حرب السودان: مراسل بي بي سي يعود إلى بلاده "أخشى أن تتحقق أسوأ مخاوفنا وتستمر الحرب لسنوات!" - BBC News عربي

حرب السودان: مراسل بي بي سي يعود إلى بلاده "أخشى أن تتحقق أسوأ مخاوفنا وتستمر الحرب لسنوات!" - BBC News عربي

منذ حوالي شهر واحد

حرب السودان: مراسل بي بي سي يعود إلى بلاده "أخشى أن تتحقق أسوأ مخاوفنا وتستمر الحرب لسنوات!" - BBC News عربي

غادرت بلادي، السودان، مع أسرتي بعد أسابيع من بدء الحرب الدموية بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان من العام الماضي، وبعدما تدهورت الأحوال الأمنية في مدينة أمدرمان حيث أعيش في ظل استمرار الاشتباكات بين الطرفين، وباتت الحياة شاقة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه.\nعودتي الأولى كانت إلى مدينة بورتسودان في سبتمبر/ أيلول الماضي. وها أنذا أعود إليها مرة ثانية بعد غياب دام أشهرا.\nثمة تغييرات كثيرة حدثت في المدينة الساحلية التي اتخذتها الحكومة كعاصمة بديلة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم منذ بدء الحرب في أبريل / نيسان الماضي وحتى الآن.\nمطار المدينة - الوحيد الذي يعمل حاليا في عموم البلاد - صار أكثر حيوية ونشاطا مع ازدياد حركة الطيران من شركات محلية فضلا عن الخطوط الجوية المصرية والأفريقية التابعة للحكومة الليبية.\nصالة الوصول الصغيرة مزدحمة بالواصلين من مناطق شتّى من أنحاء العالم العربي ومعظمهم من السودانيين، الذين جاء بعضهم لقضاء عطلة العيد مع أهاليهم رغم استمرار الحرب.\nلاحظت، أن هناك تشديدا في إجراءات الدخول من قبل عناصر أمنية يرتدون الزي المدني ويراجعون الجوازات خاصة من عناصر الشباب.\nخف هدير المولدات المزعجة مع تحسن التيار الكهربائي، وتقلصت طوابير السيارات أمام محطات الوقود.\nالسلع الغذائية متوفرة، ومعظمها من مصر والسعودية، ولكن، في المقابل، هناك غلاء فاحش إذ تضاعفت أسعار المواد الغذائية مع انخفاض قيمة العملة المحلية بمستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي.\nكما ارتفعت أسعار إيجار العقارات ارتفاعا كبيرا، بينما يصر كثير من الملاك على دفع قيمة الإيجار بالدولار الأمريكي وليس بالجنيه السوداني.\nشرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك\n\nعند الصباح الباكر، كان الجو غائما والهواء عليلا خارج المطار.\nأحسست بالإرتياح وخفّت رغبتي في البكاء بسبب الحزن والخوف والقلق، لأنني أعود لبلادي للمرة الثانية والحرب أوشكت على إنهاء عامها الاول.\nخفّت المظاهر العسكرية كثيرا عما كانت عليه قبل أشهر.\nلم نصادف إلا نقطة تفتيش واحدة في طريقنا من المطار وحتى وصولنا إلى وسط المدينة قاطعين أكثر من 30 كيلومترا.\nلا توجد مظاهر عسكرية كثيفة إذ خفت القيود على الحركة والتي كانت مفروضة بشكل كبير، وسُمح لأصحاب المحال التجارية على طول منطقة الكورنيش بالعمل فيها بعد أن كانوا ممنوعين من ذلك.\nكما ازداد عدد المارة والعائلات في هذا المكان الذي يعد من المتنفسات القليلة للناس في بورتسودان.\nومع ذلك، توجد حالة من التوجس والقلق بسبب مخاوف من استهداف المدينة بالمسيرات، ولا سيّما أن مدينة القضارف التي لا تبعد كثيرا عن بورتسودان استُهدفت بالمسيرات قبل يوم واحد من العيد.\nويقول لي إبراهيم أونور وهو أحد بائعي القهوة المنتشرين في المدينة إنه لم يعد يشعر بالأمان "بعد سماعنا بسقوط مسيرات في القضارف أصبحت أخاف من أن تسقط علينا مسيرة في مدينة بورتسودان.. لا أريد ذلك أن يحدث.. المدينة هادئة وبها عدد كبير من الناس وإذا حدث مكروه ليس لنا مكان نلجأ إليه سوى البحر".\nكنت أخطط لزيارة سيدة تدعي حواء التقيت بها في أحد مراكز الايواء خلال زيارتي السابقة.\nحواء كانت قد فقدت الاتصال بزوجها وجاءت منذ بداية الحرب وحيدة مع أطفالها الخمسة إلى بورتسودان من أمدرمان.\nللأسف لم أتمكن من الالتقاء بها، ووجدت أن المركز الذي كانت تقيم فيه قد فككته السلطات وحولته إلى مقر حكومي.\nلاحظتُ أن عدد مراكز إيواء النازحين قد زاد مع وصول أعداد ضخمة من الفارين من مدينة ود مدني في وسط السودان بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.\nفمعظم المدارس والمساكن المخصصة لطلاب وطالبات الجامعات وعدد من المؤسسات الحكومية في بورتسودان تقريبا قد امتلأت بالنازحين الجدد.\nزرتُ أحد دور الايواء والذي كان سكنا لطالبات الجامعات، حيث وجدتُ وضعا مزريا للغاية فمعظم ساكنيه نساء وأطفال يعشيون في مساحات صغيرة وشحيحة الخدمات.\nالتقيتُ زينب السماني، وهي ربة منزل وتبلغ من العمر نحو 50 عاما، كانت تحاول إطعام أحفادها الجوعى رغيف الخبز المنقوع بالماء وقليل من السكر.\nقالت لي إنّها ظلت تعاني مع أسرتها المكونة من سبعة أفراد من نقص في الطعام طوال فترة مكوثها في الدار والتي قاربت العام.\n"والله .. فقدنا أشخاصا أعزاء .. فقدنا كل شيء .. نهب محلنا التجاري في نيالا وفقدنا منزلنا ووالدنا الذي كان من أكبر التجار في نيالا.. مع خروجنا دخلت قوات الدعم السريع إلى المنزل ونهبت كل شيء".\nفرّت من القتال من مدينتها نيالا في جنوب دارفور مع بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. والآن بعد مرور عام من الحرب ومع هدوء الأحوال في المدينة ترفض العودة بسبب القصف الجوي.\n"نتمنى أن تتوقف الحرب ويعم السلام، وحتى لو لم أعد فإن غيري سيعود إلى محله. لأن البيئة التي أعيش فيها الآن لا يمكن للإنسان أن يعيش فيها ولا تنفع في تربية الأبناء ونشأتهم".\nوكشفت منظمات معنيّة أن ما يقرب من 20 مليون شخص، أي واحدا من كل اثنين من السودانيين تقريبا، يواجهون سيناريو انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما حذرت من مجاعة تلوح في الأفق إذا لم يتوقف القتال وتصل المساعدات إلى المحاصرين في مناطق النزاع.\nوقال محمد جمال الدين وهو متحدث باسم برنامج الغذاء العالمي لبي بي سي إنّ الحاجة ملحة جدا لوقف القتال فورا: "نحن قلقون للغاية من حالة الوضع الإنساني المتردي الذي وصل إلى مرحلة الجوع.. استطعنا الوصول فقط الى عشرة في المئة من المحتاجين.. وعلى الأطراف المتنازعة أن توقف القتال فورا وتسمح بإيصال المساعدات".\nوتوصف الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/ نيسان من العام الماضي بأنها أسوأ أزمة في العالم وأكثرها تعقيدا وقسوة، إذ أدّت إلى مقتل أكثر من 14000 شخص ولجوء نحو مليون شخص إلى دول الجوار، هذا فضلا عن الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية.\nكما رافقتها انتهاكات واسعة النطاق ترقى بعضها إلى جرائم حرب كما أشارت إلى ذلك منظمات حقوقية دولية وإقليمية عدة.\nوتقول منظمة أنقذوا الأطفال إنّ عشرة ملايين طفل تحت مرمى النيران في مناطق النزاع، هذا فضلا عن أن أربعة ملايين منهم يواجهون شبح المجاعة.\nمنذ أن بدأت حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم الرئيس المعزول عمر البشير، ومع القمع الشديد الذي يواجه المحتجين بت أخشى الأعياد!\nوأصابتني بحالة أقرب للفوبيا مع اقتراب موعد الأعياد، وذلك لأن أحداثا عنيفة ودموية ظلت ترافقها طوال السنوات الخمس الماضية ولعل أشهرها واقعة فض اعتصام المحتجين أمام قيادة الجيش في عام 2019 والتي أدت الى مقتل العشرات، بعد أن فضّت قوة أمنية مشتركة تجمعا سلميا قبل يومين من العيد، وتكررت حوادث مماثلة مع كل عيد تلاه.\nوعندما وصلت بورتسودان قبل أيام من عيد الفطر كانت تنتابني الهواجس ذاتها.\nوالمثير أنني اكتشفت أن كثيرين يشاركونني الشعور نفسه، لكن لحسن الحظ، مرّ هذا العيد دون أحداث جسام.\nوأقيمت صلاة العيد في استاد المدينة الرئيسي الذي شهد للمرة الأولى حضور مصلين من معظم أرجاء البلاد، وليس سكان المدينة فقط كما جرت العادة.\nكانت التهاني والتبريكات تتركز حول وقف الحرب والعودة مرة أخرى للمناطق التي جاءوا منها.. وكثيرين رددوا:"إن شاء الله الحرب تقف ونرجع بيوتنا ونكون سالمين وتامين".\nولكن يبدو أنّ هذه الأمنية مازالت بعيدة المنال.\nفمع دخول الحرب العام الثاني لا يبدو في الأفق ما يشير إلى نهايتها في ظل تأكيدات الطرفين بحسمها في ساحات المعارك وليس على طاولة المفاوضات.\nفقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له، أكد أنه سيقاتل حتى تحقيق النصر، كما أنه أجرى في فترة إجازة العيد زيارات مكوكية إلى مناطق تحت سيطرة الجيش في القضارف وكسلا وأمدرمان ، وظل يؤكد في كل مرة أنّ الحسم سيكون بالسلاح.\nوقال في لهجة بها نوع من التحدي في القضارف: "نحن مصممون كلنا كسودانيين أن العدو يجب أن ينتهي.. ومصممون على قهر العدو.. لا يوجد شخص يستطيع قهرنا ولن نسلم أمرنا لشخص ولا يوجد أحد يفرض رأيه علينا".\nأما قائد قوات الدعم السريع الذي ظل خارج البلاد منذ أشهر، فقد قال إنّ الخيار الوحيد لإنهاء الحرب هو القتال.\nوقال خلال خطاب صوتي إنّ خيارهم الوحيد هو النصر أو النصر "سننتصر لضحايا الحروب وللمظلومين والمهمشين ولضحايا القصف الجوي الممنهج في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان".\nومع دخول الحرب عامها الثاني يخشى ملايين السودانيين أن تتحقق أسوأ مخاوفهم بأن تستمر الحرب لسنوات وسنوات، على غرار ما حدث في عدد من دول المنطقة.\n© سياستنا بخصوص الروابط الخارجية.

الخبر من المصدر