يوم عاشوراء: من المآتم والأحزان إلى البهجة وأطباق الحلوى في مصر - BBC News عربي

يوم عاشوراء: من المآتم والأحزان إلى البهجة وأطباق الحلوى في مصر - BBC News عربي

منذ 24 ساعة

يوم عاشوراء: من المآتم والأحزان إلى البهجة وأطباق الحلوى في مصر - BBC News عربي

صدر الصورة، Getty Images\n"انقسم المسلمون بعد زمن إلى سنة وشيعة، وأصبح كل منهم ينظر إلى عاشوراء من وجهة نظره"، هكذا قال الدكتور محمود إبراهيم حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي والآثار بجامعة القاهرة، في حديثه عن يوم عاشوراء، الذي يحييه المسلمون حول العالم بطرق مختلفة، في العاشر من شهر محرم الهجري.\nوأضاف أستاذ التاريخ الإسلامي لبي بي سي، "أهل السنة ينظرون إليه كيوم عبادة وصيام وتقرب إلى الله. أما الشيعة فيكون بالنسبة لهم يوم بكاء وحزن".\nمن هذا المنطلق، شهدت مصر تغيراً في شكل إحياء هذا اليوم عبر تاريخها. وتقول الدكتورة نهلة إمام، أستاذة "العادات الشعبية والمعتقدات والمعارف التقليدية"، إن "مصر تحب الاحتفال بالمناسبات الدينية بالكثير من البهجة، حتى لو كانت ذكرى أليمة تاريخياً".\nأوضحت الأستاذة بالمعهد العالي للفنون الشعبية في مصر، لبي بي سي، أن "المصريين يحتفلون في المناسبات الدينية بالكثير من البهجة التي قد تنسيهم أحياناً أصل الموضوع"، مضيفة "نحن نمارس عاشوراء كتراث حي، وله عمق تاريخي واعتقادي".\nوقالت أستاذة الفنون الشعبية إن هناك اعتقاداً سائداً أن العاشر من محرم هو اليوم الذي التقى فيه آدم وحواء، والذي رست فيه سفينة النبي نوح على جبل "الجوديّ"، وهي معتقدات شعبية لا دليل عليها.\nوتجدر الإشارة هنا إلى أنه وفق المعتقد الديني لدى السنة، فإن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجّى الله فيه النبي موسى وبني إسرائيل من بطش فرعون بعد خروجهم من مصر.\nكما ورد في الأحاديث أنه كان يومًا "تصومه قُرَيشٌ في الجاهليَّةِ" وأن النبي محمد صامه ودعا إلى صيامه.\nأما أهل الشيعة فيكرهون الصيام في ذلك اليوم، ويرون أنه "صَوْمٌ مَتْرُوكٌ بِنُزُولِ شهرِ رمضان"، وأن الدعوة إلى صيامه محاولة للتغطية على ذكرى الحادثة التاريخية، التي لا يُنكرها أيٌّ من الفريقين، وهي مقتل الحسين حفيد النبي محمد في معركة كربلاء منذ أكثر من ألف عام وثلاثة قرون، في حدث يُعَد الأفظع في التاريخ الإسلامي.\nعاشوراء: لماذا يحيي الشيعة ذكرى مقتل الحسين وكيف تُقام طقوسها؟\nوعلقت الدكتورة إمام على بعض ممارسات الشيعة التي تتسم بالعنف في هذا اليوم قائلة: "لم يسبق للمصري أن احتفل بالمناسبات الدينية بهذه الطريقة، ولكن حولها بطريقة تناسب شخصيته لأنه يحب البهجة".\nصدر الصورة، Getty Images\nبودكاست يومي يتابع التطورات الميدانية والإنسانية في قطاع غزة من خلال مشاهدات الغزيين ومتابعات الصحفيين والمراسلين والخبراء في الشأن الإنساني.\n\nلم يتحدث التاريخ بشكل واضح عن بداية إحياء المصريين لعاشوراء قبل الدولة الفاطمية في منتصف القرن الرابع الهجري، وكان الفاطميون شيعة على المذهب الإسماعيلي، ويقولون إن نسبهم يعود للسيدة فاطمة بنت النبي محمد وزوجة الإمام علي بن أبي طالب.