المحتوى الرئيسى

«عايزة أموت».. معاناة أطفال صعوبات التعلم بين التنمر والعوائق التعليمية | المصري اليوم

06/25 06:22

«أصل هي مبتفهمش يا أستاذة»، جُملة وقعت وقع الصدمة كما السيف المسموم في القلب، قالتها إحدى الزميلات في فصل مدرسي لوصف حالة «ياسمين» للمعلمة، لكن كلماتها لم تمر مرور الكرام على الصغيرة البريئة، الموصوفة بعدم الفهم، فتخطت آثارها اللحظة التي قيلت فيها لتظل راسخة في وجدانها، وهو ما تتعرض له يوميًا بين همسات عدة تُقال في السر والعلن عن طلاب صعوبات التعلم في المدارس، وتعلق في أذهانهم للآبد.

«البرلسي» يتقدم بطلب إحاطة عن انقطاع الكهرباء: «الحكومة تُحمل المواطن نتيجة فشلها في إدارة حقل ظهر»

«عبث في أصول المصريين».. موجة غضب بعد وصول «الأفروسنتريك» إلى قلب القاهرة (القصة كاملة)

صرخات غزة تهز ضمير الجنود الأمريكيين برفض الخدمة بسبب الحرب على الأطفال

«ياسمين»، هي طفلة صغيرة عاشت طيلة عمرها، تحمل الأمر في وجدانها كوصمة تُشعرها بالحرج كشخصًا مختلفًا لا قبول له بين أقرانه الصغار لمعناتها من ضعف السمع منذ ولادتها، فتقول الأم لـ «المصري اليوم»، أن ابنتي بدأت السمع في عمر الـ 6 سنوات بعد عمليات زراعة قوقعة الأذن، لذلك هناك كلمات كثيرة لا تعرفها ابنتي أو تستوعبها، وكذلك أساسيات التعليم المبدئية فلم تتقنها في البداية مثل باقي الأطفال، وهو ما أدى لتأخيرها تعليميًا وتصنيفها من طلاب الدمج.

وتتابع: أن لهذا الأمر عواقب عدة على نفسية الفتاة فيومياً تتعرض لمواقف كرهتها في المدرسة، فبمجرد دخول أي مُعلمة الفصل وتوجيهها أي أسئلة لأبنتي، تقول لها أحد الفتيات «دي مبتفهمش يا مس»، أو تقوم أخرى بقول «هي مش عارفه حاجة»، «مش هتعرف تقول»، فتستمر الهمسات بينهن و«يتوشوشوا عليها»، وهي بتكون فاهمة، ومبقتش عايزة تروح المدرسة».

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين صراع التنمر والعوائق التعليمية

طلاب الدمج أو صعوبات التعلم تُعني مواجهة الطفل لبعض المشكلات عند تلقيه التعلم التقليدي. وقد تؤثر هذه الصعوبات على تنمية مهارات القراءة والكتابة والرياضيات ويمكن أن تؤثر أيضًا على الذاكرة والقدرة على التركيز والمهارات التنظيمية.

لذا قد يحتاج الطفل أو البالغ الذي يعاني صعوبات في التعلم إلى وقت إضافي لإكمال المهام الدراسية. وفي كثير من الأحيان يمكنه الاستفادة من بعض الوسائل التعليمية في الفصل أو البيت لتجاوز هذه الصعوبات، كمواد مطبوعة بخطوط خاصة أو رسوم معينة تيسر وصول المعلومة إليه، وفقًا لحديث دكتور إسلام سعد الدين استشاري التخاطب وصعوبات التعلم في تصريحاته لـ «المصري اليوم».

فيقول: أن على هذا الأساس قررت وزارة التربية والتعليم إشراك طلاب صعوبات التعلم مع زملائهم في فصول مدرسية واحدة تشرف عليها الهيئة التعليمية ذاتها لكن مع اختلاف في المناهج المعتمدة بينهما في بعض الأحيان وفي طريقة امتحانات تقييم هؤلاء الطلاب.

وفي تصريحات لـ «المصري اليوم»، قالت صفاء عزت عباس، اخصائى صعوبات التعلم والتوحد، «تندرج فئات الدمج تحت مفهومين، الأول فئات الدمج ضمن صفوف الأطفال العاديين وهو الدمج المتعارف عليه في المدارس ولا يذكر في أوراق الطالب أنه ضمن فئات الدمج وصعوبات التعلم، والمفهوم الثانى هو الدمج الواقعى الذي يصاحب فيه الطالب المعلم المسؤول عن رعايته ومحاولة الدمج بينه وأقرانه وتوعية العائلة في كيفية التعامل معه، مشيرة إلى أن هذا النوع من الدمج لن يقبل به أولياء الأمور لأنه يكتب بالأوراق أن الطفل ضمن فئات الدمج وصعوبات التعلم».

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين صراع التنمر والعوائق التعليمية

وأضافت أن فئات الدمج ليست موجهة لصعوبات التعلم فقط ولكن لجميع درجات الإعاقات البسيطة بما يضمن الإعاقات (البصرية- السمعية- الحركية- العقلية) وكل ما هو قابل للتعلم، بالإضافة إلى الفئة المتوسطة والشديدة من الإعاقات تعرف بفئة قابل للتدريب ولا تتناسب مع مدارس التعليم الأكاديمى، معلقة أنه توجد مدارس وإدارات تعليمية لا تقبل هذه الفئة ولا تحتاج إلى امتحانات متخصصة، ما يمثل مشكلة لدى الطفل، لأن قدرة استيعابه قليلة وذاكرته ضعيفة، ويلجأ أولياء الأمور إلى الطلب من الأخصائيين في اختبار الذكاء، ويتم التقليل من النسبة لتقل عن 70% ويكون طالبًا بطىء التعلم.

تشرح والدة الطفلة ياسمين في حديثها لـ «المصري اليوم» تطور حالة الفتاة الصغيرة منذ بداية التعلم حتى مواجهة الصعوبات على جميع الأصعدة قائلة: في المدرسة الإبتدائية لم نواجه المشاكل ذاتها، بل كانت الإدارة والمُعلمين متفهمين الوضع، فلم تتعرض الفتاة للتنمر أو لأفعال مشابهة، كانوا المدرسين بيحبوها وهي كانت بتحب المدرسة، لكن مع دخولها المرحلة الإعدادية الوضع اختلف تماماً، كل ما مدرسة تتكلم يقولوا لها أصلها دمج، أصل هي متعرفش، مبتفهمش، فالأمر اتحول تمامًا، كرهت المدرسة والذهاب إليها، مبقتش عايزه تروح، والمفروض يكون في اخصائية تفهم البنات مدى تأثير ده على زمايلهم، وازاي يتعاملوا مع بعض ويحبوا بعض».

فيوميًا تواجه التنمر وهي بتزعل، لدرجة أنها رجعت أخر يوم في الامتحانات بتقولي «أنا عايزة اموت»، وعن شرح الموقف تقول الأم: أن ورقة الاختبار حملت كلمات صعبة عليها، وكانت محتاجة حد يقرأها لها، فقعدت تعيط طول فترة الامتحان، ومفيش حد من المدرسين وافق يساعدها، ويقولوها معرفش، وماليش دعوة».

وبالحديث لمصدر من وزارة التربية والتعليم رفض ذكر اسمه ورد مقتضبًا أن هناك أزمات فردية من مُعلمين ورؤساء لجان، لكن الأخطاء الفردية متواجدة بجميع التخصصات».

وفي موقف مشابه تحكي الأم عن يوم عادت الطفلة من المدرسة تحكي أن أصدقائها يضحكون و«يتوشوشوا» وهي تبكي لضحكهم عليها، و«فضلت اقولها مش بيضحكوا عليكي، لكنها جات منهارة، هما مظلومين في الدنيا وتعابينا معاهم والله».

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين صراع التنمر والعوائق التعليمية

وتحكي لنا الأم بتأثر عن تعرض ابنتها لموقف آخر عند تغيير مدرستها في الامتحانات نظرًا لأنها بالشهادة الإعدادية، وعلى باب المدرسة رفضوا دخولي معها بدأت أشرح لهم أهمية دخول لأني «لازم ابلغ مراقبين اللجنة أنها ترتدي سماعات جهاز قوقعة في أذنيها، قالولي سيبيها واحنا هنتصرف»، وتابعت: أوقفها المراقب للتفتيش فاكرين انها سماعات بتغش منها، يحط ايده على السماعة، والأجهزة دي حساسة جدًا أي لمسة ممكن تأثر عليها، فضلت تشرحلهم وتعيط».

وختمت حديثها«احنا مش عايزنهم يدخلوا كلية طب بس يكون في حد رحيم بيهم يشرحلهم مثلا بطريقة يستوعبوها في المدرسة، مش مشكلة عندي التعليم إن شالله تاخد الشهادة بعد 100 سنة، أنا بس كان نفسي تندمج في المجتمع، وتتصرف في حياتها ويكون ليها أصحاب، وتنزل تشتري طلباتها، أنا حاسة أنهم محطوطين في الفصول كمالة عدد، وبتمنى يكون ليهم نشاطات تخليهم ينغمسوا جوا المجتمع».

طلبت محررة «المصري اليوم» التواصل مع الفتاة ذاتها لكن الأمر شرحت لنا الموقف بمدى ضيقها من تحدث أي شخص إليها عن هذا الأمر وأنها تخاف عليها، وأضافت: «هي بتزعل مني لما بقعد احكي لحد وتقولي متقوليش».

وبعد أن انقضى الأمر بالطفلة لتمنيها الموت تخلصاً من مشاعرها السلبية، تواصلنا مع الدكتورة ندى المناوي اخصائي الطب النفسي بمركز التوحد بمستشفى العباسية، لتعلق على الأمر فقالت في حديثها لـ «المصري اليوم»، أن التنمر والظروف المحيطة تؤثر أكثر على مسيرتهم التعليمية، فالطفل بهذه الطريقة سيتعرض لتأخر اكثر من الموجود لديه بالفعل، وفي هذا السن أكثر شيء هام هو نفسيتهم، فالطفل حتى لو مستوعب المادة التعليمية لكن لا يتقبله أقرانه، فالأمر يتحول لحالة نفسية سيئة واكتئاب في بعض الأحيان، وهو ما يزيد حالة تشتت الانتباه واللخبطة التعليمية».

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين صراع التنمر والعوائق التعليمية

وأضافت الطبيبة أن: «في السن ده هناك أزمة في التحصيل مهما ذاكروا وجمعوا معلومات وبذلوا مجهود مش بيبقى مساوي للنتائج، وشعور إن أنا مش مفهوم والناس مش مستوعبين فكرة إني عندي مشكلة والمفروض يساعدوني، بيزيد الأزمة أكثر، وهو ما حدث مع الطفلة «ياسمين»، فجملة «عايزة اموت»، وحديثها يأتي ضمن مؤشرات الاكتئاب العظمى، هي شعرت بأنها مش عايزة تكمل ومش عايزة تدي، لأنها ملقتش حد يتفهم، وأنها مهما عملت مش هتلاقي نتيجة، ودي اسوأ رسالة ممكن توصلهم، وتابعت أن أحيانًا المشكلة تأتي من الأهالي لرفضهم مصداقة المختلفين عنهم، فيصبحوا غير منغمسين بالمجموعات».

وأضافت أن الأمر يتوقف أيضًا على مواجهة الأهل للموقف، فعليهم دائمًا الوقوف بجانب أبنائهم ودعمهم، لأن القصة ليست في المدرسة فقط، فهو يتعرض لنادي وأصدقاء في الشارع وغيرها، فأفضل ما في هذه المواقف أن يشعر الطفل «إني دايمًا بلاقي بابا وماما متفهين موقفي تمامًا وهم أكثر حد بيدافع عني»، ونصحت الطبيبة بأن الأفضل في هذه الحالات تغيير المدرسة في حالة كان الأمر يتوجب الوصول لهذه الخطوة».

وعلى خطى المعاناة ذاتها سارت الطفلة «منة» ذات الـ 15 عامًا لكن مُضاف عليها أزمة الجانب الآخر من القصة وهو مسؤلية الأسرة في توفير قطع غيار سماعات الأطفال وتكاليفها المبالغ فيها، فضًلا عن الصعوبات النفسية اليومية التي يتعرضون إليها، فتقول السيدة ناهد، والدة الفتاة لـ «المصري اليوم»، ابنتي بدأت حكايتها عندما كانت في السادسة من عمرها، عند تركيب جهاز القوقعة، ومعها بدأت التحديات التي رافقتها حتى صفها الثالث الإعدادي.

فتقول السيدة ناهد: «منة تم دمجها مع الطلبة العاديين، لكن المناهج ثقيلة عليها جدًا. بنعيد الكلام مرة واتنين وتلاتة عشان تستوعب، وده صعب حتى على الطلبة العاديين، فما بالك بمنة اللي معندهاش حصيلة لغوية كافية.»

وتصف السيدة مدى الصعوبات التي تواجهها ابنتها قائلة: «منة بدأت تعرف كلمات بسيطة وهي في سن 5 أو 6 سنوات، ومع ذلك المواد الدراسية صعبة جدًا عليها، والمدرسين مش مدربين على التعامل مع حالتها، ومبتقدرش تتواصل كويس معاهم.»

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين صراع التنمر والعوائق التعليمية

وتحكي الأم قائلة: «مرة منة طلعت لرئيس الدور في الامتحان وطلبت منه حد يقرأ لها السؤال، قالها لا مفيش حد هيقولك حاجة، مع أن احنا في الأساس بنعتمد على الذاكرة البصرية في التعليم، فا حتى المعلمين لازالوا غير مدركين للموقف كاملًا، فضًلا عن عدم توافر نماذج للامتحانات نفهم منها، ونعود الأطفال عليها، قبل الامتحانات كأولياء أمور بنساعد بعض في الجروبات ونتبادل نماذج الامتحانات».

وتضيف السيدة ناهد: «المدرسة مش بتدرب المدرسين على التعامل مع حالات الدمج، ومش بتخفف المناهج زي ما بنطالب، فنحن نطالب بتدريب للمدرسين وتخفيف المناهج عشان الولاد متعانيش. فرغم المجهود الكبير جدًا إلى بنبذله بحس إني بفحت في بحر.»

وبالعودة للطبيبة ندى المناوي شددت على أهمية التوعية والتدريب للمدرسين والأهالي، قائلة: «محتاجين توعية كبيرة وتدريبات للمدرسين لأن اللغة بين المدرسين والأهالي والأطباء مختلفة، فا لازم نفهم المدارس كيفية التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة».

وأضافت «المناوي»: «من الأفضل إن يتم توجيه الطلاب لطب نفسي أطفال بالقرب منهم، زي مثلًا مستشفى الأمانة العامة في طنطا على سبيل المثال، لأن المشكلة مش بس في الأهل، لكن كمان في النادي والأصحاب وناس مختلفة تتعامل معهم باستمرار».

تقول الأم: أن «منة»، مبتحضرش في المدرسة كتير لآني بخاف عليها تقع وده غلط عليها جدا، ولأن أقل خبطة في الجهاز بيبوظ، ومببقاش مرتاحة يا ترى برا ناس هتعرف تتعامل معاها».

كذلك تتحدث الأم عن الصعوبات المالية قائلة: «تكلفة التخاطب عالية جدًا، والتأمين بيغطي جلسات قصيرة جدًا مش بتفيدها، فحتى الآن «منة» عندها مشاكل في النطق ومحتاجة مكان هادي عشان تفهم وتنتبه».

معاناة أطفال صعوبات التعلم بين التنمر والعوائق التعليمية

وتابعت: «بنتي عندها موهبة في الرسم، ومدرسة الرسم بدأت تتفاعل معاها، بس باقي المدرسين مش بيدمجوا منة كويس، ودائمًا بنتمنى وبنطالب بتخفيف المناهج وتدريب المدرسين عشان ولادنا متضيعش. خايفة على مستقبلها بعد الشهادة الإعدادية.«

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل