني اسرائيل أن يذبحوها.
وردت بسورة البقرة الكثير من القصص، منها قصة سيدنا موسى عليه السلام، حينما أمره الله عز وجل بذبح البقرة
حتى يعرفوا من قتلها، ولكن حدث بينهم جدال وسألوا موسى عليه السلام عن كل التفصيلات التي لها علاقة بالبقرة وما هي صفاتها، على الرغم من أن الله تعالى لم يشترط بها صفات معينة، حتى ذبحوها.
يرجع سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم، بسبب ذكر قصة بقرة بني إسرائيل فيها
حيث رُوِي أنَّ رجلًا من بني إسرائيل قُتِل، فاختلف النّاس في القاتل
وحتى يستدلّوا على القاتل أمرهم الله سبحانه عزَّ وجلّ عن طريق الإيحاء لنبّيهم موسى عليه السّلام أن يذبحوا بقرةً
ولم يَذكر لهم مواصفات البقرة تخفيفًا عليهم
ثم يضربوا ببعض تلك البقرة بأي جزء منها ذلك الميت
فإن ذلك الميت سيتكلّم بأمر الله ويُخبِر بمن قتله، فأخبر موسى عليه السّلام بني إسرائيل بذلك
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)؛ فقد جاء ذكر البقرة هنا نكرةً فخفّف الله عليهم
وشدّدوا هم على أنفسهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ)، والمقصود هنا السّؤال عن سنّها
فبدأ الاشتراط من هنا لسؤالهم: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ)
ليست مُفرطةً في السنّ ولا صغيرة، (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) أي: بين هذين السِنَّين، وهنا شدّدوا على أنفسهم مرّةً أخرى بسؤالهم عن لونها مع عدم اشتراطه للونٍ مُعيّن.
(قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، فلما أجابهم عن لونها وعمرها سألوه عن وصفها بقولهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ *
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)، غير مُذلّلة في الحراثة والسّقاية،
تحرث أحيانًا وأحيانًا لا تحرث، نصف في كل شيء:في سنها، وفي كونها تُثير الأرض حينًا
لكنّها لا تسقي الحرث، يعني: تعمل شيئًا وتترك أشياء، فليس هناك عيب فيها،
وقيل: ليس هناك لون يُداخل الصّفار الذي فيها (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ).
فوجدها بنو إسرائيل عندئذ عند امرأة لها أطفال أيتام فطلبت منهم وزنها ذهباً فدفعوا الثمن لها
وبعد أن أحضروها أمرهم نبي الله موسى أن يذبحوها وأن يضربوا ببعضها جسد المتوفي، ففعلوا ذلك فاستيقظ المتوفي من موته وأخبر عن قاتله ثم عاد ميتًا، وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم نسبة إلى بقرة بني إسرائيل.
ألا وهو كون القصة دالة على حال بني إسرائيل مع أوامر الله تعالى، وتعنتهم وتشددهم وتمنعهم من تلقي أمر الله تعالى، وهذا في غاية المناسبة لسورة البقرة
التي تضمنت تربية المؤمنين على تلقي شريعة الله تعالى؛ ولذلك تضمنت السورة كليات الشريعة وأصولها، فكأن الاسم شعار للمؤمنين؛ ليحذروا من التشبه بأصحاب البقرة
وقد قال الزركشي: “وتسمية سورة البقرة بهذا الاسم؛ لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها، وعجيب الحكمة فيها”.
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِي
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ *
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ *
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللّه لَمُهْتَدُونَ *
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الاَْرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا
قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَرَأْتُمْ فِيهَا
وَاللّه مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
ورد في فضل سورة البقرة مجموعة من الأحاديث والآثار
منها قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة”
رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان
أو كأنهما غيايتان -الغياية: الظلَّة- أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما.
اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة”
قال معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة: السحرة. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة البقرة، توج بها تاجاً في الجنة” رواه الدارمي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً، وهم ذو عدد، فاستقرأهم
فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سناً، فقال: “ما معك يا فلان؟”
قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، قال: “أمعك سورة البقرة؟” فقال: نعم، قال: “فاذهب، فأنت أميرهم ”
رواه الترمذي.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
“لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة”
رواه الترمذي.
وقد روى مالك في (الموطأ) أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
أي: يتعلم فرائضها وأحكامها، مع حفظه لها. وهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على أهمية هذه السورة ومكانتها
لما اشتملت عليه من أحكام العقيدة، وأحكام العبادات والمعاملات بأنواعها.
تضمنت السورة الكريمة مقاصد الإسلام الرئيسة وكلياته الأساسية
ففيها إقامة الدليل على أن القرآن كتاب هداية ليُتَّبَع في كل حال، وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب
الذي أعربت عنه قصة البقرة، التي تدور بشكل رئيسي حول الإيمان بالغيب؛ فلذلك سميت بها السورة
لأن إحياء ميت بمجرد ضربه ببعض أجزاء تلك البقرة أقوى دلالة على قدرته سبحانه.
وعلى الجملة، فإن هذه السورة -على طولها- تتألف وحدتها الموضوعية من: مقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة.
المقدمة: تضمنت المقدمة التعريف بشأن هذا القرآن، وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حداً من الوضوح
لا يتردد فيه ذو قلب سليم، وإنما يعرض عنه من لا قلب له، أو من كان في قلب مرض.
والمقصد الأول: يتجه إلى دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام، ونبذ ما سواه من الأديان.
والمقصد الثاني: تضمن الحديث عن أهل الكتاب، والدعوة إلى ترك باطلهم، والدخول في دين الإسلام.
والمقصد الثالث: تضمن عرض شرائع هذا الدين تفصيلاً.
والمقصد الرابع: فقد تضمن ذكر الوازع الديني، الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع، ويعظم مخالفتها.
أما الخاتمة: فقد اشتملت على التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد
وبيان ما يرجى لهم في آجلهم وعاجلهم.
نزلت آيات سورة البقرة مُتفرّقةً، في مواضع شتّى
ولكل آية أو مجموعة من الآيات سبب خاصّ لنزولها، نذكر بعض من الآيات وأسباب نزولها
– قال الله عزَّ وجلّ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
وسبب نزول هذه الآية قول اليهود بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
أنَّ محمداً يأْمر أصحابه بشيء ثم يناهم عنه، وهذا يعني أنّه يناقض بعضه بعضاً.
-قال الله عزَّ وجلّ: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
سبب نزول هذه الأية أنّ كُفّار قريش طلبوا من النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وصف لربِّه عزَّ وجلّ.
-قال الله عزّوجلّ: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ..)؛
أما سبب نزول هذه الآية في أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه لَمَّا حلف أَلَّا يُنفق على مُسطح ابن خالته
وكان من الفقراء المهاجرين، حين وقع في إفك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
مع أن القرآن كله من عند الله، ومع أنه كله معجز وعظيم
فإن الله عز وجل رفع قدر بعض الآيات على الأخرى، وجعل لقراءة هذه الآيات فضلاً لا يُدانيه فضل
ومن هذه الآيات الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة؛ وذلك من أول قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ)
إلى آخر السورة
فقد روى البخاري عَنْ أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
“الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ”.