المحتوى الرئيسى

زيارة للجامعة المصرية اليابانية | المصري اليوم

09/27 07:30

تعودت فى السنوات الأخيرة أن المرور بمكان سوف يعنى متابعة لعملية تغيير مستمرة قد تكون يوميًّا أو أسبوعيًّا، ولكن المؤكد أنه لا شىء يبقى على حاله مادام الزمن يسير وفق ميقاته. ودائمًا ما يلح على الذهن ذلك السؤال عما إذا كان البشر يتغيرون بنفس الدرجة أم أن الفجوة لا تزال قائمة. الحاسدون والرافضون عادة ما يتعاملون مع حالة التغيير هذه بطريقة مختلفة، فهم لا يهتمون كثيرًا بما يرونه أمامهم، وبديلًا عن معرفة ما هو موجود، فإنهم يتحولون إلى ما هو مفقود وغائب وناقص؛ أو ليس ذلك كله، وإنما المعايرة بما هو موجود فى البلاد المتقدمة، ولا يبدو أن هناك أفقًا للتمتع به فى بلادنا فى المستقبل القريب أو فيما يتبقى من حياتنا. فى بداية النهضة الجارية عندما بدأ العمل فى قناة السويس الجديدة قيل إن الجبل قد تمخض وولد «ترعة»، بينما الخير كله فى تغيير حال القناة من كونها مجرد ناقلة تُحتسب فيها تذاكر للمرور إلى محور للتنمية. وعندما ثبت أن تنافسية القناة زادت نتيجة قدرتها على تغيير سرعة المرور بطريقة تتفوق على كل الطرق المنافسة فى القدرة والطاقة؛ وأن المحور يقوم بالفعل على الصناعة والتنمية الشاملة، بات القول: لماذا قناة السويس وقد اهتمت بها كل النظم المصرية السابقة، بينما بقيت بقية مصر عارية؟!. وهكذا تسير الأمور، فإذا لم تعد هناك منطقة فى مصر خالية من البناء بات الحديث عما إذا كانت «الطرق والكبارى» تكفى، بينما التعليم فيه ما فيه من تخلف؛ فإذا ما أُشير إلى المدارس الجديدة، فإن الحجة تجرى إلى تدهور أحوال الجامعات والبحث العلمى. وهكذا تجرى الدورة لاهثة حانقة، بينما لا يوجد أمر ولا قضية ولا مكان ولا زمن لا يشمله تغيير بشكل أو آخر لأن السرعة ببساطة لم تعد كما كانت.

المؤكد أن الأمور ليست دائمًا على ما يُرام لأن العالم يتغير، والمصائر تحكمها نوائب، وتغيير البشر لا يأتى دون زمن كافٍ حتى يحل المستقبل مكان الماضى، ومادام الجهد والصبر قائمين. وهكذا رحبت بالدعوة الكريمة التى جاءتنى من الدكتور عمرو عادلى، رئيس الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، لزيارة الجامعة مع مجموعة من النابهين المصريين أصحاب العلم والتجربة والحكمة. وعلى الطريق الصحراوى أو الذى كان صحراويًّا، مارست هواية مشاهدة ما تغير وما جرى من تغيير. كان قد مضى عام منذ مررت بالطريق لآخر مرة، والآن بدا مكتملًا سريعًا حيًّا تمتد فيه الزراعة على الجانبين، والخدمات، ووسائل كثيرة لعمل وعيش المصريين. وعندما تحولت إلى مدينة برج العرب كانت الزيارة الأولى لها، وقبل مسافة قصيرة من محطة الوصول وجدت مؤسسة خلابة فى تصميماتها الزجاجية على شكل أهرامات تبدو كمعجزة معمارية باهرة، وكُتب عليها أنها للبحث العلمى والتطبيقات التكنولوجية. فى البداية اختلط الأمر عما إذا كان هذا المبنى هو ما جئنا من أجله، ولكن جهاز تحديد المكان كان عصِيًّا وصمم على المضى قدمًا حتى وصلنا إلى الجامعة المصرية اليابانية، التى تركيزها هى الأخرى على العلوم والتكنولوجيا، والتى كانت أكثر بساطة فى العمران، ولكن اللمسة اليابانية التى تخلط البساطة بالعبقرية واضحة لمَن يرى. وفى الساعات الأربع التالية وجدنا منطقة مصرية تعيش بالفعل القرن الواحد والعشرين.

الفكرة بدأت فى عام ٢٠٠٢ إبان تولى السفيرة فايزة أبوالنجا وزارة التعاون الدولى، حيث وضعت على مائدة العلاقات المصرية اليابانية التعاون فى مجالات البحث العلمى والتكنولوجيا، وهو ما دخل مرحلة التحضير فى ٢٠٠٥، وبدأت الجامعة بالدراسات العليا فى مجال الهندسة، ثم انطلقت إلى مجالات كثيرة فى ٢٠١٧، وافتتح الرئيس السيسى الجامعة فى ٢٠٢٠. السفيرة التى تابعت زيارتنا للجامعة لم يكن فى ذهنها جامعة مصرية تقليدية، وإنما جامعة مثل تلك الجامعات المتقدمة فى العالم، والتى يمكن قياس النجاح فيها ليس فقط بأعداد الطلبة وإنما بما تحصل عليه الجامعة من براءات الابتكار والإبداع، وما فيها من تنوع نتيجة القدرة على جذب الطلاب من داخل وخارج مصر. هذا النوع من التفكير ورد على مصر مع مطلع القرن عندما جرى التفكير فى جامعة زويل، ومن بعدها جامعة النيل، ثم الجيل الجديد من الجامعات المصرية، التى جرى إنشاؤها بالتعاون مع دول أخرى رأينا فيها التقدم المطلوب، ووجدت هى فى مصر من عبقرية المكان والزمان ما يستحق الاستثمار العلمى والسياسى أيضًا. الجميل فى هذه الموجة من التفكير هو أنه ترتب عليها أن الجامعات القومية الكبرى، مثل جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط والمنصورة وغيرها، بدأت هى الأخرى تتجاوز الزيادات الكمية إلى البحث فى التميز النوعى القائم على المكان فى الترتيب الإقليمى والعالمى وما تنتجه الجامعة من خريجين تطلبهم مصر ويقبلهم العالم.

الجامعة المصرية اليابانية من حيث التصميم هى واحة للعلم الحديث والمعاصر، الذى يمتص الضوضاء ويمنع الضجيج، وهى جسر بين التعليم العالى المصرى واليابانى، حيث ينتقل الأساتذة من اليابان إلى مصر، ويذهب تلاميذ الدراسات العليا إلى اليابان للحصول على الشهادات العليا فى مناخ منضبط وحازم ومبدع. ورغم التركيز على العلوم والتكنولوجيا، فإن التراث كان حاضرًا للدراسة والفهم، حتى إننى سألت عالِمًا كبيرًا، ابتكر نوعًا جديدًا من أصباغ الطباعة الدقيقة، عما إذا كان ذلك مستمدًّا من الألوان والأصباغ، التى اخترعها قدماء المصريين قبل آلاف الأعوام؟، كان التواضع غالبًا فى أننا مازلنا فى أول الطريق. الصورة هنا لا تكتمل ما لم توضع الجامعة فى إطار مشروعات أخرى تجرى بسرعة فائقة نحو مجمع علمى يسهم فيه اليابانيون أيضًا شرق بورسعيد، مضافًا إلى منطقة صناعية تنتفع بمحور قناة السويس. ولمَن لا يعلم، فإن هناك مدينة علمية جديدة فى «طربول»، التى لم أسمع عنها من قبل، مضافة إلى حى علمى جديد فى جامعات العاصمة الإدارية. الأمر إذن أكبر بكثير من «الطرق والكبارى»، وأن ما سمح به الزمن من انتشار فى المعمور المصرى سمح أيضًا بمدن وجامعات يكون للبحث العلمى فيها، والمرتبط بالصناعة والزراعة والخدمات، مكانة مرموقة.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل