المحتوى الرئيسى

شعر الهجاء عند المتنبي

11/25 14:03

المتنبي هو شيخ شعراء العربية الذي أثبت جدارته بين شعراء عصره وما تزال قصائده موضع دراسة وبحث بعد مرور حوالي ألف عام على رحيله.

ولد أحمد بن الحسين الجعفي الشهير بأبي الطيب المتنبي سنة 915 ميلادية، أحيته قصائده مدَّاحاً من الطراز الرفيع تتهافت عليه دعوات الملوك والأمراء من كل حدب وصوب طمعاً بتخليد اسمهم بقصيدة من قصائده.

وهو الذي قتله شعره سنة 965 ميلادية، فكان شعره سبب حياته وسبب مماته وسبب خلود اسمه لمئات السنين.

وبقدر ما رغب الملوك والأمراء بمديح أبي الطيب بقدر ما خافوا هجاءه، وقد عرفوا أنَّ له لساناً سليطاً في الهجاء وقد ذاق بعضهم سياطه، فكانت قصَّة كافورٍ والمتنبي خير مثال على إجادة المديح والهجاء بذات القدرة والبلاغة.

عُرف المتنبي شجاعاً جسوراً، لا يكاد يمدح ملكاً ببيت من الشِّعر إلا ويمدح نفسه باثنين، لكنَّه على الرغم من ذلك كان يرغب أحياناً لأسباب يصعب معرفتها أن يهجو قوماً دون الإشارة إليهم مباشرة.

وسنرى أنَّ هجاءه لأشخاص معلومين أكثر من هجائه لأشخاص مجهولين، ومن هجائه لمجهولي الهوية قوله:

أماتَكمُ مِن قَبلِ مَوتِكُمُ الجَهلُ وجرَّكُمُ مِن خِفّةٍ بِكُمُ النَّمْلُ

ولَيدَ أبيِّ الطَّيِّبِ الكَلْبِ ما لَكُم فطَنتُمْ إلى الدَّعوَى وما لكمُ عَقلُ

(وليد: تصغير ولد، الدعوى: ادعاء النسب)

ولو ضربَتْكُم مَنجَنيقي وأصلُكُم قَويٌّ لهَدَّتكُمْ فكيفَ ولا أصلُ

ولو كُنتُم ممَّنْ يُدبِّرُ أمرهُ، لما صِرتُمُ نَسلَ الذي ما لهُ نَسْلُ!!

قال يهجو عواذله ويفتخر بنفسه:

قِفَا تَرَيَا وَدْقي فهاتَا المخايِلُ، ولا تَخشَيا خُلفاً لِما أنا قائِلُ

(الودق: المطر، المخايل: السحب الماطرة، الخلف: عدم الوفاء بالوعد)

رَماني خِساسُ النَّاسِ مِن صَائبِ استِهِ، وآخَرَ قُطنٌ من يَديهِ الجَنَادِلُ

(الاست: المؤخرة؛ والقصد أنَّه يرمي فيصيب مؤخرته، والشطر الثاني القصد منه أنَّ الصخور التي يرميها كالقطن)

ومِن جَاهلٍ بي وهوَ يَجهَلُ جَهلَهُ ويَجهَلُ عِلمي أنَّهُ بي جاهِلُ

ويَجهَلُ أنِّي مالكَ الأرْضِ مُعسِرٌ وأنّي على ظَهرِ السِّماكَينِ رَاجِلُ

تُحَقِّرُ عِندي هِمَّتي كُلَّ مطلَبٍ، ويَقصُرُ في عَيني المَدى المُتَطاوِلُ

وما زِلتُ طَوْداً لا تَزُولُ مَنَاكبي إلى أنْ بَدَتْ للضّيْمِ فيَّ زَلازِلُ

فقَلْقَلتُ بالهَمِّ الذي قَلْقَلَ الحَشَا قَلاقِلَ عِيسٍ كُلُّهنَّ قَلاقِلُ

(قلاقل العيس: الإبل خفيفة الحركة، والقصد من البيت حركت إبلاً خفافاً إلى مكان لا يطالني فيه الضيم)

إذا اللّيْلُ وارَانَا أرَتْنا خِفافُها بقَدحِ الحَصَى ما لا تُرينا المَشاعِلُ

كأنِّي مِنَ الوَجْناءِ في ظَهرِ مَوجَةٍ رَمَتْ بي بحاراً ما لَهُنَّ سَواحِلُ

يُخَيَّلُ لي أنَّ البِلادَ مَسَامِعي وأنّيَ فيها ما تَقُولُ العَواذِلُ

وَمَنْ يَبغِ ما أبْغي مِنَ المَجْدِ والعُلى تَسَاوَ المَحايي عِنْدَهُ وَالمَقاتِلُ

ألا لَيسَتِ الحاجاتُ إلَّا نُفُوسَكمْ ولَيسَ لَنا إلاّ السّيوفَ وَسائِلُ

فَمَا وَرَدَتْ رُوحَ امرءٍ رُوحُهُ له، ولا صَدَرَتْ عن باخِلٍ وهوَ باخِلُ.

غَثَاثَةُ عَيشي أنْ تَغَثّ كَرامَتي وَلَيسَ بغَثٍّ أنْ تَغَثّ المَآكلُ

ويقول أبو الطيب المتنبي في هجاء من هجاه:

أنا عَينُ المُسَوَّدِ الجَحْجَاحِ هيَّجَتْني كِلابُكُمْ بالنُّباحِ

أيكُونُ الهجانُ غَيرَ هِجانٍ أمْ يكونُ الصُّراحُ غيرَ صُراحِ

(الهجان: الرجل النسيب، الصراح: خالص النسب)

جَهِلُوني وإنْ عَمَرْتُ قليلاً نَسَبتْني لهُمْ رُؤوسُ الرِّماحِ.

أجمل قصائد وأشعار الشاعر المتنبي أجمل أبيات الشعر الحزين شٍعر الهجاء وشعرائه (شعر النقائض) أجمل أبيات الغزل والحبِّ العذري أجمل أبيات وقصائد شعر عن المطر أبيات شعر وقصائد عن القمر

كتب المتنبي قصائد قصيرة في الهجاء، وضمَّن القصائد الطويلة بأبيات الهجاء

وللمتنبي نَّفسٌ طويلٌ في المديح وله مثله في الهجاء، لكننا اخترنا لكم قصار قصائد الهجاء التي قالها المتنبي، وهي على قصرها لا تقل بلاغة وجمالاً عن قصائده الطويلة، ومنها قوله في هجاء سوار الدليمي:

بقِيَّةُ قَومٍ آذَنُوا بِبَوارِ وأنْضاءُ أسفارٍ كَشَربِ عُقارِ

نَزلْنا على حكمِ الرِّياحِ بمَسجِدٍ علينا لها ثَوبَا حَصىً وغُبارِ

خَليليَّ ما هذا مُناخاً لِمِثْلِنا فَشُدَّا عَليها وارْحَلا بنَهَارِ

ولا تُنكِرَا عَصفَ الرِّياحِ فإنَّها قِرَى كلّ ضَيْفٍ باتَ عِند سِوَار

وقال المتنبي يهجو القاضي الذهبي وهو غير شمس الدين الذهبي صاحب سير الأعلام، فهذا الأخير ولد بعد وفاة المتنبي بثلاثة قرون:

لمَّا نُسِبتَ فكُنتَ ابناً لغَيرِ أبٍ ثُمَّ اختُبِرْتَ فلمْ تَرْجِعْ إلى أدَبِ

سُمِّيتَ بالذَّهَبيِّ اليومَ تَسميَةً مُشتَقَّةً مِن ذَهابِ العَقلِ لا الذَّهَبِ

مُلَقَّبٌ بكَ مَا لُقِّبْتَ وَيْكَ بهِ يا أيُّها اللَّقَبُ المُلقَى على اللَّقَبِ

ولكم أن تتأملوا بديع هجاء المتنبي لأبي دلف بن كنداج، وهو من الذين دسّوا عليه عند الوالي بشأن ادعائه النبوَّة فحبسه، ولما كان أبو الطيب المتنبي معتقلاً في حمص جاءته هدية من أبي دُلف، فقبلها على مضضٍ وألحقها بهذه الأبيات:

أهْوِنْ بطولِ الثَّواءِ والتَّلفِ والسِّجنِ والقَيدِ يا أبا دُلَفِ

غَيرَ اختيارٍ قَبِلْتُ بِرَّكَ لي والجُوعُ يُرْضي الأُسودَ بالجِيفِ (الجيفة: الجثة المتفسخة)

كُنْ أيُّها السِّجنُ كَيفَ شِئتَ فقدْ وَطّنْتُ للمَوتِ نَفسَ مُعترِفِ

لوْ كانَ سُكنايَ فيكَ منقصَةً لم يكنِ الدرُّ ساكِنَ الصَّدَفِ

وقال في هجاء أبي الفرج السامري:

ألقى المتنبي قصيدته الشهيرة (وا حرَّ قلباهُ) في مجلس سيف دولة بعد أن عملت الدسائس بينهما عملها، وكان قد مدح نفسه بقدر ما مدح الأمير الحمداني وبطَّن الهجاء للحضور في المجلس ومنهم أبو فراس الحمداني.

فقام أبو فرج السامري وهو من كبار كتاب سيف الدولة وطلب أن يهجو المتنبي، فقال المتنبي هذه الأبيات في هجاء أبي الفرج:

أسَامَرِّيُّ ضُحْكَةَ كُلّ رَاءِ فَطِنْتَ وَكنْتَ أغْبَى الأغْبِيَاءِ

صَغُرْتَ عنِ المَديحِ فقلتَ أُهجَى كأنَّكَ ما صَغُرْتَ عنِ الهِجاءِ

وَما فَكّرْتُ قَبلَكَ في مُحالٍ وَلا جَرّبْتُ سَيْفي في هَبَاءِ

سار بدر بن علَّام صاحب طبريا إلى الساحل ولم يسرِ معه المتنبي، فبلغه أنَّ الأعور بن كروس قد كتب إلى بدرٍ يقول له:

إنما أبو الطيب قد تخلف عنك رغبة بنفسه عن المسير معك.

فعزم المتنبي أن يؤدِّبه بطريقته، فكتب قصيدة طويلة يستقبل بها بدر بن علام عند عودته مطلعها (الحبُّ ما منعَ الكلامَ الألسُنْا وألذَّ شَكْوىَ عاشقٍ ما أعْلَنَا).

فمدح بدراً وأغدق عليه شوقه، ومدح نفسه ووضعها في خير موضع، ثم التفت في نهاية القصيدة إلى ابن كروس فقال:

فاغْفِرْ فِدىً لكَ واحبُني مِنْ بَعدها لِتَخُصَّني بِعطِيِّةٍ مِنْها أنَا

وانْهَ المُشيرَ عَليكَ فيَّ بضِلَّةٍ فالحُرُّ مُمْتَحَنٌ بأولادِ الزِّنَى

وإذا الفَتى طَرحَ الكَلامَ مُعَرِّضاً في مجْلِسٍ أخذَ الكَلامَ اللَّذْ عَنى

ومَكايِدُ السُّفَهاءِ واقِعَةٌ بهِمْ وعداوَةُ الشُّعَراءِ بِئسَ المُقْتَنى

لُعِنَتْ مُقارنةُ اللَّئيمِ فإنَّهَا ضَيْفٌ يَجرُّ مِنَ النَّدامةِ ضَيفَنا

غَضَبُ الحَسُودِ إذا لَقيتُكَ راضِياً رزءٌ أخَفُّ عليَّ مِن أنْ يُوزَنَا

فلَو كُنتَ امرأ يُهْجى هَجَوْنا

وخصَّ ابن كروس ببعض أبيات الهجاء في قصيدته التي مطلعها (عذيري مِن عَذارى مِن أمورِ سَكنَ جَوانِحي بَدلَ الخُدورِ)، حيث كان يصف فيها مسيره في البوادي بعد رحيله عن طبريا، وانتهى فيها أيضاً إلى هجار ابن كروس، فقال:

وقِلَّةِ ناصِرٍ جُوزِيتَ عني بشَرٍّ مِنكَ يا شَرَّ الدُّهورِ

عَدُوِّي كلُّ شَيءٍ فيكَ حتَّى لخِلْتُ الأُكْمَ مُوغَرَةَ الصُّدورِ

فلَوْ أنّي حُسِدْتُ عَلى نَفيسٍ لجُدْتُ بهِ لِذي الجَدِّ العَثُورِ

ولكِنّي حُسِدْتُ عَلى حَياتِي ومَا خَيرُ الحَياةِ بِلا سُرُورِ

فيا ابنَ كَرَوّسٍ يا نِصْفَ أعمى، وإن تَفخَرْ فيا نِصْفَ البَصيرِ!

تُعادينا لأنّا غَيرُ لُكْنٍ، وتُبْغِضُنا لأنّا غَيرُ عُورِ

فلَوْ كنتَ امرأً يُهْجى هَجَوْنا ولكِنْ ضاقَ فِتْرٌ عَن مَسيرِ.

طلب ابن كيغلغ المديح فما أتاه إلَّا الهجاء

نزل المتنبي في طرابلس سنة 336هـ وفيها اسحق بن الأعور بن إبراهيم بن كيغلغ، فقال له من في مجلسه: لا يجوز أن يمضي المتنبي من طرابلس ولم يمتدحك.

فقام بن كليغلغ بإرسال كتاب إلى المتنبي يطلب مديحه، لكن المتنبي كان يستصغره ويأبى مديح مثله، فأجابه أنَّ عليه يميناً ألا يمتدح أحداً في طريقه.

حاول اسحق أن يعيق المتنبي عن الرحيل، لكنه ما عرف أنَّه بطلبه المديح لن ينال إلَّا الهجاء، ومما قاله المتنبي في هجاء ابن كيغلغ:

ذو العَقلِ يَشقَى في النَّعيمِ بعقلِهِ وأخو الجَهالَةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ

والنَّاسُ قَدْ نبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ يَنسَى الذي يُولى وعَافٍ يَنْدَمُ

لا يَخْدعنَّكَ مِن عَدُوٍّ دَمعُهُ وارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ

لا يسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأذَى حتَّى يُرَاقَ على جَوَانبهِ الدَّمُ

يُؤذي القَليلُ مِنَ اللِّئامِ بطَبْعِهِ مَنْ لا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ ويَلْؤمُ

والظُّلمُ من شِيَمِ النُّفوسِ فإنْ تَجِدْ ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ

ومِن البَليَّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهْلِهِ وخِطابُ مَن لا يَفهَمُ

وجُفونُهُ ما تَسْتقِرُّ كَأنَّها مطْرُوفَةٌ أو فُتَّ فيها حِصرِمُ

وإذا أشَارَ مُحَدِّثاً فكأنَّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أو عَجوزٌ تَلْطِمُ

يَقْلَى مُفارقَةَ الأكُفِّ قَذالُهُ حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمَّمُ

(يقلى: يكره، القذال: مؤخرة الرأس، والقصد من البيت يكره أن تفارق الأكف مؤخرة رأسه)

وتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً ويكونُ أكذَبَ ما يكونُ ويُقْسِمُ

والذُّلُّ يُظْهِرُ في الذَّليلِ موَدَّةً وأوَدُّ مِنهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ

ومِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفعُهُ ومِنَ الصَّداقَةِ ما يَضُرُّ ويُؤلِمُ

أرْسَلتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً صَفْرَاءُ أضْيَقُ مِنكَ مَاذا أزْعَمُ

فلَشَدَّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً ولَشَدّ ما قَرُبَتْ عَليكَ الأنْجُمُ

أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ وفعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ

وبلغ المتنبي وهو مقيمٌ في دمشق أنَّ اسحق بن كيغلغ يتوعده في بلاد الروم، فقال يهجه:

أتاني كَلامُ الجَاهِلِ ابنِ كَيَغْلَغٍ يَجُوبُ حُزُوناً بَيْنَنا وسُهولا

ولوْ لم يكُنْ بينَ ابنِ صَفراءَ حائِلٌ وبَيْني سِوى رُمْحي لكانَ طَوِيلا

وإسْحقُ مأمُونٌ على مَنْ أهانَهُ ولَكِنْ تَسَلَّى بالبُكاءِ قَلِيلا

ولَيسَ جَميلاً عِرْضُهُ فيَصُونَهُ، ولَيسَ جَميلاً أن يكونَ جَميلا

ويَكْذِبُ ما أذْلَلْتُهُ بهِجائِهِ، لقَدْ كانَ منْ قَبلِ الهِجاءِ ذَليلا

ثم بلغ المتنبي أنَّ غلمان اسحق بن كيغلغ قد قتلوه، فقال شامتاً مستكملاً الهجاء الذي بدأه:

قالوا لَنا: ماتَ إسحقٌ؛ فقُلتُ لهمْ: هذا الدَّواءُ الذي يَشفي مِن الحُمُقِ!

إنْ مَاتَ مَاتَ بِلا فَقْدٍ ولا أسَفٍ أو عَاشَ عَاشَ بلا خَلْقٍ ولا خُلُقِ

مِنْهُ تَعلَّمَ عَبدٌ شَقَّ هامَتَهُ خَوْنَ الصَّديقِ ودَسَّ الغَدرِ في المَلَقِ

وحَلْفَ ألْف يَمينٍ غَيْرِ صادِقَةٍ مَطرودَةٍ ككُعوبِ الرُّمح في نَسَقِ

ما زِلتُ أعرِفُهُ قِرداً بِلا ذَنَبٍ، خِلْواً مِنَ البأسِ مَملُوءً مِن النَّزَقِ

كَريشَةٍ في مَهَبِّ الرِّيحِ سَاقِطَةٍ لا تَسْتَقِرُّ على حَالٍ مِنَ القَلَقِ

تَستَغرِقُ الكَفُّ فَوْديهِ ومَنْكِبَهُ فتَكْتَسي منهُ ريحَ الجَوْرَبِ العَرِقِ

فَسائِلُوا قاتِلِيهِ كَيفَ ماتَ لَهُمْ؟ مَوْتاً من الضّرْبِ أمْ موْتاً من الفَرَقِ؟

وأينَ مَوقعُ حَدِّ السَّيفِ مَن شَبَحٍ بغَيرِ جِسْمٍ ولا رَأسٍ ولا عُنُقِ

لَولا اللِّئَامُ وشيءٌ مِنْ مُشابَهَةٍ لَكانَ ألأمَ طِفْلٍ لُفّ في خِرَقِ

كَلامُ أكثرِ مَنْ تَلقَى ومَنظَرُهُ ممَّا يَشقُّ على الآذانِ والحَدَقِ

قصة المتنبي ووردان بن ربيعة الطائي

نزل المتنبي في أرضٍ يقال لها حسمى عند وردان بن ربيعة الطائي، فقام وردان هذا باستمالة عبيد أبي الطيب فصاروا يسرقون له من متاع الضيف.

ولما عرف أبو الطيب بذلك ضرب أحد العبيد بسيفه فشقَّ وجهه، وقال يهجو وردان بن ربيعة الطائي وربما ينصف طيء:

لَئِنْ تَكُ طَيِّءٌ كانتْ لِئَاماً؛ فألأمُهَا رَبِيعَةُ أوْ بَنُوهُ

وإنْ تَكُ طَيِّءٌ كانَتْ كِراماً فَوَرْدانٌ لِغَيرِهِمِ أبُوهُ

مَرَرْنَا مِنْهُ في حِسْمَى بعَبْدٍ يَمُجُّ اللُّؤمَ مَنْخِرُهُ وَفُوهُ

أشَذَّ بعِرْسِهِ عَنّي عَبيدي فأتْلَفَهُمْ وَمَالي أتْلَفُوهُ

فإنْ شَقِيَتْ بأيديهِمْ جِيادي، لَقد شَقِيَتْ بمُنصُليَ الوُجُوهُ

وقال في العبد الذي قتله:

أعْدَدْتُ للغَادِرِينَ أسْيَافَا أجْدَعُ مِنْهُمْ بِهِنَّ آنَافَا

لا يَرْحَمُ الله أرْؤساً لَهُمُ أطَرْنَ عَن هامِهِنّ أقْحَافَا

ما يَنْقِمُ السَّيفُ غَيرَ قِلَّتِهمْ وَأنْ تَكُونَ المِئُونَ آلافَا

يا شَرّ لَحْمٍ فَجَعْتُهُ بدَمٍ وزَارَ للخامِعَاتِ أجْوَافَا

قد كنتَ أُغنيتَ عن سؤالِكَ بي مَنْ زَجَرَ الطَّيرَ لي ومَنْ عَافَا

وَعَدْتُ ذا النَّصْلَ مَن تعَرّضَهُ وخِفْتُ لمّا اعترَضْتَ إخْلافَا

لا يُذكَرُ الخَيرُ إنْ ذُكِرْتَ وَلا تُتْبِعُكَ المُقْلَتَان تَوْكَافَا

إذا امْرُؤٌ راعَني بِغَدْرَتِهِ أوْرَدْتُهُ الغَايَةَ التي خَافَا!.

وكان بين المتنبي وكافور رحلةٌ من المديح والهجاء

من بين كلِّ الهجاء تبقى علاقة المتنبي بكافور هي الأبرز، فكافور هو الممدوح المذموم في آن معاً، وكنا قد أشرنا في المقدمة إلى المادة التي أعدَّها موقع بابونج سابقاً عن قصة المتنبي وكافور، ونقدم إليكم أيضاً بعض أبيات الهجاء التي قالها المتنبي بكافور.

ومما قاله أبو الطِّيب في هجاء كافور

أمَا في هَذهِ الدُّنيا كَرِيمُ تَزُولُ بِهِ عنِ القَلبِ الهُمومُ

أمَا في هَذهِ الدُّنيا مَكَانٌ يُسَرُّ بأهْلِهِ الجارُ المُقيمُ

تَشابَهتِ البَهائِمُ والعِبِدّى عَلينَا والمَوَالي وَالصَّميمُ

ومَا أدري إذَا داءٌ حَديثٌ أصَابَ النَّاسَ أمْ داءٌ قَديمُ

حَصَلتُ بأرْضِ مِصرَ على عَبيدٍ كَأنَّ الحُرَّ بَينَهُمُ يَتيمُ

كَأنَّ الأسْوَدَ اللابيّ فيهِمْ غُرَابٌ حَولَهُ رَخَمٌ وبُومُ

أخَذتُ بمَدْحِهِ فَرَأيْتُ لَهْواً مَقَالي لِلأُحَيْمِقِ يا حَليمُ

ولمَّا أنْ هَجَوْتُ رَأيْتُ عِيَّاً مَقَاليَ لابنِ آوَى يا لَئِيمُ

فَهَلْ مِنْ عاذِرٍ في ذا وَفي ذا فَمَدْفُوعٌ إلى السَّقَمِ السَّقيمُ

إذا أتَتِ الإسَاءَةُ مِنْ وَضِيعٍ وَلم ألُمِ المُسِيءَ فَمَنْ ألُومُ

وَماذا بمِصْرَ مِنَ المُضْحِكاتِ ولَكِنَّهُ ضَحِكٌ كالبُكَا

بهَا نَبَطيٌّ مِن أهْلِ السَّوَادِ يُدَرِّسُ أنْسَابَ أهْلِ الفَلا

وَأسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ يُقَالُ لَهُ أنْتَ بَدْرُ الدّجَى

وَشِعْرٍ مَدَحتُ بهِ الكَرْكَدَنَّ بَينَ القَرِيضِ وبَينَ الرُّقَى

فَمَا كانَ ذَلِكَ مَدْحاً لَهُ وَلَكِنّهُ كانَ هَجْوَ الوَرَى

وَقَدْ ضَلّ قَوْمٌ بأصْنَامِهِمْ فأمَّا بِزِقّ رِيَاحٍ فَلا

وتِلكَ صُموتٌ وذا ناطِقٌ إِذا حَرَّكوهُ فَسا أَو هَذى

وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ رَأى غَيرُهُ مِنْهُ مَا لا يَرَى

قصيدة الهجاء التي قتلت المتنبي

كما كانت القصيدة حياة المتنبي كذلك كانت مقتله، فنظم قصيدة يهجو فيها ضبَّة بن يزيد وكان غدّاراً لا يؤمن له جانب، إذ كان قد شتم المتنبي شتائم بذيئة فأراد أن يردَّ عليه بذات الطريقة.

حيث كانت أبياتاً بذيئة كلَّ البذاءة، فلما بلغ أمر القصيدة فاتكاً الأسدي خال يزيدٍ ثار لأخته وقرر أن يقتل الشاعر صاحب الهجاء، وكان ذلك في سواد العراق في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 965 للميلاد.

ومما قاله المتنبي يهجو ضبَّة:

ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه

رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ وَباكَوا الأُمَّ غُلبَه

وَإِنَّما قُلتُ ما قُلتُ رَحمَةً لا مَحَبَّه

وحيلَةً لَكَ حَتّى عُذِرتَ لَو كُنتَ تأبَه

وما عَلَيكَ مِنَ القَتـلِ إِنَّما هِيَ ضَربَه

وما عَلَيكَ مِنَ الغَدرِ إِنَّما هُوَ سُبَّه

وما يَشُقُّ عَلى الكَلبِ أَن يَكونَ اِبنَ كَلبَه

ما ضَرَّها مَن أَتاها وَإِنَّما ضَرَّ صُلبَه

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل