المحتوى الرئيسى

عمرو عبدالمنعم : فتاوى العصر المحرمة عكست أزمة العقل العربي

03/27 17:57

الباحث لمحيط : الفتوى مرآة الواقع .. والأندلس خير مثال

صورة المفتي عند العامة تراوحت بين التعظيم والسخرية

العثمانيون صوروا المطبعة كشيطان .. ثم أجازوها

الفقهاء تشككوا بمستحدثات “المستعمر الغربي”

الإسلام يدعو للأخذ بأسباب العلم والحضارة

مدارس فقهية متشددة تخلط البدع بالعادات

اللاسلكي والفيديو والصور والقهوة .. كانت حراما وصارت حلالا!

لنحو قرن من الزمان ، انشغل العرب بقضايا فقهية وفكرية حول مدي شرعية سكر القالب ومدي حواز قهوة الإفرنجة ومدي حل الفونوغراف ، وهل يجوز مشاهدة الفيديو ، ودارة هذه القضايا دورة كاملة وانتصرت العمامة فقهيا علي البرنيطة ( رمز الغرب) ، وخسرت العمامة رونقها بفعل الطربوش (رمز الحداثة ) ثم فقد الطربوش موقعه لصالح البرنيطة وفي النهاية انتصرت رؤوس الرجال الحاسرة علي جميع أشكال الجمود وعدم الفهم بالتجديد وفقه الواقع .

وعلي مدار عدة قرون لم يجد العلماء من شريعتهم ما يعوقهم عن التلاقي مع منجزات الإغريق واليونان وغيرهم ، بعكس الكنيسة الأوروبية التي جرمت منجزات العلماء وأعدمت بعضهم .

انقلب الحال فيما بعد مع خفوت شمس الحضارة الإسلامية وتكالب الاستعمار الغربي فجرت قطيعة كبرى بين المسلمين والحداثة العالمية.

هكذا جاءت ورقة الباحث والكاتب الصحفي عمرو عبدالمنعم حول “فتاوى المستحدثات العصرية بالقرن العشرين” ضمن الجلسة الختامية لسيمنار التاريخ السنوي بالجامعة الأمريكية، وقد اختتم نشاطه مساء أمس .

وأكد الباحث أنه مع ابتعاد الحضارة الإسلامية عن العلوم العقلية بدأ تأخرها واضمحلالها وبروز فتاوى تحذر من كل مستجد غربي وتصفه بالبدعة المحرمة!

وسنجد على سبيل المثال أن فقهاء الدولة العثمانية في عهد السلطان بايزيد الثاني وقفوا ضد اختراع المطبعة ، واعتبروا أن الطباعة كبيرة من الكبائر بل وكفروا من يقوم باستخدامها وأقروا بإعدامه، وكانت حيثياتهم الخوف من تحريف القرآن وطباعة الرسوم والابتعاد عن الخط العربي ! وبمرور الوقت تم السماح في عام 1728 م بطباعة الكتب غير الدينية وحين لاحظ الفقهاء انتشار كافة الكتب العلمية ورخص أسعارها أصدروا فتوى تجيز طباعة الكتب الدينية وكذا طباعة القرآن الكريم وتجليده مما سمح بانتشار المطابع بشكل كبير وتطورت المطبوعات بشكل أكبر .

ولابد أن نتذكر أن رفض الفقهاء المسلمين للحداثة كان مرتبطا برفض ممارسات الاستعمار الغربي بالمنطقة والخوف كذلك من شيوع فكر الغرب المرتبط بنشأة الحداثة والذي ارتبط بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة والجنوح أحيانا لفكر مادي إلحادي .

وظل الموقف المعتدل للفقه الإسلامي يجنح للأخذ بالتحديث العلمي والتقني والنظر بمنتج الحداثة الذي يتناسب مع قيم الإسلام ومن ذلك الممارسات الديمقراطية في السياسة وما شابه ، وقد صارت لدينا مدارس كثيرة ترى أهمية الاستفادة من منجز الحداثة .

وفي العالم العربي كانت مستحدثات غربية كثيرة أدخلها محمد علي فاتحة لدخول عصر التحديث بمجالات الزراعة والصناعة والطب والجيش وغيرها .

لكن الأمر لم ينته بعد، فلا زال أبناء المدرسة الفقهية المتشددة يرفضون حتى يومنا المنجزات الحضارية العلمية ويعتبرونها بدعا مقيتة من الغرب!!

من هنا تأتي أهمية الورقة التالية ؛ فهي تقدم أمثلة لتطور النظر الفقهي الإسلامي لمنجزات غربية حديثة، في سياقات اجتماعية وتاريخية مختلفة بأوائل القرن العشرين ، بالتركيز على المغرب العربي والجزيرة ومصر .

واختلفت نظرة الناس للمفتين لذلك نجد ان المجتمع تعامل مع المفتين والفقهاء تاره بوقار ” علقها في رقبة عالم وأخرج سالم ” وتارة سخر منهم ” يفتي علي الإبرة ويبلع المدرة ” ” لا تشترى سيارة مقاول ولا تتزوج إمرأة فقى ” .

لقد ظهر تحفظ الفقهاء في هذه الفترات علي أي جديد وغريب وفد علينا من بلاد الإفرنجة (الغرب )في أوائل القرن العشرين ورفضوا معظم المنجزات الحضارية ، ومن ذلك فتوى تحريم “سكر القالب” و”صندوق النار”، فتوى تحريم تدريب الجنود علي الأنظمة العصرية، فتوي حل اكل صيد بندق الرصاص، فتوى ارتداء قلنسوة النصارى، فتوى تحريم التأمين على الحياة (الساكورتة)، فتوى المعاملة بالكمبيالة (السفتجة )،فتوى تحريم ركوب العجلة (البيسكل )،فتوى حرمة اللاسلكي وفتوى تحريم الصور فتوى تحريم الفيديو.

عرفت تجارة السكر في المغرب العربي وتضاربت آراء الفقهاء في شان السكر المستورد بين حليته وحرمته باعتباره أنها مادة مستوردة من بلاد الإفرنجة و مشكوك في طهارتها. وقد افتي خليل بن اسحاق في مختصر الفقه المالكي ان سكر القالب ما ينجس قليل طعامه كما ينجس كثيره، وبمرور الوقت تصدى فقهاء لهذه الفتوى ومنهم الشيخ الناصري محمد الدرعي والذي وضع رد علي هذه الفتوى” المستصفي في حلية السكر المصفي ” وغيره .

وتنوعت آراء العلماء في سكر القالب والشاي والقهوة، وفي حكم التبغ وفي الدجاج الرومي، وفي الخميرة الرومية... فضلا عن البضائع الأخرى المصنعة، كالتجارة في البضائع المستوردة التي كتب عليها اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم بدافع الإشهار، وحكمهم في صابون المشرق المجلوب من بلاد الكفار، وصابون أهل الذمة وغير ذلك ونظرا لكون مصدر هذه البضائع هو “دار الحرب”، فقد كانت جل آراء العلماء معارضة لها.

وكانت فتوى تحريم صندوق النار والمعروف بـ (الكبريت) من اجل قدومه من بلاد الإفرنجة واحتمال ان يكون يستخدمه السحر ودعاة عبادة النار من المجوس.

مع بوادر الحداثة في أوائل القرن العشرين أثيرت قضية ارتداء ملابس الغرب ومن أهمها قلنسوة وبرنيطة النصارى وصدرت فتوى من الشيخ محمد عليش بعنوان ” أجوبة الحياري في حكم قلنسوة النصارى ” وكان علة تحريم قبعة النصارى هي ” من تشبه بقوم فهو منهم فالمؤمن الصادق في إيمانه يحترس من التزي بزي الكفار غاية الاحتراس ” .

ووصل الأمر إلي كافة ديار العالم الإسلامي حتي أخرج مفتي بقويا بالديار الألمانية فتوي يرد فيها علي الشيخ عليش، وأكد أن العبرة بالارتياب بإيمان المرء في إتيانه المحرمات كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر وليس ارتداء ملابس تخص الكفار إذا لم يكن ذلك يعني الرضا بدينهم أو الميل إليهم .

ومن أهم الفتاوى حول هذا الموضوع الفتوى الترانسفالية لمحمد عبده، وموقف الشيخ عبدالمجيد سليم منها، وكانت الفتوى قد وردت للشيخ من بلاد الغرب وأقر الشيخ بجواز ارتداء البرنيطة والأكل من ذبائح الغرب وغيرها.

صدرت خلال القرن العشرين فتاوى تحرم سماع ماكينة الكلام المسماة فونوغراف باعتبارها لهو حرام، وكذلك المعازف بأشكالها . لكن صدرت فتاوى أخرى تستعيد صفات الصحابة وكانوا يروحون عن أنفسهم أحيانا باللهو المباح .

هذه الفتوى معروفة بالـ”السكورتة” وهي أن “التاجر إذا أراد أن يوجه سلعة لجهة ما ، يذهب لدار أعدت لجماعة من النصارى شركة أجنبية ويعلمهم بالجهة التي يوجه لها السلعة ويعطيهم قدرا معلوما من المال تأمين علي أنها إذا ضاعت في البر أو البحر يضمنون له إعادتها مرة أخرى وإذا سلمت تكون هذه القيمة من حق الشركة “.

لكن الفقيه محمد الحاجوري أفتى بجواز هذه العملية وصدرت الفتاوى نفسها من الفقيه محمد الراضي السناني ، في حين اعتبر الفقيه النتفي أن الضمان التجاري لا يجوز إلا للضرورة!

وقد اعتبر بعض الفقهاء أن الأوراق البنكية لا تأخذ حكم الذهب والفضة والورق من النقود ومن هنا جاء تحريم استخدام الشيك البنكي .

وقد أفتى الشيخ أحمد البلغيثي باشتراط اعتبار الشيك كالدين على دار من دور التجارة البنك فإذا جاء إليهم يردون إليه ما سجل فيه كدين.

وتعد السفتجة “الكمبيالة” من النوازل الحديثة التي لم يعرفها فقهاء القرن السادس عشر والسابع عشر وانتشرت في القرن العشرين وتعد من قبيل القرض ” او سلف جر نفع ” وكانت في بداية الأمر محرمة وتعد من قبيل الربا الصريح كما افتي البلغيثي في فتوي “بيان الخسارة فيمن يحط من مقام التجارة ” ومع تقدم الزمان أصبحت حلالا .

اعتبر بعض العلماء أن من المنكرات لبس السترة والبنطلون والقبعة ثم أضافوا إليها ساعة اليد : وانتشر في ذلك الوقت سؤال ما هو حكم استخدام الساعة المعروفة بساعة الحائط وكذلك ساعات اليد الغربية الفرنسية والسويسرية الصنع وانتقل لبعض العامة من الناس في مصر أراء علماء الدعوة السلفية بالجزيرة العربية بأنهم يحرمون المستجدات والمستحدثات من الآلات ووسائل الاتصال ومن الأمثلة ، وقد اعتبروا لابسها متشبها بأعداء الله ، لكن بمضي الوقت بدأت دعاوى لأهمية ضبط الوقت من خلال مؤقتات وهي الساعات وكانت حلال للنساء فقط بداية وصارت مباحة للجنسين لاحقا ومن ذلك فتوى الشيخ سليمان بن سحمان وقد اعتبر أن تحريمها تنطع .

وأكدت فتوى بن سحمان على ركيزة هامة وهي أن البدع لا تكون إلا في القرب والعبادات التي يتقرب بها العبد لربه لا في العادات كالصناعات والملابس والمأكل والمشرب , وغير ذلك من العادات الطبيعية, ولا يتعرض بمثل هذا إلا الجهال العوام الذين هم أشبه بسائر الأنعام .

وقد جاء لدار الإفتاء المصرية سؤال أجاب عنه الشيخ علام نصار من الشيخ ع أ أ ببيروت عن حكم تحلى الرجل والمرأة بلبس الخاتم والسوار والسلسلة والساعة والنظارة من الحديد أو النحاس.

فأجاب أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه ( نحاس أصفر ) فقال مالى أجد منكم ريح الأصنام فطرحه” ، إلى آخر الحديث . وقد أخذ به الحنفية - فصرح بعضهم بحرمته أما السلسلة والنظارة والساعة من النحاس أو الحديد فليست من باب الحلية، وإنما تستعمل لما فيها من المصلحة، فهى على أصل الإباحة مالم يقارن لبسها ما يحرم أو يكره شرعا كما يعلم من الأساس الذى قدمناه.

ويقصد به تصوير ذات الأرواح ونصب الصور في المجالس والدكاكين، وقال الفقهاء أنه فتن الناس باقتناء الجرائد والمجلات والكتب التي فيها التصاوير وتعليق الصور للملوك والوزراء والكبراء في المجالس الرسمية وكل ذلك من قبيل الحرام! بالطبع ظهرت فتاوى فيما بعد وجدت حل التصوير وأهميته بنفع الناس .

اعتبر تدريب الجنود على الأنظمة العصرية من التشبه بـ”أعداء الله” ومن ذلك تشكيلهم بشكل الغرب في اللباس والمشي والإشارات والحركات المتبعة ويدخل في ذلك السلام الجمهوري وتحية العلم. وبمرور الوقت تغير الحال وصار ذلك مباحا من باب “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”

في عام 1975 تمكنت شركة sony العالمية من انتتاج جهاز الفيديو المنزلي وكان ثمن الجهاز أنذاك 2300دولار ، وسرعان ما اصبح من الممكن الحصول علي شرائط الفيديو سواء بالاستعارة او الشراء او الإيجار .

وكان عدد المنازل في مصر التي تملك جهاز الفيديو قليلة جدا لا تتعدي أصابع اليد الواحدة بالمقارنة في أوائل الثمانينيات بالأجهزة في أمريكا عام 1980 من 1 إلي 4 % من السكان . وكان اول جهاز يدخل مصر في اواخر السبعينيات يقال انه خاص بالفنان محمود ياسين بحسب الجمارك في ذلك الوقت .

ومع ظهور أفلام الثمانينات بطولة نور الشريف ونبيلة عبيد وعادل إمام، والتي تلقفها المشاهدون بترحاب كبير، بدأ جدل يثور بين الفقهاء حول مدى حل جهاز الفيديو، وانتشرت جماعة متطرفة تحرق نوادي الفيديو باعتبارها تنشر المجون بين الناس وتلهيهم عن ذكر الله، وكانت مأساة لأن الشباب الذين فعلوا ذلك تصوروا أنهم ولاة أمر المسلمين وأن المنكر لا يتغير إلا باليد! وهؤلاء الشباب قد استندوا لفتوى الشيخ طه السماوي بأحد دروسه وهو يحرم استعمال الفيديو والسكوت على من يستخدمه.

المثير أن مكتب الجهاد الباكستاني أفتى بعدها بجواز تصوير المعارك الحربية ضد الروس بالفيديو والخطب الحماسية لنشر الدعوة الإسلامية! وأفتى عدد من العلماء ومنهم الشيخ القرضاوي بجواز عمل شركات إنتاج سينمائي وتصوير المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية بضوابط شرعية و لنشر الدين وحمل الرسالة وكان اول مسلسل ينتج في هذا الصدد “جمال الدين الافغاني” بطولة محمود ياسين لشركة انتاج تابعة لدار الزهراء للإعلام العربي لصاحبها القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين احمد رائف .

شكلت البرقية التي تعد أحدث ثورة في عالم الاتصالات قبل أكثر من قرن أهمية في حياة الدول والشعوب، إذ ساهمت في تقريب المسافات واختصار الوقت وإيصال الأخبار والحوادث في مدة زمنية قصيرة، كما ساهمت في تحقيق الأمن وتسهيل أمور الحياة العامة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل