المحتوى الرئيسى

توت عنخ آمون: كيف أصبح مصدر إلهام عن الحياة ما بعد الموت في القرن الحادي والعشرين؟

11/29 00:54

"بريق الذهب في كل مكان"، كان ذلك الانطباع الأول لدى عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عندما دخل مقبرة توت عنخ آمون المبهرة المليئة بالكنوز.

في 26 نوفمبر من عام 1922، رفع شمعة لينظر من خلال ثقب صغير في مدخل ظل مغلقا لمدة 3 آلاف عام، فيما كان راعيه، اللورد كارنارفون، ينتظر بقلق في مكان قريب.

وقد سحرت حكاية الاكتشاف الأثري المذهل هذا الثنائي، بعد سنوات مضنية وغير مثمرة من الحفر في الأقصر، العالم وأُعيد سردها مرارا.

ويُتيح الآن نقل الآلاف من كنوز الملك الفتي إلى المتحف المصري الكبير الذي سيتم افتتاحه قريبا، إجراء بحث جديد رائع.

وبعد قرن من الزمان، هناك أسئلة جديدة حول كيف أصبح توت عنخ آمون رمزا سياسيا، وما إذا كان كارتر سرق قبره أم لا، ولماذا لم يحصل المصريون إلا على القليل من الفضل في المساعدة في العثور عليه؟

منذ البداية، أثارت الحفريات الفريدة من نوعها الكثير من الجدل.

على الرغم من أن القوانين في ذلك الوقت كانت تنص على بقاء محتويات القبر الملكي السليم في مصر، إلا أنه كان من المعتقد على نطاق واسع أنه ستكون هناك جهود لإرسالها للخارج.

في غضون ذلك، عقد كارتر وكارنارفون، اللذان كانا يعانيان من المطاردة المحمومة من قبل الإعلام العالمي، اتفاقا مع صحيفة بريطانية أبقت الصحفيين الآخرين، بمن فيهم المصريين بعيدين عن القبر، مما خلق حالة من العداء.

وتقول المؤرخة كريستينا ريغز إنه انتهى الأمر بأن نظر المصريون إلى هذا الثنائي باعتبارهما رمزا "مدرسة قديمة جدا، تتماشى إلى حد كبير مع المواقف العنصرية للقوى التي يمثلانها".

كانت القوات البريطانية قد احتلت البلاد في عام 1882 لكن حصلت مصر على استقلال جزئي في أوائل عام 1922. وأصبح توت عنخ آمون جزءا من النضال المستمر من أجل التحرر من النفوذ الإمبراطوري.

وتقول الدكتورة ريغز، التي كتبت (الكنز: كيف شكل توت عنخ آمون قرنا): "هذا رمز قوي، فهذا الملك يولد من جديد كما تولد مصر من جديد".

وغنت المغنية المصرية منيرة المهدية في عشرينيات القرن الماضي "مصر أم الحضارة، وتوت عنخ آمون أبونا". في غضون ذلك، كتب الشاعر الشهير أحمد شوقي بتحد: "نرفض أن يساء معاملة إرثنا، أو أن يسرقه اللصوص".

ويعود الفضل في أشهر اكتشافات علم المصريات للحظ إلى حد بعيد، فلقد أخفى الحطام في أرضية وادي الملوك، ولفترة طويلة، مدخل القبر من اللصوص وعلماء الآثار على حد سواء.

لكن نفد حظ اللورد كارنارفون في أوائل عام 1923 عندما توفي، إثر عدوى على ما يبدو من لدغة بعوضة، على الرغم من أن الكثير في وسائل الإعلام سارعت إلى الادعاء أن لعنة الفراعنة اصابته.

وعلى مدى العقد التالي، تُرك الأمر لكارتر لتفريغ الكنوز الثمينة في القبر مع فريقه. كان يُعرف بأنه رجل عنيد وغير دبلوماسي، وقد كانت علاقته مع مصلحة الآثار المصرية، التي أشرفت على العمل، في كثير من الأحيان عدائية.

ومنذ البداية، انتشرت شائعات بأنه حاول السرقة. وقد اكتشف عالم المصريات بوب برير حاليا أدلة قاطعة على حدوث سرقات.

في كتابه، توت عنخ آمون والمقبرة التي غيرت العالم، يستشهد برسائل من عالم اللغة السير آلان غاردينر يشكو فيها من "حرج" موقفه بعد أن أخبره أحد الخبراء أن تميمة وأختام قبر أعطاها له كارتر مسروقة من القبر.

قال لي الدكتور برير: "اكتشفت أن كارتر كان يقدم مقتنيات القبر كهدايا تذكارية، لقد اعتقد أنه يمتلكها".

وتبدو الغرف الفخمة في قلعة هايكلير في هامبشاير بعيدة كل البعد عن وادي الملوك المترب. لكن المنزل الفخم - المرتبط في الوقت الحاضر بمسلسل داونتاون آبي، كان منزل أسلاف اللورد كارنارفون.

كان اللورد كارنارفون مغامرا طوال حياته، فقد حاول ذات مرة الإبحار حول العالم، وكان من أوائل سائقي السيارات الذين نجوا من الموت بأعجوبة في حادث سير، قبل أن يوجه اهتمامه إلى علم المصريات.

وتقول الليدي كارنارفون المعاصرة، التي نقبت في أرشيف عائلتها لكتابة الإيرل والفرعون: "لقد وجد شغفه بالحياة في مصر".

وبينما كان قلقا بشأن كيفية تمويل عملية الترميم الباهظة لاكتشافاته المصرية المذهلة، تقول إنها وجدت ملاحظة من قريبها تقول إنه شعر أنه يجب أن يبقى في مصر. وتلقي الليدي كارنارفون باللوم على "عدد رهيب من المعلومات المضللة" في الصحافة لأنها أشارت إلى خلاف ذلك.

وتقول: "لقد كان أقل اهتماما بالكنوز والذهب من الاكتشافات".

في النهاية، تمكنت مصر من التمسك بالكنوز الموجودة داخل مقبرة توت عنخ آمون والتي ظلت، لعقود من الزمان، معروضة في المتحف المصري في ميدان التحرير في القاهرة.

كما أصبح قناع توت عنح آمون الجنائزي، المصنوع من الذهب الخالص والذي يُنظر إليه على أنه تحفة فنية قديمة، رمزا لمصر الحديثة.

ومع ذلك، لا يزال الغضب قائما لأن المصريين أنفسهم ظلوا بعيدين عن القصة الرسمية لاكتشاف عام 1922 المهم.

وتتساءل عالمة المصريات مونيكا حنا: "اختفت معظم الأسماء من السجل الأثري، لا نعرف ماذا فعلوا، ماذا كانت ردود أفعالهم؟".

وإلى جانب العمال المصريين الذين استخدموا لتنظيف موقع القبر، وظف كارتر أيضا رؤساء عمال مصريين مهرة، بمن فيهم أحمد جريجار، وجاد حسن، وحسين أبو عوض، وحسين أحمد سعيد.

ومثل كارتر نفسه - الذي لم يكن لديه سوى تعليم رسمي محدود قبل السفر إلى مصر وعمره 17 عاما للانضمام إلى بعثة أثرية - تدربوا على هذا العمل.

وألقى معرض في جامعة أكسفورد، هذا العام، الضوء على دور العمال المصريين. لكن رغم وجود صور رسمية لهم، لم يتم الاحتفاظ بسجل للإشارة إلى هوياتهم.

بعد فترة هدوء، ازداد الافتتان بالملك توت عنخ آمون في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث سمحت مصر بإعارة ممتلكاته الثمينة إلى متاحف في الخارج لإقامة معارض ضخمة.

وقد أدى ذلك إلى تفشي ما أطلق عليه "هوس توت" في الثقافة الغربية الشعبية.

وعندما يتم افتتاح المتحف المصري الكبير، أحد أكبر المتاحف في العالم، بالقرب من أهرامات الجيزة، ربما في عام 2023، من المتوقع أن يثير اهتماما جديدا. ونأمل أن يكون ذلك بمثابة دفعة قوية للسياحة، وجذب 5 ملايين زائر سنويا.

وسيعرض المتحف لأول مرة مجموعة توت عنخ آمون بأكملها، وهي حوالي 5400 قطعة.

ويقول طارق توفيق، مدير المتحف السابق: "سيوفر المتحف المصري الكبير فرصة فريدة لإعادة اكتشاف المقبرة بنفس الطريقة التي فعلها هوارد كارتر قبل 100 عام".

ومن المعالم البارزة الأخرى مركب خوفو القديم الرائع وتمثال رمسيس الثاني الذي يبلغ وزنه 83 طنا والذي تم نقله بشق الأنفس من محطة السكك الحديدية الرئيسية في القاهرة.

وفي غضون ذلك، وبعد مرور 100 عام، يواصل توت عنخ آمون إلهام موجات جديدة من الاكتشافات العلمية.

وتسمح أعمال الترميم الحديثة بترميم القطع الأثرية الهشة مثل صنادله. وهناك تأكيد جديد على أن نصل أحد خناجره الحديدية مصنوع من حجر نيزك.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل