المحتوى الرئيسى

د. تامر محمد فتوح يكتب: ملامح من الحياة الروحية للشيخ الجعفري

01/27 03:35

شهد الأزهر الشريف على مر عصوره أعلاماً؛ منهم العلامة الكبير الشيخ صالح الجعفرى، رضى الله عنه، يحدثنا الدكتور محمد رجب البيومى فى كتابه «أشواق العارفين» (2/115) عن دروسه بالأزهر، وأنه كان يأتى بروائع المعانى ونفائس الحِكَم فى التفسير، وأن مدداً روحياً كان يتدفَّق على لسانه، مرتفعاً من زوافر قلبه المتلاطمة، ويتعجب قائلاً: وكم للشيخ فى ساحات درسه من وثباتٍ وِجدانية لا ندرى من أين جاءت! فقد قرأنا ما يقرأ الناس من كتب التفسير وصحائف الحديث، ولكننا لم نر هذا الشرح المتدفق لأحدٍ من سابقيه. اهـ.

هكذا القلب الموصول بالله تفيض عليه المعانى واللآلئ، ما يبهر السامعين، ويأخذ بقلوبهم وعقولهم، فقد كانت روحه أخَّاذة، انجمع عليها الناس فى وجود وانجذاب، متأثرين بحاله وقالِه، فالحرف إن لم يحترق فى صاحبه معنىً ووجداناً فهو كلا شىء.

هذا الولى الصالح الذى حج اثنتين وخمسين مرة، وكانت له كرامات ومكاشفات، وقد اهتم الدكتور أسامة الأزهرى فى «جمهرته لأعلام الأزهر» (7/ 14) بإبراز هذا الجانب الروحى فى شخصية الشيخ، فقال فى ترجمته: إنه كان صاحب روحانية وانفتاح على الغيب، حتى قال مثلاً وهو يتحدث عن العلامة الشيخ محمد عليش، شيخ السادة المالكية: (وحينما جئت الأزهر استقبلنى مناماً، وأرشدنى إلى ما فيه الفتوح والحمد لله..).

ثم يعقِّب فيقول: هذا النَّفَسُ الرفيع من التعلق بالأئمة والصالحين والأكابر، وصفاء الروحانية وتأهلها لمخالطة أرواحهم، من خصائص منهج الأزهر الشريف؛ لأنه منهج قائم على تدريس الوحى الشريف والعلوم الخادمة له، فمن شأنه أن يزج صاحبَه ودارسه فى هذه المعارج الروحانية التى تكفل له الاندراج فى أحوال أهل الله، حتى يَرِقَّ الحجاب بينه وبين الغيب، ويكاد يعاين الغيوب الشريفة. اهـ.

كان بوسع الشيخ أن يعيش حياة الموسرين، ويسكن الأماكن الفاخرة، لكنه آثر حياة الزهد والبساطة، حتى إنه عاش حياتَه كلها فى غرفة خشبية ضيقة برواق المغاربة بالأزهر، مشاركاً خدم الجامع فى أعمال النظافة، وكان مريدوه من مختلف البلاد يرسلون إليه الهدايا النفيسة فيوزعها على المحتاجين، لا يألو جهداً فى قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم.

يقول الدكتور رجب البيومى (2/120): وحين كنا نشيِّع جنازته بالأزهر -وقد ماجت الحشود المتراصة خلف نعشه- رأينا عشرات الباكين من المواطنين البسطاء، الذين قد وسعتهم نفسُ الشيخ، فأغدق عليهم من مَدده النفسى ما كان نعم الزاد لهم فى رحلة الحياة، وفيهم من ندَّ عنه صوابه، فأخذ يقول: كنت سارقاً وتبت على يد الشيخ صالح، ومن يقول: كنت سكّيراً، وتبت على يد الشيخ صالح، ومن يقول: لقد تعرضت أسرتى للتشريد لولا عزيمة الشيخ صالح.

وقد انتهت الجنازة، وخواطرى توحى إلىَّ أن من الضرورى الحتم للناس أن يكون لهم من العلماء الصادقين بلاسم شفاء، ومراوح نسيم تقيهم لفحات الحياة عند الزلل، وقد كان الشيخ صالح شجرةً وارفة ذات ظل، تُسقط الثمر، وتحمى من القَيظ، وتؤذن بالإسعاد. اهـ.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل