المحتوى الرئيسى

والتوقيع.. مفيد! | المصري اليوم

12/05 06:05

لو كتب الله له قدر ساعة أخرى فى الحياة الدنيا لسجل طيب الذكر الكبير «مفيد فوزى» تفاصيل ساعاته الأخيرة على قيد الحياة، فى جمل تلغرافية عميقة المعنى، مملوءة بمداد تجربة حياتية عريضة. توقعًا، سيكتب: «أنا مُتّ.. بحبكم».. والتوقيع مفيد!.

عندما لم يرد على اتصالاتى أخيرًا، علمت أنه مريض، وعندما ردّت كريمته وقرة عينه «حنان» على اتصال أخير بجملة تلغرافية: «ربنا موجود ويخفف عنه.. شكرًا جدًّا على محبتك»، دعوت أن يرده الله سالمًا مُعافًى، سبحان مَن له الدوام، اختارته السماء، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.

سأفتقده أخًا كبيرًا. رقم صعب فى حياتى، فى العقد الأخير، قرّبنى إليه، وكنت من المحظوظين، ويوم تكرم بزيارتى فى بيتى المتواضع كانت عطفة ملؤها الغبطة والسرور، جلس صامتًا مواجهًا النيل ساعة الغروب متأملًا صفحته وكأنه راهب فى محرابه منقطع عن العالم.

وبعد خلوته القصيرة، تحدث فى ثلة الأحباب، سمعنا منه ما أبهجنا جميعًا، كان إذا تحدث حلو الحديث.. كنت أنتظره والرفاق على موعد قريب، ولكن فات الميعاد.

«مفيد فوزى» اسمه ثنائيًّا وكفى، لا يقف كثيرًا عند الألقاب والصفات والنعوت، ثنائية تعنى الدقة والرقة والدأب والإلحاح على المعلومة، يوقظك من سابع نومة لأن معلومة غُمّت عليه، قضّت مضجعه، وما إن يظفر بها حتى يصوغها بحرفية الصائغ الأريب، يحول الكلمات إلى جواهر، ينظمها فى عقد فريد من البلاغة والفصاحة، مدهش فى صوغ عبارته، قصيرة، سهلة، مهضومة، مفطور على صك العبارات التى تدخل القلب سريعًا.

طوال عمره حتى النفَس الأخير، فى شغل، الأستاذ مفيد لم يعرف الراحة قط، ولا الركون المحبب فى فضاءات العمر، تعب هى الحياة، تعجب من راغب فى ازدياد، لا يكل ولا يمل ولا يجلس جنب الحائط يُمَنِّى نفسه بجملة تسقط فوق رأسه كتفاحة نيوتن، عامل عليها، يشقى ويتعب.. ليكتب.

قدَّس اللهُ روحَه، كان «أسطى» تخرج على يديه فى مجلة صباح الخير (الصبوحة) أجيال ارتوت من قصار جمله، التى تصيب كسهام الهدف فى القلب منه تمامًا، وبالمعنى الأكاديمى هو أستاذ ورئيس قسم الكتابة الرشيقة والجمل الراقصة، ومدرسته معنونة بـ«ما قَلَّ ودَلَّ».

كان مُحِبًّا للحياة، ومحبة الأستاذ مفيد ترتسم فى مقالاته، التى يُعطرها بأفكاره المدهشة وأحكامه القاطعة وجمله الراقصة. ترقص جمل الأستاذ جميعًا على نغم حبه لمصر، يحبها من كل روحه ودمه، فى حبه متبتل وتحَمّل فى سبيل حبه لوطنه الكثير من العنت ممن فى قلوبهم مرض (حزب أعداء النجاح).

قدَّس اللهُ روحَه، كان مقاتلًا بالكلمة، ولم يأبه يومًا بالحملات الممنهجة التى تعرض لها بين الفينة والأخرى، كنت أعجب، لماذا كل هذا الصخب من حوله، وكيف يحتمل كل هذا الضجيج، وكيف يغمض عينيه وكل هذه المشاهد المزعجة تمر أمام عينيه، فلا يجفل ولا يحفل ولا يخشى ولا يتراجع ولا تلين عريكته؟!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل