المحتوى الرئيسى

ياسين بيشوى.. والأخلاقُ فى اليابان | المصري اليوم

12/01 03:38

يغمرُنى الفرحُ حين تومضُ بين الحين والحين ومضةُ نور وإشراقةُ رجاء، تؤكد لنا أن الطائفيةَ والأنانيةَ إلى زوال، ولن يتبقى فينا إلا التحضرُ والمحبة والإيثار. الإشراقاتُ ليست قليلة، بل كثيرة، لكننا قد لا نراها. والعتمةُ ليست شاسعةً، بل هناك من أعداء الوطن مَن يريد لها أن تتشاسع.. لكن شعبَنا الطيب يأبى لها أن تكون، وقيادتنا السياسية الواعية وقائدنا العظيم حريصون على تذويب العتمة فى النور فى مصر أم الحضارة والنور.

أخبرنى الخيميائىُ: عن «طيف التوحُّد» Autism

سرُّ إشراق السير «مجدى يعقوب»: PPHH

عيد ميلاد الرئيس.. محرابٌ ومذبح

دعونى أحكِ لكم ومضةَ إشراق مصرية صغيرة تؤكد أن الغدَ بإذن الله مضىء بشمس التحضُّر. «بيشوى» و«ياسين»، تلميذان فى المرحلة الابتدائية وزميلان فى الفصل. الصغير «بيشوى» يضعُ نظارةً طبية لضعف نظره. لهذا لم يرَ حقيبة زميله «ياسين» وجلس على مكتبه فى اليوم الدراسى الأول. جاء «ياسين» ووجد مقعده مشغولًا، فقال لزميله: «هذا مقعدى وحقيبتى موضوعة على الديسك!»، فنهض بيشوى معتذرًا لعدم رؤيته الحقيبة، وراح يجمعُ أدواته ليبحثَ عن مكان آخر. هنا قال «ياسين»: «لا لا، انتظر. أنت لابس نظاره، خليك إنت هنا قُدام، وأنا هاغير مكانى». وذهب الطفلُ الجميل ليجلس فى آخر الفصل. عاد «بيشوى» إلى بيته وقصَّ الحكاية على والديه، فذهب الوالدان فى الصباح إلى المدرسة وأخبرا الإدارةَ بالقصة الجميلة، فقامت المديرةُ بتكريم «ياسين» أمام زملائه، وشرحت لهم دلالة القيم الإنسانية النبيلة التى يجب أن نتحلّى بها، ونقلت ديسك «ياسين» إلى مقدمة الفصل مكافأةً له. حكايةٌ صغيرة بسيطة، لا شك تحدثُ مئاتِ المرات على صور مختلفة، لكنها تحملُ إشارة إلى الغد النقىّ الذى لن يكون فيه أثرٌ لبغضاء ولا عنصرية بإذن الله تعالى.

تحية احترام لوالدى «ياسين» اللذين أحسنا تربيته على القيم الرفيعة. وتحية احترام لوالدى «بيشوى» اللذين شعرا بأهمية إذاعة القصة لنشكر جميعًا هذين الطفلين الجميلين، اللذين يحملان لواءَ الغد.

الآن، دعونى أحكِ لكم فيديو صغيرًا يشرح لماذا اليابانُ يابان، ولماذا المواطن اليابانى هو الأعلى فى التهذّب واحترام الآخر. يبدأ الفيديو بحافلة تسير بسرعة عالية، فشاهد سائقُها طفلين يقفان على الرصيف فى انتظار العبور إلى الرصيف الآخر. توقف السائقُ وعبر الطفلان، لكنهما استدارا تلقائيًّا وانحنيا للسائق تلك الانحناءة اليابانية الشهيرة التى تقول: «شكرا». هذا ما يُطلقُ عليه: «الاحترام». هذا المشهد يحدث فى اليابان كل يوم، فهو من «طبائع الأمور». مهما كنتَ مُتعجلا، ومهما كانت الظروف، مستحيلٌ ألا تشكرَ مَن يستحقُ الشكر. هذا «قانون كوكب اليابان». حتى «الروبوت» الذى يقدم المعاملات فى المصالح الحكومية، تعلّم الأطفالُ أن يقدموا له انحناءة الشكر تلقائيًّا. لماذا يختلفُ الطفلُ اليابانى عن بقية أطفال العالم؟ لأن المدارس فى اليابان لا تكتفى بالتعليم الأكاديمى الرفيع الذى يصنعُ العلماءَ، بل تعلّمهم الأخلاقَ القويمة بشكل أساسى وعملى. من مرحلة KG يتعلّم الأطفال أن ينظفوا فصولَهم ويعيدوا ترتيب الفوضى التى صنعتها ألعابُهم. يتعلمون فضيلة «الشعور بالآخر». يتمرنون منذ طفولتهم على أن يضعوا أنفسَهم محل الآخر. يتعلمون «المسؤولية» منذ بداية تكوينهم النفسى. الطفل اليابانى يذهب إلى المدرسة فى أولى سنى حياته دون مرافقة الأم أو الأب. وبمجرد دخوله المدرسة يتشارك مع زملائه فى تنسيق الفصول وطهو الطعام الذى سوف يتناولونه فى الغداء. فى العديد من المدارس اليابانية، ليس هناك وظيفة: «عامل نظافة». فالتلاميذُ النجباءُ هم عمالُ نظافة مدارسهم. وبعد العودة إلى المنزل لا تنتهى مسؤوليةُ الأطفال، بل يذهبون إلى السوبر ماركت «بمفردهم» ليشتروا احتياجات البيت وفق توجيهات الأم، ثم يخرجون من البيت ليلقوا القمامة فى الصناديق المخصصة وفق الترتيب العالمى للمخلفات. تبدأ عمليةُ غرس القيم والمبادئ والأخلاق فى اليابان فى عمر الثالثة. ولهذا يكبر الأطفالُ مهذبين متحضرين صبورين. مستحيل أن تشاهد عمليات التدافع فى المترو تلك التى نشهدها أحيانًا فى بلادنا. ينتظرُ الناسُ بكل أدب على جوانب الأبواب حتى يهبط الركاب، ثم يصعدون بهدوء ونظام. حتى على السلالم المتحركة يقفُ الجميعُ فى طابور منتظم مرسوم بالمسطرة. أولئك الأطفال اليابانيون الذين نظفوا فصولهم وفناء مدرستهم فى طفولتهم هم الذين نشاهدهم اليوم فى مباريات كأس العالم بعدما كبروا وهم ينظفون مدرجات الجماهير بعد انتهاء المباريات. هذا ليس دورهم كمشاهدين، لكنهم يعتبرونه دورَهم كبشر متحضرين. من أفسد شيئًا عليه إصلاحه، فلا نتركُ أحدًا ينظم فوضانا. تعداد اليابان اليوم يقترب من ١٣٠ مليون نسمة، لكن وطنهم هو «الأول» فى العالم من حيث الترتيب والنظافة والتحضر والتعاطف، و«الأخير» عالميًّا فى معدلات الجريمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل