المحتوى الرئيسى

أحاديث فى المخارج من الوضع العربى المريض

03/28 12:13

ما يحتاجه الوضع العربى المأساوى الحالى بشدة هو الانتقال من فترة الانشغال المبالغ فيه بالتحليل والنقد، وما يتبعه من بكائيات ومماحكات وتبادل اللوم، ومن ثم ازدياد الخلافات والصراعات، إلى الانشغال الضرورى أيضًا بتفاصيل أفكار وأفعال المخارج لإنهاء ذلك الوضع وعلاجه والخروج من الجحيم الذى يعيشه.

من هنا الأهمية القصوى لتوعية شابات وشباب الأمة بتفاصيل واحد من تلك المخارج الكبرى الموجود فى المشروع الأيديولوجى العروبى الشامل: المشروع النهضوى العربى.

ولقد ألححنا على استعمال كلمة أيديولوجية، لأننا نعتقد أن المطلوب هو نظرة شاملة متكاملة لإحداث تغييرات مجتمعية جذرية كلية من خلال أفكار وأفعال متناسقة متعاضدة مبنية على العلم والقيم والعقلانية، وليس إحداث إصلاحات جزئية متناثرة مستقلة هنا وهناك لا تؤدى إلى تلك الصورة التغييرية المجتمعية الجذرية الكبرى التى تنشدها الملايين لإخراج الأمة من تخلفها التاريخى الحالى.

ذلك أن موجات الهجمة الاستعمارية الخارجية والصهيونية المتعددة الوجوه والمستويات على مختلف أجزاء الوطن العربى، وأن مواجهتها من قبل داخل عربى ممزق متخلف ضعيف يتطلبان بالضرورة وجود مشروع نضالى عروبى وحدوى جماهيرى مقاوم يحمل كل عناصر القوة والإرادة لتجييش الملايين، وعلى الأخص الشابات والشباب، من ورائه.

لنبدأ بعرض المكون الأول من هذه الأيديولوجية، مصدر وسر استمراريتها وقوتها وعقلانيتها: الوحدة العربية.

وبعيدًا عن التباينات والخلافات الكثيرة حول تعاريف ومكونات المجتمع والدولة والأمة التى تزخر بها قواميس وموسوعات السياسة، والتى فى الغالب لا تقدم ولا تؤخر ولا تزيد على مناقشات لغوية فنية وقانونية، فإن الجانب الحاسم فى هذا الموضوع هو نسبة وحجم وجدية وجود رغبة وإرادة الأغلبية من العرب لتكوين أمتهم ومجتمعهم ودولتهم. أما التفاصيل القيمية والقانونية والتنظيمية لتلك الكيانات فإنها تأتى بعد ذلك على أى حال وتتبدل بتبدل الأزمنة.

ولذلك فالإجابة عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالاقتناع بضرورة أو عدم ضرورة قيام نوع من الوحدة العربية هى المنطلق للنظر فى هذا الشعار الأيديولوجى العروبى. وكلما كانت الأسئلة هى من إملاءات الواقع وضرورات المرحلة التاريخية كانت أصدق وأهم من الأسئلة النظرية التى لا تهم فى الغالب سوى الأخصائيين أو أصحاب ثرثرات دواوين السياسة.

لنطرح السؤال: لو أن كيانًا توافقيًا وحدويًا عربيًا واحدًا، مهما كانت مسمياته وطرائق تكوينه، تحقق، وبشرط عدم وجود أية إملاءات أو توجيهات خارجية غير عربية من أى نوع أو درجة، فهل كنا جميعًا، ودون استثناء، سنبقى فى وضعنا الحالى الآتى: اقتصادات صغيرة معتمدة على منة وابتزازات وشروط تعجيزية من هذه الدولة أو الكتلة الخارجية الكبيرة أو تلك، وأسواق صغيرة محدودة تعرقل شتى أنواع الإنتاج والتطوير فى التجارة العربية، وأمن عسكرى مهدد من قبل كل أنواع الأعداء ومعتمد كليًا على ما تتفضل ببيعه الدول المصنعة بشروطها وإملاءاتها التى تجعل الاستقلال الوطنى والقومى ألعوبة فى يد الخارج، وعدم القدرة على الدخول فى منافسات تطوير العلوم والتكنولوجيا، بسبب صغر حجم العمالة المدربة أو العالمة فى هذا القطر أو ذاك، وغياب مفجع للأمن الغذائى والمائى بسبب هيمنة الخارج على مجارى الأنهار والاعتماد فى ذلك على ما تسمح به القوى الراضية عنا والمهيمنة على قراراتنا؟

لكننا، مع الأسف، سمحنا لكل منا أن يبقى فى هذا الوضع الضعيف المهدد أو ذاك. وحتى بعض المحاولات المحدودة للخروج من بعضها، كما حاولنا مثلًا من بناء وحدة اقتصادية عربية منذ عام 1957، أو كما حاولنا من بناء صناعة حربية عربية أو بناء منظومة أمنية، وغيرها كثير، ووضعناها فى الأدراج، ودخل كل منا فى الضياع والتيه والاعتقاد الخاطئ بأن فى استطاعة هذا أو ذاك أن يدخل العصر بكل منافساته وتعقيداته ومخاطره معتمدًا على نفسه ودون حاجة إلى بقية العرب الآخرين.. حتى بعض المحاولات فشلت إلى حد كبير.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل