«كلام العقاد عن يهودية مؤسس الإخوان.. غير منطقي»

في الوقت الذي استندت فيه مجله الازهر في عددها الجديد الي مقال للكاتب والاديب الراحل عباس محمود العقاد للتدليل علي انه من جذور يهوديه، فند الكاتب اليساري الراحل رجاء النقاش هذا الادعاء في مقال نشرته جريده "الاهرام" قبل اكثر من تسع سنوات.

ونقلت مجله الازهر في عددها لشهر شوال / اغسطس عن العقاد قوله في مقال نشرته جريده "الاساس" المصريه الصادره في 2يناير 1949: "الفتنه التي ابتليت بها مصر علي يد العصابه التي كانت تسمي نفسها بالإخوان المسلمين هي اقرب الفتن في نظامها الي دعوات الاسرائيليين والمجوس، وهذه المشابهه في التنظيم هي التي توحي الي الذهن ان يسال: لمصلحه من تثار الفتن في مصر وهي تحارب الصهيونيين؟! السؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد تاملنا في موضع النظر هذا عندما نرجع الي الرجل الذي انشا تلك الجماعه فنسال من هو جده؟، ان احدًا في مصر لايعرف من هو جده علي التحديد؟ وكل ما يقال عنه انه من المغرب وان والده كان "ساعاتي"، والمعروف ان اليهود في المغرب كثيرون، وان صناعه الساعات من صناعتهم المالوفه، واننا هنا في مصر نكاد نعرف "ساعاتي" كان يعمل بهذه الصناعه قبل جيل واحد من غير اليهود".

ياتي ذلك في الوقت الذي سبق وفند الكاتب رجاء النقاش، ادعاء العقاد عن مؤسس "الاخوان" في مقال نشرته "الاهرام" في 12فبراير 206، 

بين العقاد والشيخ حسن البنا

قائلاً: "كان الكاتب الكبير عباس العقاد من اشد خصوم الاخوان‏.‏ وخصومته معهم هي في الاصل خصومه فكريه‏,‏ ولكن احداث‏1948‏ زادت من هذه الخصومه‏,‏ وجعلت منها خصومه حزبيه وسياسيه‏,‏ ذلك لان العقاد في تلك الفتره كان قريبا جدا من النقراشي باشا وكان صديقا حميما له‏,‏ كما ان العقاد كان الكاتب الاول في جريده الاساس وهي جريده الحزب السعدي الذي كان النقراشي رئيسا له‏,‏ وكان هجوم العقاد علي الاخوان موجها اساسا الي فكره الاغتيال كوسيله بالغه الخطا للتعبير عن الراي والحكم علي الناس بغير بينه وشهاده وقضاء".

واضاف "وقد جاء كلام العقاد في هذه القضيه رائعا وقويا وقائما علي براهين شديده الدقه والعمق‏,‏ وهو كلام يحتفظ باهميته حتي الان في وجه الذين يلجاون الي الاغتيال والذبح وخطف الرهائن وغير ذلك من الاساليب التي تخرج علي القانون‏,‏ بل وتخرج علي الاديان والشرائع‏,‏ وفي هذه القضيه الاساسيه يقول العقاد‏:‏ جريده الاساس ـ‏2‏ يناير‏1949:..‏ يؤمن اصحاب الاديان علي اختلافها بان الله هو خالق الخلق‏,‏ وانه سبحانه وتعالي يفعل ما يشاء‏,‏ ويؤمنون جميعا بان حق الله ليس فوقه حق‏,‏ وان سلطانه ليس فوقه سلطان‏,‏ ومع هذا يؤمنون جميعا بان الاله الذي هذه صفته وهذا سلطانه لا يعاقب احدا بغير حساب‏,‏ والاسلام في طليعه الاديان التي برزت فيها هذه العقيده علي وجه واضح ناصع لا لبس فيه‏,‏ ولهذا يسمي يوم القيامه في الاسلام يوم الدين الذي يدان فيه الناس بما يعملون‏,‏ ويوم الحساب الذي يسال فيه كل انسان عما اتاه من خير وما جناه من شر‏.‏ وفي القران الكريم ايات كثيره تصف الله عز وجل في مقام العطاء والاحسان بانه يرزق بغير حساب ويوفي الاجر بغير حساب‏,‏ ولكن ليس فيه ايه واحده تقول للناس ان الله يدين احدا بغير حساب او يعاقبه بغير سؤال‏,‏ هذا وهو الخالق العليم بما يعمل خلقه‏,‏ الغني عن سؤالهم بعلمه‏,‏ الذي له قدره علي جزائهم كما يشاء‏,‏ وله العدل الذي تنزه عن الشبهات‏.‏

ثم يواصل العقاد شرح فكرته الرائعه فيقول‏:‏ واذا نزلنا عن مرتبه الربوبيه الي مرتبه النبوه لم نجد نبيا واحدا اباح لنفسه او اباح له الدين ان يتصرف في نفس بشريه بغير بينه وشهاده وقضاء‏,‏ وان ادب النبوه مع هذا كله ليوحي اليه بان يدرا الحدود بالشبهات‏.‏ وتاتي بعد مرتبه الانبياء مرتبه ولاه الامور‏,‏ وليس لاحد منهم بالبداهه ان يجيز لنفسه في محاسبه الناس حقا فوق حق النبي او حق الاله‏.‏

وعلي هذه السنه القديمه دام المجتمع الاسلامي في جميع العهود‏,‏ من ايام الخلفاء الراشدين الي ايام الخلافتين الامويه والعباسيه الي هذه الايام‏,‏ وكل ما جاء من الشذوذ عن هذه السنه التي لا يستقيم امر مجتمع من المجتمعات بغيرها انما كان من طائفتين خارجتين علي جماعة المسلمين‏,‏ وهما طائفه الخوارج وطائفه اليهود والمجوس الذين دخلوا الاسلام ليفسدوه ويهدموا دولته من داخلها‏.‏

هذا هو كلام العقاد في خلافه النظري العميق مع الاخوان المسلمين سنه‏1948,‏ ولاشك ان ما قاله العقاد في ادانته للعنف وللاغتيال هو كلام قائم علي المنطق القوي والفهم الصحيح والتحليل الدقيق والمعرفه الواسعه بتاريخ الاسلام ومبادئه العاليه‏,‏ وهذا كله يؤدي الي قاعده ذهبيه ثابته واحده هي ان اي اعتداء علي نفس بشريه بغير بينه وشهاده وقضاء هو جريمه لا يسمح بها دين ولا شرع ولا قانون‏.‏

علي ان العقاد ـ للاسف ـ عندما ينتقل من هذا المبدا النظري العام الذي يقدمه ويشرحه ويدافع عنه علي احسن وجه الي الحديث عن الشيخ حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين فان العقاد يقع في الخطا الكبير الذي حذر منه كما راينا في الجزء السابق من حديثه‏,‏ وهذا الخطا هو اصدار حكم علي شخص من الاشخاص بغير بينه وشهاده وقضاء‏..‏ فقد اتهم العقاد الشيخ البنا اتهامات فادحه‏.‏

وهي اتهامات لم يكن عليها اي دليل‏,‏ وقد كان علي العقاد ان يتجنب مثل هذه الاتهامات ويبتعد عنها وهو الذي يتشدد في القول بان الحكم علي الناس بهذه الطريقه هو خطيئه مرفوضه من الدين‏,‏ ومرفوضه من كل شرع وقانون والشيخ حسن البنا بالتحديد كان صاحب سمعه طيبه‏,‏ ويقول بعض انصاره انه كان معارضا لاستخدام العنف من جانب الاخوان‏,‏ وكان يدين كل عمليات الاغتيال‏,‏ وانه كان ضد التنظيم السري الذي نشا داخل جماعة الإخوان دون موافقه منه‏,‏ وهو التنظيم الذي كان يستخدم السلاح ويلجا اليه في الاغتيالات واساليب العنف المختلفه‏,‏

وقد قال عنه الكاتب الامريكي روبير جاكسون الذي التقي به سنه‏1946:‏ ان الشيخ البنا هو رجل عجيب في معامله خصومه وانصاره علي السواء‏,‏ وكان لا يهاجم خصومه ولا يصارعهم بقدر ما يحاول اقناعهم وكسبهم الي صفه‏,‏ وكان يؤمن بالخصومه الفكريه ولا يحولها الي خصومه شخصيه مجلة الهلال ـ ابريل‏1977.‏

كان الشيخ البنا بصوره عامه شخصيه مهمه وعليها خلاف واسع بين انصاره وخصومه‏,‏ ولا يزال هذا الخلاف قائما الي الان‏,‏ وقد كان العقاد خصما فكريا وسياسيا للشيخ البنا‏,‏ ولكن العقاد تجاوز في خصومته حدود الاختلاف الفكري المشروع والقي علي الشيخ البنا تهمه غير مقبوله من انصار البنا‏,‏ بل وغير مقبوله ايضا من الخصوم الشرفاء للإخوان المسلمين ومؤسس جماعتهم‏,‏ ولننظر ماذا كتب العقاد عن الشيخ البنا في اخر مقاله السابق حيث يقول‏:..‏ عندما نرجع الي الرجل الذي انشا جماعه الاخوان حسن البنا ونسال‏:‏ من هو جده؟ فاننا لا نجد احدا في مصر يعرف من هو جده علي التحقيق‏,‏ وكل ما يقال عنه انه من المغرب‏,‏ وان اباه كان ساعاتيا في حي السكه الجديده‏,‏ والمعروف ان اليهود في المغرب كثيرون‏,‏ وان صناعه الساعات من صناعاتهم المالوفه‏,‏ واننا هنا لا نكاد نعرف ساعاتيا كان مشتغلا في السكه الجديده بهذه الصناعه قبل جيل واحد من غير اليهود‏,‏ ولا يزال كبار الساعاتيه منهم الي الان‏,‏ سنه‏1949.‏ ثم يقول العقاد وهو يعني الشيخ حسن البنا في هذا الحديث العجيب كله‏:..‏ ان نظره الي ملامح الرجل تعيد النظر طويلا في هذا الموضوع‏.‏