\nويقول المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، الذي عرف بخطط المقريزي، إن مذهب الشيعة "فشا بديار مصر" في القرن الرابع الهجري، بدءاً من عام 358هـ مع قدوم القائد العسكري جوهر الصقلي من بلاد المغرب في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.\nومع ذلك، فقد تحدث المؤرخون عن "تشيع" المصريين للإمام علي، والد الإمام الحسين وابن عم النبي وزوج ابنته، من قبل حتى توليه الخلافة بعد عثمان بن عفان، الذي يُعرف بثالث الخلفاء الراشدين بعد وفاة النبي محمد.\nويقول المقريزي "كان التشيع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك" مستنداً إلى ما نقله المؤرخ المصري أبي عمرو الكنديّ عن يزيد بن أبي حبيب الذي عاش في القرنين الأول والثاني للهجرة، والذي كان يعد مفتي الديار المصرية في عهد الأمويين، حيث قال: "نشأتُ بمصر وهي عَلَوية، فقلبتُها عُثمانية"، في إشارة إلى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان.\nمن هو سلطان البهرة الذي شارك في افتتاح مسجد السيدة زينب بالقاهرة؟\nويعود تاريخ التشيع للإمام علي بن أبي طالب في مصر إلى أيام خلافة عثمان بن عفان التي شهدت جدلاً واسعاً بسبب من ولّاهم على شتى بقاع الدولة الإسلامية آنذاك، وبعضهم من أهله من الأمويين، ولاقى الكثير من هؤلاء الولاة معارضة لسياساتهم.\nوبحسب المؤرخين، فقد شارك وفد من مصر إلى جانب وفود من الكوفة والبصرة، في قتل الخليفة عثمان. وأراد وفد مصر تنصيب الإمام علي بدلاً عنه، بعد ثورتهم واستيائهم من سياسة من ولاهم عثمان على مصر.\nوجاء في كتاب "عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك" للأديب والمؤرخ المصري محمد حسين هيكل، أن وفد مصر قال لعثمان: "اعزل عنا عُمّالك الفُسّاق، واستعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا وأموالنا، واردد علينا مظالمنا"، فكره عثمان ذلك ورفض أن يكون الأمر أمرهم، وكأنه كخليفة لا يملك من الأمر شيئا.\nوأضاف هيكل: "وهكذا أراد الثوار حسم الأمر، فخيروا عثمان بين أن يمحو مظالمهم أو ينزل عن الخلافة، وإلا قتلوه. فأبى عثمان تحقيق الأمرين الأول والثاني".\nوفي عام 36 هـ في خلافة الإمام علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، كانت "مصر يومئذ من جيش عليّ" بحسب المقريزي، إلى أن قُتل واستقرّ الأمر لمعاوية فـ"كانت مصر جندها وأهل شوكتها عثمانية" أي من أنصار عثمان بن عفان، أو بمعنى آخر، من أنصار معاوية بن أبي سفيان، ابن عم عثمان.\nواستمر التضييق على أنصار الإمام علي في مصر، بل وأُخرِج من بقي من آل البيت منها، "واستتر من كان بمصر على رأي العلوية" حتى في الدولة العباسية، بحسب المقريزي.\nومع ذلك، أخذ أمر الشيعة يقوى بمصر بعد ذلك وصولاً إلى عصر الدولة الإخشيدية، وتحديدا في عام 350هـ، حيث يذكر المقريزي في خططه أن يوم عاشوراء من هذا العام، حدثت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر السيدة كلثوم "بسبب ذكر السلف والنوح، قُتِل فيها جماعة من الفريقين".\nوكان الشيعة - قبل وصول رأس الحسين إلى مصر لاحقاً - يتوجهون في يوم عاشوراء إلى قبر السيدة كلثوم والسيدة نفيسة، وهما من أحفاد الإمامين الحسن والحسين، ومن أبرز شخصيات آل البيت في مصر.\nوأضاف المقريزي أن الجند في ذلك اليوم كانوا يسألون كل من يلقونه: من خالك؟ "فإن لم يقل معاوية بطشوا به وشلّحوه"، ما يوضح التضييق السياسي الشديد، على من كان يود إحياء عاشوراء، الذي كان يأخذ طابع الحزن إلى حد كبير.\nصدر الصورة، shiawaves.com\nفي كتابه "سيرة المعز لدين الله"، الذي بنى مدينة القاهرة، يقول المؤرخ المصري الحسن بن زولاق الذي عاش في القرن الرابع الهجري، إنه في عهد هذا الحاكم الفاطمي، وتحديداً في يوم عاشوراء من سنة 363 هـ، توجه جماعة من الشيعة إلى قبر السيدة كلثوم والسيدة نفيسة.\nويقول ابن زولاق إن الشيعة ومعهم فرسان من المغرب بدأوا "بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام، وكسروا أواني السقائين في الأسواق، وشققوا الروايا، وسبّوا من يُنفِق في هذا اليوم"، فتصدت لهم جماعة أخرى، حتى كاد الأمر يتحول إلى "فتنة" لولا الفصل بين الفريقين، وإغلاق الدرب وعودة الجميع، الأمر الذي استحسنه المعز.\nوأوضح ابن زولاق بأنه "لولا ذلك لعظمت الفتنة، لأنّ الناس قد غلقوا الدكاكين وأبواب الدور، وعطلوا الأسواق".\nويروي المؤرخ عز الملك المُسَبِّحيّ أنه في يوم عاشوراء بداية من عام 396 ه‍ـ، "جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة [الأزهر] ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد".\nوأضاف المُسَبِّحيّ أن قاضي القضاة في ذلك الوقت عبد العزيز بن النعمان، جمع سائر المنشدين الذين يتكسّبون بالنوح على كربلاء، ونهاهم عن سب السلف والتكسب من النوح، وأمرهم ألا يُلزموا الناس بإعطائهم شيئاً إذا وقفوا على "حوانيتهم" أي محالهم التجارية.\nصدر الصورة، AFP\nفي العصر الفاطمي، كان إحياء يوم عاشوراء في مصر مسؤولية الدولة، وكان يوماً يتشارك فيه رجال الدولة والدين والشعب المصري، فتنصب فيه الموائد وتوزع فيه الأموال على عامة الشعب.\nوفي كتابه "نصوص من أخبار مصر"، ذكر الوزير والمؤرخ المصري في عهد الفاطميين الأمير جمال الدين بن المأمون، أنه في يوم عاشوراء سنة 515هـ، "عبىء السماط بمجلس العطايا من دار الملك بمصر، التي كان يسكنها الأفضل بن أمير الجيوش".\nوالسماط هو ما يعرف بالمائدة، يُمد ليوضع عليه الطعام في المآدب، لكنها لا تكون مأدبة بالمعنى المعروف لما لذ وطاب من المأكولات، بل تتكون وفق ما حكاه ابن المأمون من "أجبان وسلائط ومخللات وخبز من الشعير وعدس أسود، ثم يرفع ذلك وتقدم صحون عسل النحل".\nويقول المؤرخ المصري ابن الطوير القيسراني الذي كان شاهداً على الدولتين الفاطمية والأيوبية، إنه "كان إذا جاء يوم العاشر من محرم يحتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم. ثم صاروا إلى المشهد الحسيني"، وذلك بعد وصول رأس الإمام الحسين إلى مصر بسنوات.\nعلما أن معظم المؤرخين يعتقدون أن دفن رأس الحسين في مصر هو أمر رمزيّ.\nالسلطات المصرية تغلق ضريح الحسين يومين "لمنع الأباطيل الشيعية التي تحدث في يوم عاشوراء"\nعاشوراء في زمن كورونا: الحداد على الحسين صار رقمياً\nوقد قال المقريزي وعدد من المؤرخين إن رأس الإمام الحسين نُقل من عسقلان في فلسطين إلى قصر الزمرد في القاهرة في عام 548هـ، ثم دفن عند قبة الديلم.\nومنذ ذلك الحين، كان الفاطميون "ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح والبكاء، ويسبون من قتل الحسين، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم"، بحسب المقريزي.\nويضيف ابن الطوير في كتابه "نزهة المقلتين في أخبار الدولتين" أنه قبل وجود المشهد الحُسيني، كان يحدث ذلك في الجامع الأزهر، ومعهم قراء القرآن والشعراء الذين ينشدون في رثاء أهل البيت.\nويروي المقريزي أنه في العام التالي 516هـ، كان الخليفة الفاطمي العاشر، "الآمر بأحكام الله" يجلس على أحد أبواب القصر على كرسيّ من الجريد "بغير مخدّة متلثما هو وجميع حاشيته" ويسلم على جميع الأمراء والأشراف "وهم بغير مناديل ملثمون حفاة".\nويقول المقريزي إن سماط الحزن في عاشوراء كان يشهد مقدار ألف طبق من "العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان والأعسال والفطير والخبز المغير لونه إلى السواد بالقصد".\nويضيف أن البياعين كانوا يغلقون حوانيتهم إلى عصر يوم عاشوراء، وبعد ذلك "يفتح الناس ويتصرفون".\nصدر الصورة، Getty Images\nكان زوال حكم الفاطميين وبداية حكم الأيوبيين، إيذاناً بتغير شكل إحياء ذكرى عاشوراء في مصر.\nويقول المقريزي في خططه إن "ملوك بني أيوب اتخذوا يوم عاشوراء يوم سرور يوسعون فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام".\nويوضح المقريزي أن هذه السُنّة الجديدة التي سنها الأيوبيون في مصر، كانت تقليداً لعادة أهل الشام التي كانت مركزاً للأمويين، "سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن على الحسين".\nويصف الباحث المصري المعاصر صالح الورداني في كتابه "الشيعة في مصر"، أن ذلك حدث في إطار ما وصفه بـ"الانقلاب الأيوبي" في مصر، الذي يقول إن الفقهاء والمؤرخين "باركوه بعد أن أراحهم من خصومهم الشيعة".\nويتفق مع الورداني، محمد صلاح، الباحث المصري في تاريخ آل البيت، الذي أشار إلى أن صلاح الدين الأيوبي أغلق الجامع الأزهر، وظل مغلقاً لنحو 100 سنة، بهدف "تغيير جيل كامل يحمل الانتماء للفاطميين".\nوأضاف محمد صلاح في حديثه لبي بي سي إن من كان يفكر في إحياء يوم عاشوراء في ذلك العصر كان يُعد معارضاً لحكم الأيوبيين "فكان لابد لهذه الذكرى أن تموت".\nأما الدكتور محمود إبراهيم حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي، فيرى أن الدولة الأيوبية "جاءت بأجندة سياسية من الدولة العباسية لتطهير مصر من آثار الفاطميين، وبالتالي لن يبقوا على أي ثقافة للفاطميين من فرح أو حزن، ولا علاقة لذلك بالدين".\nصدر الصورة، Getty Images\nبانتهاء الدولة الأيوبية ووصول مصر إلى حكم الدولة المملوكية في منتصف القرن السابع الهجري، يبدو أن مظاهر عاشوراء في مصر اتخذت شكلاً أكثر بهجة مما كانت عليه في السابق.\nويتضح ذلك من خلال فتاوى ابن تيمية، أحد أبرز العلماء المسلمين في تلك الفترة، الذي قضى حياته بين الشام ومصر، حيث سُئل عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من "الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور".\nورفض ابن تيمية ما وصفها بـ"الأحاديث الموضوعة المكذوبة" التي تقول إن يوم عاشوراء هو يوم "توبة آدم واستواء سفينة نوح على الجوديّ ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش".\nوانتقد ابن تيمية كلا الفريقين، الذي ينوح ويندب والذي يفرح ويحتفل، قائلاً إن ذلك من فعل "النواصب" أعداء آل البيت، أو الجهلة "الذين قابلوا الفاسد بالفاسد".\nويؤكد انتشار الاحتفال بعاشوراء أيضاً ما قاله أبو الحسين الجزار، الشاعر في العصر المملوكي، الذي أراد أن يداعب الشريف شهاب الدين ناظر الأهراء، فكتب إليه في ليلة عاشوراء يدعوه للمجيء وإلا "لأحضرنّ للهناء في غد ... مكحل العينين مخضوب اليدِ".\nولم تنقطع عادة الطعام عن العهد المملوكي، وفق ما جاء في "الخطط التوفيقية الجديدة" لعلي باشا مبارك، تحت باب "مسجد السلطان حسن"، الذي بناه الملك الناصر الحسن بن قلاوون في عهد المماليك عام 757هـ.\nويقول المبارك في خططه، إنه "كل سنة في يوم عاشوراء، يصرف برسم الصدقة قيمة أربعين قنطاراً من خبز البُر [القمح]، وعشرة قناطير من لحم الضأن، وأردبين من الحبوب التى تُعمل فى عاشوراء".\nوأضاف من ضمن ما يُصرف في الدولة "أربعة قناطير من العسل، وعشرين رطلا من الشيرج [السمسم]، وقيمة الأبازير [التوابل] والحطب، وأجرة الطبخ وتفرقته، وبعد طبخه يفرق نصفه على أرباب الوظائف وطلبة العلم، ونصفه على الفقراء والمساكين".\nيكشف لنا كتاب "الإبداع في مضار الابتداع" للشيخ علي محفوظ الذي عاصر دولة مصر الحديثة في عهد سلالة محمد علي باشا قبل أكثر من 100 عام، جانباً من مظاهر الاحتفال بعاشوراء في ذلك الوقت في مصر.\nويقول محفوظ إن من بدع عاشوراء "البخور الذي يطوف به على البيوت في مصر قوم من العاطلين الذين لا خلاق لهم، فيرقون منه الأطفال مع كلمات ساقطة، يقولونها بمحضر من أمهاتهم، ويسمونه: بخور العشر، وهو ملح ونحوه يصبغونه ألوانا".\nومما أنكره أيضاً وكان يُفعل في عاشوراء "طواف البنات في شوارع مصر بأطباق الحلوى ينادين عليها بقولهن: يا سي علي لوز".\nوبحسب "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية" للأديب والمفكر أحمد أمين، فإن الأطفال كانوا "يعقِدون السكر ويصبونه في صوان صغيرة، ويضعون عليه اللوز المقشر وينادون عليه (علي لوز)".\nويرجح أمين أن تعود تلك الحلوى إلى أيام الفاطميين، بالنظر إلى ارتباط اسمها بـ"علي" الذي ارتبطت به الكثير من المسميات في الثقافة الشعبية المصرية منذ ذلك الحين، في إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب.\nويقول الباحث المعاصر صالح الورداني في كتابه، إن مواكب الشيعة لإحياء ذكرى عاشوراء استمرت حتى فترة قريبة، مرجحاً عودة تلك المواكب إلى "بقايا العهد العثماني" الذي أتيحت في أواخره فرصة لبروز شيعي وإن كان محدوداً"، مضيفاً أن علي باشا مبارك ذكر في الخطط التوفيقية ما يشير إلى ذلك.\nصدر الصورة، Getty Images\nتقول الدكتورة نهلة إمام، أستاذة الفنون الشعبية، إن كتابات المستشرقين عن مصر في القرن التاسع عشر، ذكروا أن المصريين يحتفلون في هذا اليوم ويصنعون حلوى من القمح واللبن والسكر ويعدون منها أطباقاً ويوزعونها هدايا، مضيفة أن التهادي بالأكل "عادة منتشرة في المجتمع المصري".\nوأوضحت أن حلوى "عاشوراء" ذُكرت في كتب التاريخ، كما أن المستشرقين حين وصفوا ما وجدوه، فإن هذا يعني أن وجودها كان أقدم من ذلك، لكن تحديد بدايتها أمر صعب ككل الميراث الشعبي، لاسيما وأن لها مسميات أخرى لدى ثقافات أخرى.\nوأضافت إمام أن حلوى "العاشوراء" في بعض الثقافات الأخرى تُصنع من سبعة حبوب، وليس القمح فقط كما جرت العادة في مصر، ويطلق عليها "عصيدة نوح" في اعتقاد منهم أن النبي نوح صنعها بعد رسو سفينته.\nولا تزال حلوى "العاشورا" كما ينطقها المصريون، موجودة حتى اليوم، لاسيما في القرى والأرياف والمناطق الشعبية، وتدعو أستاذة الفنون الشعبية المصريين إلى صناعة الحلوى وإقامة الطقس "للحفاظ على تراث البلد".\nصدر الصورة، Getty Images\nيقول محمد صلاح، الباحث في تاريخ آل البيت، إن شكل إحياء عاشوراء في مصر منذ موقعة كربلاء، اعتمد على وجهة نظر الدولة الحاكمة.\nوأضاف لبي بي سي: "نحن ندرس وجهة نظر الدولة الحاكمة في كل عصر، ففي عصر الدولة الأموية وما بعدها، لو قال أحدهم إن عاشوراء هو يوم حزن، فهذا يعني أنك معارض للحزب الحاكم، والعكس بالعكس في الدولة الفاطمية، وكان على الشعب التكيف مع ذلك".\nوتقول الدكتورة نهلة إمام أستاذة الفنون الشعبية إن "المصريين لا يربطون يوم عاشوراء بمقتل الإمام الحسين"، ويعدونه "موسماً" كغيره من المواسم الدينية، تُصنع فيه أكلات مميزة في البيوت.\nوتقول إن عاشوراء في مصر، فرصة في البيوت المصرية لإعداد ما لذ وطاب، ودعوة أبنائهم المتزوجين للالتفاف حول "البط" والحلوى.\nوتضيف: "طبيعة المصري أنه لا يحب أن يقرن الدين بالتخويف والتشاؤم والعذاب، بل بالبهجة، ويجد إليها سبيلاً في أكل أو حلوى أو زينة، ويضفي عليها هذه الغلالة من التقاليد والطقوس المصرية جدا".\nوتضيف أن المصريين يمارسون الاحتفال بعاشوراء اليوم "كتراث حي" له عمق تاريخي واعتقادي، مضيفة أنه ليس قاصراً على مصر إلا أن "المعتقد الشعبي المصري يضفي على المناسبات هالة من العمق التاريخي ومن مبررات الاحتفال".\nفي المقابل، يرى صلاح، أن المصريين اليوم أخذوا من الفاطميين فكرة إقامة الولائم، بدون ذكر كربلاء، وأن الدول المتعاقبة على مصر، تعمدت طمس تاريخ عاشوراء، بالحديث عن رحلة الهجرة النبوية، التي لم تكن أصلاً في شهر المحرم، بل بدأت في أواخر صفر وانتهت في ربيع الأول.\nوأشار صلاح، الذي يؤكد عدم انتمائه للسنة أو الشيعة، إلى أن اليهود الذي يُنسب إليهم صيام عاشوراء، "لا يستخدمون التقويم القمري، ويحتفلون بخروجهم من مصر في 15 أبريل/نيسان".\nوأضاف أن الاحتفال عبر التاريخ الإسلامي بالهجرة وبنجاة النبي موسى من الغرق في يوم عاشوراء، جاء "للتغطية على حدث مقتل الإمام الحسين، ورحلته من الحجاز إلى العراق، لما تحملها قصته من رسالة سياسية مفادها "التصدي للظلم والفساد حتى الموت كما فعل الإمام الحسين".\n© سياستنا بخصوص الروابط الخارجية.

الخبر من المصدر