بعد عرضه على نتفلكس.. «النهاردة يوم جميل» يطرح قضايا شائكة عن علاقة الإنسان بجسده
أعلن مؤخرًا عرض فيلم "النهاردة يوم جميل" على منصة نتفلكس العالمية، وهو فيلم مصري، من إخراج نيفين شلبي ومأخوذ عن المجموعة القصصية "سوق العرسان" للكاتب علاء سليمان، ويضم مجموعة من الممثلين المصريين، نجلاء بدر، وهنا شيحة، وانتصار، وباسم سمرة، ومحمود الليثي وأحمد وفيق.
من المشاهدة الأولى للفيلم سنجد أن هناك قضايا ظاهرة وواضحة بشكل مباشر للمتفرج، وهي الخلافات الزوجية، وذلك لأنه يروي حكايات 3 زيجات كل منها يحمل في تفاصيله مشكلة معينة، ربما تبدو في الظاهر أنها مشاكل مختلفة، أزواج يبحثون عن الجنس / الجمال، وزوجات لديهن مشاكل تتعلق بأجسادهن جعلتهن غير قادرات على مواكبة ما يطمح له أزواجهن، ولكن في حقيقة الأمر لا يرتبط العمل فقط بهذه الثنائية الدرامية (رجل – إمرأة) وإنما هناك ما بين السطور يمكن قراءته بشكل أعمق.
يبدأ الفيلم بـ"آفان تيتر" مشاهد متفرقة نعرف فيما بعد أنها مشاهد مفصلية في حياة شخصيات العمل، لأنها نقطة تحول في مسارهم، ثم تبدأ الأحداث بتسلسل طبيعي نتعرف من خلالها على ملامح لما تعاني منه الشخصيات، وركزت رؤية الإخراج في هذا الجزء على توظيف الكادرات القريبة "very close up shot" لكي يتضح للمشاهد التفاصيل الدقيقة التي تشغل تفكير كل شخصية قبل التعبير عنها بشكل مباشر من خلال الحوار.
هنا شيحة، وهي موظفة في أحد البنوك، تقترب منها الكاميرا ونلاحظ رعشة يدها وجسدها المرتعد بين كل ثانية وأخرى كأنها تعرضت لاعتداء تسبب في ذلك، بينما في كادر آخر نرى نجلاء بدر، صاحبة منصب أعلى في نفس البنك، تنظر على أجساد النساء العملاء حولها، وتحديدًا على منطقة البطن والأرداف، وعندما تقترب منها الكاميرا ندرك السبب، بسبب امتلاء جسدها في هذه المناطق وشعورها بالنقص، أما أول ظهور لانتصار كان في عيادة تجميل بسبب رغبتها في "شد ثديها" في محاولة للعودة للشكل الذي كانت عليه في مرحلة الشباب، ويتأكد شعورها ذلك من خلال كادر آخر قريب على يديها وهي تحاول رفع منطقة الثدي بحمالة الصدر.
كل هذه التفاصيل التي ساقتها المخرجة في العمل، تدعم توجه واحد وهو أزمة النساء مع أجسادهن، ولكن الأجمل في الفيلم أنه لم يمنح المساحة لذلك فقط، بل أيضًا رأينا أزمة الرجال مع أجسادهم ولكن بشكل آخر، ومع الوقت تكتشف أن مستوى المشكلة الحقيقي داخل الفيلم هو عدم احترام الشخصيات لحرية الجسد وقدراته.
- علاقات ضائعة بين الجسد والروح
سالي (نجلاء بدر)، متزوجة من رجل ثري وتعمل في وظيفة مرموقة، ولكن لديها مشكلة تجعلها ترمق النساء حولها كل ثانية، زاد وزنها بعد الزواج والولادة، وأصبحت تشعر بفقدان الثقة في نفسها، مما يدفعها أكثر للأكل بشراهة، وأبرزت المخرجة تلك المشكلة بصور متعددة، أولها نظرات سالي للنساء، والثاني تناولها الشوكولاتة والمنتجات المحلاة بالسكر والأطعمة ذات الكربوهيدرات المرتفعة خاصة في لحظات شعورها بفقدان الثقة أو الغضب من زوجها.
وعلميًا يحدث تدني احترام الذات بشكل شائع لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات الأكل، وهو مصطلح يشمل المرضى المصابين بفقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي، وسبب معاناة المرضى في هذا الإطار أنه قد يكون لديهم صورة مشوهة عن الجسم وهذه الصورة لا يمكن عادة أن تتغير مباشرة بالإجراءات المعرفية، بحسب ما ورد في كتاب تقنيات العلاج النفسي.
تقول دكتور ميليسا سميث، متخصصة في علم النفس: "يدرك أي شخص يعمل مع النساء المصابات باضطرابات الأكل أن احترام الذات مرتبط ارتباطًا وثيقًا باضطرابات الأكل، ولكن كيفية ارتباط الاثنين ليست محددة تحديدًا واضحًا، هل ضعف تقدير الذات الذي يجعل الفرد أكثر عرضة لاضطراب الأكل؟ أم أن اضطراب الأكل يؤدي لعدم احترام الذات؟، وعلى الرغم من عدم وجود إجابة بسيطة على هذا السؤال، إلا أن هناك أبحاثًا ناقشت ذلك، في مراجعة للأدبيات البحثية وصلت إلى أن تدني احترام الذات - إلى جانب عوامل أخرى- يعرض النساء لخطر الإصابة باضطراب الأكل، وأن تدني احترام الذات هو عامل خطر كبير لكل من الشره المرضي وفقدان الشهية حتى في الفتيات الصغيرات في سن المدرسة"، بحسب مركز التغيير المتخصص في علاج اضطرابات الأكل في الولايات المتحدة.
وهناك محددات مختلفة تدفع الأشخاص نحو هذا الشره تجاه الطعام، منها ظروف لحظية، وأهمها الضغوط، ونلاحظ بالفعل أن سالي تلجأ للطعام في مواقف تتعرض فيها لضغط، الأول عندما ذكرت صديقتها أيام الدراسة وجمالها في الماضي، وآخر عندما تكتشف خيانة زوجها لها تأكل بشراهة شديدة، وهناك محددات نفسية ترتبط بالاندفاع مثل "حساسية الاستجابة" وهي حالة يلجأ فيها الفرد برعونة لرفع حالته المزاجية من خلال تناول الأطعمة السريعة أو المريحة بالنسبة له، وتلك المحددات وردت في تعريفات اضطرابات الأكل بموقع "سيكولوجي توداي" المتخصصة في الصحة النفسية.
بينما تعاني هناء (انتصار) من فقدان ثقتها بنفسها بسبب تقدم العمر، وظهور التجاعيد على وجهها كما أنها تشعر بالضيق من شكل ثديها، لذلك تعرض نفسها لألم عمليات التجميل والجراحة، محاولة يمكن تسميتها بتحدي الزمن، وذلك ما لا يدركه الزوج أيضًا، والذي يرفض تقبل مرور العمر، حيث نلاحظ ذلك في ذهابه لصالون التجميل واللجوء لقناع البشرة والنضارة وأيضًا صبغة الشعر، وكما تعاني الزوجة من مضاعفات "البوتكس" يتدهور حال زوجها إلى أن يصل لحالة صحية سيئة بسبب إجهاد قلبه أثناء مشاهدته لعدد من الراقصات، وعلى الرغم من أن النشاط الجنسي كسبب من أسباب النوبات القلبية نسبة حدوثه ضئيلة وفق كثير من الأبحاث إلا أنه يحدث خاصة بين الرجال.
على الجانب الآخر من الحكايات تظهر مشكلة سميحة (هنا شيحة) مع جسدها، لا تكرهه ولكن لا تستطيع امتلاكه، ويدور الصراع الدرامي بينها وبين المسيطرين على هذا الجسد، وفق تقاليد المجتمع و أعرافه هي لا تمتلك جسدها امتلاكًا حرًا، مرحلة ما قبل الزواج يمتلك هذا الجسد العائلة، ثم تنتقل الملكية للزوج، وتعاني سميحة من رفضها على المستوى الجنسي العلاقة مع زوجها، مما يعرضها لاعتداء من الزوج، أو ما يسمى بالاغتصاب الزوجي، أي ممارسة الجنس بالإكراه.
تقول تشارنا كاسيل، أخصائية علاج الجنس والصدمات في كاليفورنيا: "الاغتصاب يتعلق بالهيمنة والسلطة على شخص ما، بينما يبدو أنه جنسي بطبيعته، فإن الأمر لا يتعلق بالجنس حتى داخل علاقة الزواج بل يتعلق الأمر باعتقاد الشريك أن له الحق في ممارسة الجنس دون الانتباه لرغبة الطرف الآخر، وقد يؤدي الأمر إلى حالات بدنية ونفسية سيئة"، وهذه العلامات كانت ظاهرة على تصرفات سميحة، رعشة يدها وخوفها المستمر واضطرابات الجهاز الهضمي ونوبات الهلع، بالإضافة للاضطراب النفسي الذي أدى لخيالات قتل زوجها.
Comments