كيف يترجم لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس الأمريكي جو بايدن؟ - BBC News عربي

كيف يترجم لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس الأمريكي جو بايدن؟ - BBC News عربي

منذ حوالي شهر واحد

كيف يترجم لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس الأمريكي جو بايدن؟ - BBC News عربي

صدر الصورة، Reuters\n"إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل"، عبارة قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن متعمداً أن ينظر أثناء قولها إلى عيون ضيفه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.\nبدأ بايدن الحديث عن الهجوم الإيراني على إسرائيل مباشرة بعد الترحيب بالسوداني ليظهر التناقض واضحاً بين الرجلين.\nفبايدن يؤكد على مشاركة بلاده في الدفاع عن إسرائيل ضد الهجوم الإيراني بينما مواقف السوداني وحكومته معروفة؛ فهي ضد إسرائيل وسياساتها وحربها في غزة.\nيرأس السوداني حكومة تسيطر عليها الأحزاب العراقية الأكثر قرباً من إيران. لكن العراق مع ذلك يبقى بلداً مهماً لأمريكا، وقد استطاع السوداني أن يؤمّن هذه الدعوة من بايدن إلى أمريكا وإلى البيت الأبيض رغم الخلافات في الرؤى والمواقف. تحدّث السوداني بما سماه روح الصراحة والشراكة عن ذلك الخلاف في الرؤية تجاه أزمات الشرق الأوسط بين العراق وأمريكا لكنه تحدّث عن الإيمان المشترك بالقانون الدولي والرغبة في إنهاء قتل المدنيين.\nجاءت زيارة السوداني في أصعب توقيت ممكن مع هذا التوتر بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران من جهة أخرى. يتمثل جزء كبير من المهمة السياسية لأي رئيس وزراء في العراق اليوم - في قدرته على إقامة علاقة قوية مع كل من إيران وأمريكا، وكلما توتر الوضع بين واشنطن وطهران أصبحت تلك المهمة أصعب.\nكان السوداني وما يزال يأمل في الحفاظ على ما تحقق في السنوات الماضية من استقرار نسبي في العراق أمنياً وسياسياً واقتصادياً مقارنة بالسنوات الماضية التي شهدت حرباً مدمرة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وقبل ذلك فترات من العنف الطائفي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.\nاصطحب السوداني وفداً كبيراً ضم العشرات من الوزراء وكبار الموظفين والمستشارين ورجال الأعمال والمعلقين الإعلاميين وغيرهم. واستجابة لدعوة وجهها لوسائل الاعلام العالمية لحوار مختلف قليلاً عن صيغة المؤتمر الصحفي - ذهبنا إلى مقر إقامته للحديث اليه والاستماع له.\nبدا السوداني مرتاحاً رغم صعوبة الظروف التي رافقت الزيارة، فخبرته السياسية ليست قليلة الآن إذ شغل مناصب وزارية متنوعة على مدى السنوات العشر التي سبقت وصوله إلى رئاسة الوزراء.\nخيّم موضوع الهجوم الإيراني على إسرائيل على الأسئلة، خصوصاً وأن الهجوم مَر عبر الأجواء العراقية التي دخلت منها الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية في طريقها إلى إسرائيل.\nصدر الصورة، EPA-EFE/REX/Shutterstock\nشرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك\n\nتلقّى رئيس الوزراء العراقي أسئلة كثيرة عن ذلك أجاب عنها موازناً بين ثوابته وبين ما يقتضيه المنهج الدبلوماسي الذي تطورت على أساسه علاقته بأمريكا ليصل إلى زيارتها. ألقى اللوم على إسرائيل ولم يوجه اللوم أو الإدانة بوضوح لإيران لاختراقها المجال الجوي العراقي أثناء الهجوم.\nسألته بوضوح عن موقفه من حيث المبدأ من الهجوم، ومن اختراق مجاله الجوي من قبل إيران التي يتمتع معها هو ومجموعته السياسية بعلاقات قوية. أجاب أيضاً بطريقته التي تتجنب المباشرة عن أنه يضع العراق أولاً، وأن هذا هو منهجه في هذه الزيارة، وبأنه يريد تجنيب العراق أي اختراق مماثل أو أن يتحول إلى ساحة للصراع.\nقال السوداني أكثر من مرة إن الأراضي العراقية لم تكن منطلَقاً للهجوم. لكنني ذكّرت رئيس الوزراء العراقي بأن بايدن اتهم جماعات عراقية مدعومة من إيران بالمشاركة في الهجوم، وسألتُه إنْ كان بايدن قد طلب منه تغيير سياسته في التعامل مع تلك الجماعات، خصوصاً وأن السوداني لم يتردد في ضم قوى تخضع للعقوبات الأمريكية إلى حكومته وفي الظهور مع شخصيات تخضع للعقوبات الأمريكية علناً.\nهنا جاءت اللحظة الأكثر صراحة في حديث رئيس الوزراء العراقي الذي قال إنه لا يحتاج لتلقي النصائح من أحد، وبأن السياسات العراقية يضعها العراق فقط.. كانت تلك لحظة نادرة غادر فيها السوداني خطابه الحريص في هذه الزيارة أو كاد. لكن وبغض النظر عن الخطاب والألفاظ فإن لإيران نفوذاً كبيراً في العراق، ولها حلفاء عراقيون قريبون من حكومة السوداني أو هم فيها.\nالعنوان الآخر الذي استبق وصول السوداني إلى واشنطن إعلامياً كان فكرة الانسحاب الأمريكي من العراق. إذ يقع رئيس الوزراء العراقي تحت ضغط القوى العراقية القريبة لإيران والتي تريد انسحاباً شاملاً للقوات الأمريكية. لذلك ركزت بعض عناوين التغطيات الإعلامية على فكرة أن السوداني قادمٌ لمناقشة الانسحاب.\nلكن تلك القضية أعقد مما تبدو.\nفالولايات المتحدة لا تستخدم أبداً مصطلح الانسحاب، إذ يشكّل الوجود العسكري الأمريكي ضماناً لواشنطن على استمرار الوضع العسكري الراهن في العراق وسوريا والذي تحقق بعد الحملة على تنظيم الدولة.\nتعرّض السوداني لوابل من الأسئلة الصحفية عن الانسحاب الأمريكي وتفاصيله وعن كونه أمراً تريده إيران أو القوى العراقية المدعومة من إيران، وكان جوابه دائماً يتمثل في القول إن الانسحاب الأمريكي مطلب عراقي أوّلاً وليس مطلباً إيرانياً.\nأعاد لأكثر من مرة ما قاله أثناء لقائه بايدن من تذكير بأعمال اللجان العسكرية المشتركة الأمريكية العراقية التي تبحث في تراجع وانحسار تنظيم الدولة الإسلامية، وفي تطور قدرات القوات العراقية، وتدرس الظروف من أجل تحديد موعد إنهاء مهمة قوات التحالف الذي تقوده أمريكا منذ تشكيله لمساعدة العراق في قتال التنظيم قبل عشرة أعوام.\nرغم كثرة الأسئلة والأجوبة عن هذا المحور إلا أن السوداني أبى أن يغير خطابه الذي يوازن فيه بين مواقفه ومواقف القوى التي تدعمه في العراق، وبين أمريكا وما تريد.\nتحدث السوداني كثيراً عن قناعته بأن القضية الفلسطينية وسياسات إسرائيل فيها وخصوصاً في حرب غزة تمثل المعضلة الأساسية التي تمنع الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن فيما يخص العراق تحديداً قال إنه يريد تجنب تحول بلده إلى ساحة للصراع، وبأنه يتحدث مع إيران من جهة ومع أمريكا من جهة أخرى من أجل ضمان ذلك. استفاد السوداني كثيراً من الاستقرار النسبي في العراق، وانخرطت حكومته في خطة إنفاق كبيرة شملت مشاريع بدأت تظهر ملامحها في بغداد وأماكن أخرى راسمةً صورة مختلفة نوعاً ما للعراق. ما زالت الخلافات السياسية موجودة، وما زالت هناك مشاكل كبرى مثل الفساد الهائل الذي يدخل في مفاصل الحكومة على مستوياتها المتعددة.. وما يزال الاقتصاد العراقي معتمداً بشدة على النفط دون خطط تنمية حقيقية.. وما زالت نسبة الفقر واضحة في المجتمع، لكنّ هنا تغييراً يتحدث عنه مَن يزور العراق ويتحدث للناس العاديين. يأمل السوداني أن يتحول هذا التغيير إلى إنجاز سياسي يطبع فترته في رئاسة الحكومة التي قد يحلم أيضاً بأن يلحقها بفترة أخرى، لكن نجاح زيارته وتحقيق أهدافه سيعتمدان على نفس المعادلة التي تعامل معها أسلافه من رؤساء الحكومات في العراق طوال العقدين الماضيين - وهي معادلة إرضاء إيران وأمريكا معاً.\n© سياستنا بخصوص الروابط الخارجية.

الخبر من المصدر