ترامب بثوبه البطولى الجديد

ترامب بثوبه البطولى الجديد

منذ يومين

ترامب بثوبه البطولى الجديد

الصورة هى تخليد للقطة من الزمن، بما لها وما عليها، وهى شاهد أبدى على التاريخ. فعندما نعيد شريط ذكريات البلدان نسترجع مواقف وأحداث عدة ترمز لها صورة ما، وأحيانا حتى لا تكون الصورة دقيقة أو كانت مأخوذة خارج السياق، ولكن الصورة أقوى من ألف كلمة كما يقولون. حينما نتذكر ثورة ٢٥ يناير تأتى العديد من الصور إلى الأذهان ونسترجع لقطة المتظاهر الماثل بمنتهى البسالة أمام الدبابة رافعا علم مصر. وحينما نتحدث عن الانتفاضة الفلسطينية نسترجع صورة الطفل الدرة وأبيه الذى يحاول بائسا حمايته من الرصاص الغادر. كما تظل صورة الطفل السورى ذى السترة الحمراء الغارق على إحدى الشواطئ فى محاولة للوصول إلى إحدى البلدان الأوروبية الرافضة للاجئين السوريين رمزا لمأساة إنسانية مهمشة.\nلذا، فسوف يخلد التاريخ صورة الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الرئاسى دونالد ترامب رافعا قبضته بجانب رأسه الملطخ بالدماء وناظرا إلى أنصاره قائلا لهم «fight» ــ أو قاتلوا ــ مع خلفية العلم الأمريكى، وفى وسط الحراسة الخاصة، كشاهد على ما سوف يعتبره مشجعوه ومشجعاته بلا شك بسالة مقاتل عنيد وتفانى محارب شرس فى وجه الإرهاب والتعصب ضد أمريكا وقيمها.\nجاءت اللقطة تماما كأنه بطل فيلم أكشن من إخراج هوليوود وإنتاج الجمهوريين فى محاولة ترسيخ مبادئ الوطنية الأمريكية وتحفيز الشعب فى خضم المعركة القائمة ضد «الآخرين»، أيا كان هوية هؤلاء الآخرين، من ديمقراطيين إلى مهاجرين، أو مسلمين، أو عرب، أو أيا كان، فمن ليس منا فهو عدونا. وهنا، فمصائب ترامب عند ترامب والجمهوريين كلها فوائد انتخابية، ورب ضربة قناص طائش نافعة لحزب كاد يفقد شعبيته فى وسط مهزلة انتخابية بين رئيس يجدر به التقاعد ومرشح مدان.\nفإن أراد ترامب تدبير حيل دعائية أو لقطة إعلامية لاكتساب تعاطف وإعجاب المصوتين لما ظهرت بهذا الشكل السينمائى الدرامى ذى نكهة زعامة شامخة. فمساوئ ترامب عديدة مما لا شك فيه، والرزانة والشموخ صفات لم نعتد وصفه بها، ولكن فى تلك اللقطة بالتحديد، انفصاله عن الواقع المعتاد وبطئه فى ردود الأفعال المألوفة جاء فى مصلحته هو وحزبه أكثر من أى خطابات خطط لها أو مناظرات هزلية أقامها. وسيتناسى التاريخ العديد من لقطاته الهزلية، وخطاباته المليئة بالكثير من الجهل والكره والخوف من الآخر، سيتأكد مناصروه أن يخلد التاريخ تلك اللقطة بالتحديد، ليتذكر مشهد القائد الثابت الشجاع.\nلن ينتهى الأمر عند وضع ترامب فى ذلك الإطار الشامخ لأن آخر كلمة من ترامب قبل إخلائه الموقع كانت «قاتلوا» التى من المؤكد جاءت بمثابة أمر لأنصاره لمحاربة كل من لا يتبعه أو يتبع معتقدات الحزب الجمهورى فى وسط مشاعر متزايدة بالانتقام أو حماية مرشحهم من العدو أو من الآخر فى سياق بلد تزايدت فيها جرائم الكراهية والعنصرية بشكل مخيف، وخاصة تحت قيادة ترامب. فحتما ستزيد تلك الكلمات البسيطة ــ التى وردت فى لقطة درامية ظهر فيها ترامب بالبطل ومعارضوه بالأشرار ــ مشاعر التخوف من الآخرين وعدم تقبل الغير والرغبة فى حماية بلادهم ومرشحهم.\nفاللقطة كلها لم تستغرق دقيقة واحدة، والصورة جاءت فى غضون ثوانٍ معدودة ممزوجة بالكثير من الحظ، ولكن تداعياتها ستكون أكبر وأعمق بكثير، ومن الأكيد أنها ستغير مسار الانتخابات الأمريكية بشكل كبير.

الخبر من المصدر