المحتوى الرئيسى

سماء القدس السابعة.. رحلة روائية فى التاريخ الفلسطينى القديم والحديث

04/26 17:23

 خفاجة انتشرت فى الآونة الأخيرة جملة مفادها أن من يستطيع أن يروى الحكاية هو وحده من يملك الحقيقة.

وبالرغم من أننا نعلم الهدف من وراء الجملة التى انتشرت بالتزامن مع الحرب الأخيرة على غزة بأن الكيان الصهيونى يجيد صنع الحكايات فيصدقه العالم حتى جاءت الأحداث الأخيرة وكشفت زيف حكاياتهم وادعاءاتهم، لكن ظلت تلك الجملة تتردد فيما بيننا، ولا نعرف سببا محددا لذلك، فهناك حتما أسباب كثيرة. لكن تظل هناك حقيقة لا تقبل التشكيك فيها، هى أننا تغافلنا عن الحكايات وتركناها حبيسة النفوس والكتب حتى استطاع مزور التاريخ أن يتشدق بحكايته فى كافة المحافل الدولية التى لم ترفض الحكاية حتى لو لم يصدقوها، ثم جاءت الأحداث الأخيرة التى أخرجت حكايتنا الحقيقية من سجوننا الاختيارية، فهذا التغافل كان خطأنا التاريخى الفادح.

هذا الخطأ هو ما أدركه يوسف بطل أحداث رواية سماء القدس السابعة للكاتب الفلسطينى أسامة العيسة الصادرة عن منشورات المتوسط فى أكثر من 600 صفحة، والتى جاءت ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية لهذا العام 2024. فقد أدرك يوسف هذا السائق البسيط ابن قرية العين التابعة لمدينة القدس العريقة أن الحكاية يجب أن تروى وتوثق لا من خلال الكتب فقط بل فى عقول وضمائر الأبناء من الأجيال الجديدة، كى يتعلموا توثيق ما يعايشونه يوميا ذلك أهم لهم ولوطنهم من التباكى على ما حدث، وهو ما عكف على فعله منذ اللحظات الأولى التى تبعت نكسة 1967 الطامة الكبرى التى قسمت ظهر القضية الفلسطينية وأدمت النفوس العربية حتى الآن.

تبدأ أحداث الرواية من قصة تبدو وكأنها حكاية من حكايات التراث القديمة فالراوى يحدثنا عن السبع الذى طربل أى أخفق فى زواجه الأول فكان ذلك وبالا على قريته بالكامل، فعلى العكس مما يحدث دائما فى تلك الحالة من أن يصبح مصدر سخرية وتندر أهل القرية، أصبح مصدرا لليأس والخوف، أصيبت القرية بالفزع، وشرع كل منهم يبحث عن حل لسبعهم حتى أبواب السحرة والدجالين لم يترددوا فى طرقها لعل الحل لديهم، فكيف يخفق ذلك الشاب الذى كان حديث البلدة فى الشجاعة والقوة والمثابرة وشدة البأس، وتشهد شوارع القدس على ذلك.

سرعان ما تأتى الإجابة على لسان الراوى بأنها النكسة التى كانت أملهم الأخير فى العودة، فكيف يمكن أن يستأنف الإنسان حياته الطبيعية بعد أن شهد وطنه يسرق قطعة بقطعة دون إرادة منه أو رغما عن محاولاته المخلصة فى حمايته@، فقد كان السبع وهذا هو اسمه وكنيته من الرجال الذين قاوموا فشهد الجيوش وهى تهزم وتتقهقر للخلف، وشهد المذابح والتطهير العرقى والقتل الممنهج والعشوائى أيضا، والرجال وهم يفرون دون حيلة والمنازل وهى تفقد أصحابها، فهل يمكن أن يعود كما كان بعد ذلك هل يظل شيء كما كان؟! فقد فقدت الوجوه طبيعتها والمدينة أيضا.

وهكذا على مدار أحداث الرواية لم يستطع السبع الفكاك من شراك هزيمته سوى فى لحظات يجمع فيها أهل قريته يروى لهم ما حدث خلال الحرب وبعض بطولات المقاومة ورصد أسباب الهزيمة الحقيقية، ليؤكد الكاتب من خلال هذه النقطة على المحور الأساسى للرواية وهو الحكاية حتى وإن كانت عن الهزيمة لعلنا نعيد ترتيب أوراقنا ونتجنب المزيد من الخسائر، ونوثق لجرائم المحتل وحبكة أكاذيبه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل