المحتوى الرئيسى

محميات مصر الطبيعية

09/27 20:50

كاتب هذه السطور ورث من المرحوم والده حب الطبيعة والبيئة. فمنذ نعومة أظافرى كنت أقتنص أيام العطلات للهروب إلى سواحل البحر أو الصحراء وهى صفة دامت طوال سنين حياتى أستمتع فيها بخشوع وإعجاب وحب لعظمة مخلوقات الله من تنوع حياتى بالغ الثراء على أرض مصر، والتى منها الأشجار والنباتات والكائنات البرية والبحرية والجوية، والتنوع الجيولوجى النادر والرائع وهى نعمة أثق أن معظم الشعب المصرى لم يستمتع بها بسبب القيود الخانقة المفروضة خلال الثلاثين سنة الماضية أو لم يلاحظوا ما هو فى مرمى بصرهم بسبب ضغوط الحياة واختفاء معظم الغطاء الأخضر والانتشار الرهيب لغابات الأسمنت والإعلانات الفلكية الأحجام والأعداد والتى غطت تماما كل ما هو جميل وكل ما يريح البصر.

حتى اليوم لم يستوعب معظم المسئولين ولا الشعب فكرة وثقل الوعى البيئى وكل ما يحدث حولنا يؤكد ذلك. هذه مقدمة رأيت تسجيلها قبل الخوض فى سبب هذه المقالة مع اعتذارى مقدما على ما تشمله من صدمات محزنة بكل المقاييس.

بدأ العالم يوجه اهتماما هائلا حيال حماية بيئة الكرة الأرضية والتراث الطبيعى والثقافى منذ شهر يونيو ١٩٧٢، وكانت مصر دائما سباقة فى التوقيع على كامل الاتفاقيات والوثائق والبروتوكولات والالتزامات المرتبطة بهذا الأمر، ثم بداية ثمانينيات القرن الماضى رصد علماء العالم والمؤسسات العلمية الدولية بدء ظواهر مناخية شاذة لا تبشر بالخير لو لم يتم المواجهة الفورية للحد من توابعها الكارثية على التنوع الحياتى بكوكب الأرض، ومنها على سبيل المثال ظاهرة ثقب الأوزون والاحتباس الحرارى وتقلص المرتفعات الثلجية وذوبان الطبقة الجليدية وارتفاع منسوب المحيطات والبحار مترين، مع ارتفاع درجات حرارتها مما يتسبب فى موت ثمانين فى المائة من العوالق أو الهائمات النباتية المنتشرة بكثافة فى مياه المحيطات والبحار، وبالتالى موت الكثير من الأسماك والطيور والقشريات التى تتغذى عليها.

من الظواهر المناخية الشاذة أيضا تغيير توقيتات المواسم والفصول وتضاعف ظاهرة الجفاف والتصحر والأعاصير المدمرة وحرائق الغابات والفيضانات الكاسحة والانهيارات الطينية وتوابعها من مجاعات ونقص مياه الشرب (وهى ظواهر بدأت فعلا منذ عام ٢٠٠٥ وأعنفها كان الإعصار كاترينا بسرعة رياح نحو ثلاثمائة كيلومتر فى الساعة والذى زحف على من المحيط ليدمر مدينة نيو أورلينز أكبر وأشهر مدن ولاية لويزيانا الأمريكية ويقتل ألف وثمانمائة إنسان ويتسبب فى خسائر رهيبة بلغت مائة خمسه وعشرين بليون دولار وكان مقدمة لأعاصير أقل قوة فى السنوات التالية حتى اليوم).

دفع هذا كله معظم دول العالم إلى التلاحم والاتفاق على العديد من القرارات تحت علم الأمم المتحدة هدفها حماية مناخ الكرة الأرضية والحد من التوابع السلبية والتى بدأت فعلا تضرب عالمنا. دون الخوض فى تفاصيل هذه الاتفاقيات سأركز على الاتفاقيات الخاصة بالمحميات الطبيعية وهى فى مقدمة اتفاقيات حماية مناخ عالمنا.

الاتفاقيات الخاصة بالمحميات الطبيعية تلعب دورا أساسيا فى تحقيق أقل معدل من الانبعاثات والحد من التدهور البيئى وفقد التنوع البيولوجى وكذلك الحد من خطر تدهور وانقراض الأنواع وتحقيق منافع اجتماعية واقتصادية وثقافية. المحميات الطبيعية حسب الاتفاقيات الدولية تعتبر رمزا حضاريا لتلاحم وتعاون شعوب العالم حيال علاج ومواجهة التغير المناخى، وفور قيام كل دولة بتحديد هذه المحميات وإعلانها وإدراجها فى القوائم الدولية يحظر شراء أراضيها والبناء عليها كما يمنع فيها الصيد أو اقتلاع الأشجار أو قطف الزهور أو جمع النباتات. وتعمل كل دولة على المتابعة العلمية للتوازن البيئى بها وحماية مواردها الطبيعية.

هناك عشرة أنواع من المحميات الطبيعية والتى اعتمدتها دول العالم منها الحدائق الوطنية ــ محمية الموارد الطبيعية ــ محمية المحيط الحيوى ــ محمية المناظر الطبيعية الأرضية والبحرية. والإعلان عن محمية طبيعية يصدر بقرار رئيس مجلس وزراء الدولة وتتكاتف جميع الأجهزة المعنية بالدولة ليطبق عليها كامل قوانين حماية التنوع الذى بسببه صدر بمصر القانون رقم ١٠٢ عام ١٩٨٣ بشأن المحميات الطبيعية ليشكل أول قانون من نوعه فى تاريخ مصر وليضع الإطار القانونى لإنشاء وإدارة المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية.

تبع ذلك تحرك نخبة من علماء مصر الدوليين والمحليين لعمل دراسات ميدانية مجهدة لاكتشاف ودراسة وتحديد المساحات المميزة والثرية بالكنوز والظواهر الطبيعية النادرة والتنوع الحياتى الواجب حمايته احتراما للاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر، وتم الإعلان عن تحديد ثلاثين محمية طبيعية مساحتها الإجمالية مائه وخمسون ألف كيلومتر مربع ما يوازى ١٥٪ من أرض مصر، منها أراضٍ رطبة وأراضٍ صحراوية وأراضٍ ذات تركيبات جيولوجية نادرة ومحيط بحرى. هذا بالإضافة للإعلان عن أربع عشرة محمية مستقبلية لتبلغ كامل مساحات محميات مصر عشرين فى المائة من كامل الأراضى المصرية ببلوغ عام ٢٠١٧ (تم فعلا تحديد مواقع المحميات المستقبلية لكن لظروف عدة حتى اليوم لم يصدر بها قرارات وزارية).

هذا الإعلان نال احترام العالم ومن المحميات التى شملها الإعلان محمية سانت كاترين، على سبيل المثال، الرائعة الجمال والثراء البيئى والتى صدر بخصوصها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٦١٣ لسنة ١٩٨٨ وتم زيادة مساحتها بقرار لاحق صدر عام ١٩٩٦ لتبلغ مساحتها ٤٢٥٠ كيلومترا مربعا. هذه المحمية قام الاتحاد الأوروبى بتولى إعدادها وتجهيزها لترقى لمستوى أفضل المحميات الطبيعية على مستوى العالم، حيث تم تخصيص منحه تبلغ ثمانين مليون جنيه والاستعانة بأحد أعظم الخبراء فى هذا المجال وهو من جنوب إفريقيا، قضى خمس سنوات كامل بالمحمية ليشرف على إعدادها وتدريب الشباب وأبناء القبائل المقيمة بالمحمية على إدارتها وحماية كنوزها النادرة الطبيعية مع تحديد المدقات والممرات وبناء أول فندق بيئى بسيناء ليديره أبناء قبيلة الجبالية، كما طبع كما ضخما من الخرائط الإرشادية والكتيبات الفاخرة عن التنوع الحياتى بالمحمية، وتم تركيب آلات تصوير بالاستشعار عن بعد فى مواقع متفرقة وسط وديان وتضاريس المحمية والتى التقطت صورا لكائنات كان معتقدا أنها انقرضت منذ أكثر من نصف قرن (كالضبع الأبيض المخطط).

عند إتمام المهمة تم تحديد يوم للاحتفال بذلك (عام ٢٠٠٢) وتوزيع الدعوات على كبار المسئولين والسفراء لتحدث مفاجأة تسببت فى إلغاء الحفل وانسحاب الخبراء، فقد قرر محافظ جنوب سيناء وقتها بناء محطة كهرباء وسط المحمية بوادى الراحة وفعلا تم التنفيذ مما يناقض تماما الاتفاقية الدولية التى وقعتها مصر وشروط المحمية. تلا ذلك عام ٢٠٢٢ بناء مشروع ضخم وسط المحمية أطلق عليه اسم التجلى الأعظم تكلف أربعة مليارات جنيه يشمل فنادق وشاليهات وطرقا وحمامات سباحة ولا تعليق.

من المحميات التى ذكرت فى الإعلان المشار إليه سابقا، محمية وادى الريان والتى تم فيها على مدى عدة سنوات وبتحدى لسلطات وقوانين الدولة بناء مستعمرة متكاملة الخدمات، داخلها مصادر المياه الرئيسية لحياة كائنات المحمية، مستعمره محاطة بحائط ارتفاعه متران وطولها أربعة عشر كيلومتر ما يناقض مره أخرى ما وقعت عليه مصر وأعلنته دوليا. هناك كذلك المحميات الدولية، وادى الحيتان، ومحمية الغابة المتحجرة والتى حاولت وزارة الإسكان منذ أكثر من خمس عشرة سنة الاستيلاء على مساحة ضخمة منها لتشييد مشروع سكنى وهو ما تسبب فى تحرك الجمعيات الأهلية والعلماء والإعلام لوقف هذا الاعتداء وصدور قرار فورى من رئيس مجلس الوزراء وقتها بوقف هذه المخالفة. كما أمر ببناء جدار حول المحمية وفرض احترامها.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل