المحتوى الرئيسى

«الراجل يعيط»

03/27 22:57

«الراجل ميعيطش»!! تلك المقولة شبه الخالدة التى ظلمت بها أجيال من الصبيان والشباب والرجال، فكبروا على كبت المشاعر وعدم التعبير عنها، وعلى أن إفصاح الرجل عن حزنه أو إطلاقه العنان لدموعه هو «عيب»، و«ضعف»، و«لا يصح»، وهو أمر من أكثر ما يكون إيذاء للنفس البشرية. يصيبنى الذهول من مشهد طفل صغير لا حول له ولا قوة يبكى من أمر أحزنه، وهو شىء طبيعى ومباح ومشروع، بينما تنهال عليه أوامر المربين بعدم البكاء «لأنه رجل»!

والصحى والصحيح هو إقرار مشاعر الأطفال وعدم إنكارها، والاستماع إليهم بجدية وتعاطف، وتعليم الأطفال فى سن صغيرة التعرف على مشاعرهم وتسميتها، وتوجيههم وتدريبهم على كيفية التعامل معها بشكل سليم، وتعليمهم مهارات حل المشكلات، فمن المقبول المرور بأى شعور ولكن ليس كل تصرف قائم على هذا الشعور مقبولا. وهناك العديد من الكتب التى تشرح للأطفال المشاعر المختلفة، وأسماءها، وأنواعها، وطرق التعامل معها بشكل سليم، بأسلوب مبسط ورسوم جميلة وألوان جذابة.

يذهب عالم النفس الأمريكى «دانيال جولمان» فى كتابه «الذكاء العاطفى» إلى أن المهارة الأساسية لممارسة الحياة هى «الذكاء العاطفى»، بمعنى أن نكون قادرين على التحكم فى نزعاتنا، وأن نقرأ مشاعر الآخرين الدفينة، ونتعامل بمرونة فى علاقاتنا مع الآخرين. ويرى أنه ليس من الدقة ربط النجاح فى الحياة بنسبة حاصل الذكاء «IQ»، وأنه لكى نساعد أولادنا على النجاح فى الحياة فلابد من الاهتمام بـ«الذكاء العاطفى» والذى يشمل ضبط النفس والحماس والمثابرة والقدرة على حفز النفس، فلابد من تعليم الأطفال هذه المهارات، حيث إن القدرة على السيطرة على الانفعال هى أساس الإرادة وأساس الشخصية.

والذكاء العاطفى بشكل عام يرتبط بالقدرة على فهم المشاعر، وكيفية إدارتها، وليس كبتها وتجاهلها وإخفاءها كبركان داخلى يحرق النفس والروح. إن تسمية الأطفال لمشاعرهم والتعبير عنها وإقرار المربين لها يساعد على تهدئتها، ولكى تقترب الصورة أكثر للذهن، تخيل نفسك فى غمرة غضبك أو حزنك أو انفعالك، بينما يحاول آخرون إسكاتك بعنف أو قهرك بشدة أو الاستخفاف بالأمر وإقناعك أنه لا يستحق. إن علينا فى تعاملنا مع الأطفال أن نرضى لهم ما نرضاه لأنفسنا.

ووفقا لجولمان يشمل الذكاء العاطفى خمسة مجالات أساسية. أولها الوعى الذاتى بمعنى أن يعرف كل إنسان عواطفه، ويتعرف على الشعور وقت حدوثه، وثانيها إدارة العواطف بمعنى القدرة على تهدئة النفس، والتخلص من القلق الجامح، وسرعة الاستثارة، وثالثها تحفيز النفس بمعنى توجيه العواطف لخدمة هدف ما بما يساعد على التفوق والإبداع، أما رابعها فهو التعرف على عواطف الآخرين بما يدفع الإنسان إلى الإيثار حيث يكون الشخص أكثر قدرة على التقاط الإشارات الاجتماعية التى تدل على أن هناك من يحتاج إليه، وأخيرا توجيه العلاقات الإنسانية بمعنى الكفاءة الاجتماعية وما تستلزمه من مهارات تساعد على التمتع بالشعبية والقيادة والفعالية فى عقد الصلات مع الآخرين والتفاعل مع الناس.

ويؤكد فى كتابه على أن ضعف الذكاء العاطفى يزيد من حدة المخاطر النفسية بداية من مرض الاكتئاب أو الحياة المليئة بالعنف وحتى إدمان المخدرات، وأن المدارس الرائدة تعلم الأطفال المهارات العاطفية والاجتماعية، فمن الضرورى أن يجمع التعليم بين ثقافتى العقل والقلب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل