لم يتجاوز خطاّر – وهو شاب سوري يبلغ من العمر الآن 25 عاماً – ما تعرض له في ليبيا قبل أن يغادرها منذ عامين، وعلى الرغم من أن الأيام التي قضاها هناك كانت قليلة جداً، إلا أنها أصبحت بمثابة "تجربة سيئة لا تُنسى" كما يقول. سُجن خطّار مطلع عام 2022 لدى قوات الأمن السورية التي استعادت السيطرة على مدينة درعا جنوبي البلاد، وبعد عدة محاولات من والده، تم الإفراج عنه بعد أشهر، لكن والده أصرّ أن يغادر البلاد حفاظاً على حياته. يقول خطّار لبي بي سي، إن والده دفع مبلغاً قدره 6500 دولار لشخص يُدعى أبوعمر في سوريا، مقابل رحلة إلى ليبيا التي سيستقل منها في وقت لاحق مركباً تجاه إيطاليا. يروي خطاّر لبي بي سي، أنه توجه إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي، عبر رحلة مباشرة من مطار دمشق السوري منتصف شهر أغسطس/آب 2022، كان غالبية من عليها أشخاص يخططون للهجرة إلى أوروبا، وفور وصوله إلى ليبيا سحب عناصر أمن المطار جوازات سفرهم وطلبوا منهم 50 دولاراً لإعادتها. يقول خطّار: "بقينا قرابة الساعتين في المطار، وتعرضنا خلالهما لمعاملة سيئة من السبّ والشتم وحتى الضرب في بعض الحالات، ثم دفعنا 50 دولاراً وخرجنا". ويضيف خطاّر: "بعد خروجنا وجدنا شخصاً ينتظرنا"، لم يتذكر خطّار اسم ذلك الشخص لكنه أوضح أنه أخذهم إلى منزل يتم فيه تجميع المهاجرين، واستطرد قائلاً: "كان منزلاً صغيراً وسيئاً للغاية، كان فيه عدد كبير من المهاجرين من جنسيات مختلفة، وبقينا فيه ثلاثة أيام". في اليوم الرابع، تم اقتياد خطّار ومن معه إلى مدينة طبرق في أقصى شرقي ليبيا، وتم احتجازهم في مكان يُسمّونه "المخزن"، ويوضح خطّار أن "المخزن مكان يشبه حظيرة الدجاج، كان مكاناً سيئاً للغاية، لايوجد فيه ماء أو حتى طعام يكفي للجميع، وكانت المعاملة فيه سيئة، تعرضنا للضرب والسبّ، وتم إطلاق النار على البعض". وبعد تسعة أيام في "المخزن"، قاد المهربون خطّار ورفاقه إلى البحر للانطلاق نحو إيطاليا، ويوضح: "عند الساعة 12 منتصف الليل أخرجونا من المخزن وأخذونا إلى البحر، ركبنا في قوارب صغيرة نحو جرافة بطول 26 متراً تقريباً، كانت تحمل في تلك الليلة قرابة 450 شخصاً". وسط سكون الأمواج في ليلة من ليالي شهر أغسطس/ آب 2022، قاد الجرّافة -قارب صيد متوسط الحجم- قبطان تشير هيئته إلى أنه في العقد السادس من عمره، كانت لهجته تشي بأنه مصري الجنسية، ومع تبادل أطراف الحديث مع من كانوا على القارب، علِم الجميع أنه يعمل في هذا المجال منذ سنوات، يقول خطار. شقّت الجرافة طريقها في هدوء، إذ استغرقت ليلة كاملة داخل المياه الليبية، على بعد مترات قليلة من دوريات خفر السواحل التي لم تحرّك ساكناً بحسب خطّار. وفي صباح مُشمس بعد قرابة ثلاثة أيام في عرض البحر، اقتربت الجرافة من سواحل مدينة كاتانيا الإيطالية، حيث كانت الشرطة مستنفرة على الشاطئ رفقة صحفيّين، ورست على بعد مترات قليلة في انتظار إذن نزول المهاجرين. توجهت قوارب إيطالية صغيرة نحو الجرافة، وقامت الشرطة بإنزال المهاجرين على دفعات، أما قبطان الجرافة، فـ"ارتدى زيّاً مدنياً واختفى بين مئات المهاجرين" كما يقول خطّار. بودكاست يومي يتابع التطورات الميدانية والإنسانية في قطاع غزة من خلال مشاهدات الغزيين ومتابعات الصحفيين والمراسلين والخبراء في الشأن الإنساني.