المحتوى الرئيسى

الدول الأوروبية تدفع ثمنا غاليا لتغيرات المناخ

09/25 14:30

يواجه العالم موجة متسارعة من تغير المناخ والاحتباس الحراري، نتيجة لارتفاع معدلات الغازات الدفيئة؛ مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مستمر وتسريع عمليات التبخر، وبالتالي فقدان الممرات المائية. الأمر الذي شهدته عدة دول في القارة الأوروبية بشكل مكثف خلال فصل الصيف الحالي؛ فمن بين ٦ أنهار عانت من موجات الجفاف عالميًّا خلال العام الجاري، تقع ٤ منها في القارة الأوروبية. وفي ضوء ذلك، يتناول هذا المقال الآثار التي قد تترتب على التغيرات المناخf='/tags/183235-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AE%D9%8A%D8%A9'>المناخية وما يتبعها من جفاف الأنهار على اقتصادات دول القارة الأوروبية، والأسباب المناخية التي قد تؤدي إلى حدوث جفاف الأنهار، فضلًا عن طرح بعض الحلول التي تستخدمها الدول الأخرى للحد من أزمة جفاف الأنهار.

عملت التغيرات المناخية على زيادة درجات الحرارة العالمية بنحو 1.1 درجة مئوية مقارنةً بفترة ما قبل العصر الصناعي؛ إذ يؤدي الاحتباس الحراري إلى تفاقم موجات الحر والجفاف. وقد برزت آثار التغيرات المناخية بشكل واضح خلال عام 2022؛ إذ يُعد شهر أغسطس الماضي ثالث أكثر شهر من حيث شدة درجة الحرارة عالميًّا منذ عام 1991 وفقًا لبيانات وكالة كوبرنيكوس للتغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي.

 كذلك شهدت أوروبا أشد موجات حرارة خلال صيف 2022؛ فقد أظهرت البيانات أن شهر أغسطس الماضي كان الأكثر حرارة في القارة الأوروبية منذ بداية تسجيلات درجات الحرارة في عام 1979؛ حيث تجاوزت درجة الحرارة الرقم القياسي المسجل في شهر أغسطس عام 2021 بمقدار 0.4 درجة مئوية. وقد ارتفعت درجات الحرارة في عدة أماكن في غرب أوروبا على غير المعتاد؛ إذ شهدت إسبانيا وفرنسا أسوأ الحرائق منذ عقود ،  وقد نتج عن ذلك انتشار موجات جفاف تعتبر الأسوأ منذ 500 عام على الأقل وفقًا لتحليلات خبراء مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية. وقد ظهرت آثار تلك الموجات بوضوح على أبرز أنهار أوروبا، ألا وهي: نهر الراين بين فرنسا وألمانيا، ونهر اللوار في فرنسا، ونهر الدانوب الذي يعد أطول نهر في أوروبا الغربية، ونهر بو في إيطاليا.

ومن الجدير بالذكر أن مستوى المياه في نهر الراين، الذي يُعد أحد الأعمدة الاقتصادية في ألمانيا وهولندا وسويسرا، وصل إلى مستويات أقل مما كان عليه في عام 2018؛ حيث بدأ مستوى المياه في النهر عند منطقة الكاوب في الانخفاض منذ شهر مايو الماضي ليصل إلى نحو 30 سم (أي نحو 11.8 بوصة) خلال الأسبوع الثاني من شهر أغسطس؛ الأمر الذي يعوق من حركة التجارة وتدفق الديزل والفحم عبر النهر.

هل يقتصر الأمر على القارة الأوروبية؟

لم تكن القارة الأوروبية هي المتضرر الوحيد من ارتفاع درجات الحرارة خلال صيف 2022؛ حيث تعرضت الصين إلى خسائر فادحة في نهر اليانجتسي الذي يعد أطول نهر في آسيا؛ إذ انخفضت مستويات المياه فيه، وقد كان لذلك أثر بالغ على توليد الكهرباء في محطات الطاقة الكهرومائية، فضلًا عن حدوث اضطرابات في سلسلة التوريد وغلق أكبر مصانع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم. كما وصلت آثار التغيرات المناخية إلى أمريكا الشمالية؛ حيث أصاب الجفاف نهر كولورادو لدرجة بلغت حدوث انقطاعات شديدة في المياه في كلٍّ من أريزونا ونيفادا والمكسيك؛ حيث يروي النهر وروافده نحو 4.5 ملايين فدان من الأراضي، ويعمل على توليد نحو 1.4 تريليون دولار سنويًّا من الفوائد الزراعية والاقتصادية.

وتجدر الإشارة إلى أن مخاطر التعرض للجفاف في القارة الأوروبية بدأت منذ فترة كبيرة؛ حيث أوضح أطلس مخاطر قنوات المياه الصادر عن معهد الموارد العالمية (WRI) في عام 2019 أن أغلب الدول الأوروبية عُرضة لمخاطر الجفاف بشكل متوسط إلى مرتفع. كما أوضح المؤشر أن دولة مولدوفا تأتي على رأس الدول المعرضة لخطر الجفاف بشكل مرتفع جدًّا وتليها دولة أوكرانيا. كما يتضح أن أغلب الدول الآسيوية معرضة لخطر الجفاف بشكل متوسط إلى مرتفع، مثل: الهند وبنجلاديش والصين وإندونيسيا، على عكس أغلب دول أمريكا الجنوبية التي تتعرض إلى مخاطر جفاف بشكل متوسط أو منخفض إلى متوسط. كما تجدر الإشارة إلى أن مخاطر جفاف الأنهار منخفضة جدًّا في دول: السنغال والنرويج وإيسلندا.

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى جفاف الأنهار والممرات المائية وتتمحور جميعها في الأغلب حول تغير المناخ ومن أبرزها:

تضاؤل تساقط وذوبان الثلوج من الجبال، والتي تُعد خزانًا طبيعيًّا لبعض الأنهار في الولايات المتحدة والصين وأوروبا وحتى في الشرق الأوسط، وقد يحدث ذلك نتيجة لارتفاع درجات حرارة الجبال، والتي ارتفعت منذ عام 1950 بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي بنحو 25% إلى 50%؛ إذ تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على هطول الأمطار بشكل كافي على سلاسل الجبال. هذا وعلى الرغم من التوقع القائل بزيادة التبخر ونوبات هطول أمطار في عالم أكثر دفئًا، فإن ذلك يظهر بشكل أقل وضوحًا في الجبال على عكس المناطق المنخفضة؛ مما يؤثر على تساقط الثلوج، وبالتالي انحسار الأنهار الجليدية الجبلية؛ مما يترك كمية أقل من المياه تتدفق إلى منابع الأنهار في فصل الصيف في أثناء ذوبان الجليد.

ظاهرة "لا نينا" أو "النينيا"، ويقصد بها ظاهرة تبريد المحيط الهادئ الاستوائي؛ مما يؤثر على أنماط الطقس العالمية ويؤدي إلى هطول أمطار غزيرة في بعض المناطق، والجفاف أو تقليل تدفق الأنهار في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية. فخلال نوبات "النينيا" تكون درجات الحرارة في الشتاء أكثر دفئًا من المعتاد في الجنوب وأبرد من المعتاد في الشمال؛ لذلك يتم دفع المزيد من المياه الدافئة نحو آسيا، وبالتالي يرتفع منسوب المياه قبالة الساحل الغربي للأمريكتين؛ مما يؤدي إلى حدوث جفاف في جنوب الولايات المتحدة، وأمطار غزيرة وفيضانات في شمال غرب المحيط الهادئ وكندا. نوبات "النينيا" لا تحدث بشكل منتظم، ولكنها تحدث عادةً كل سنتين إلى سبع سنوات في المتوسط، وقد تستمر من 9 إلى 12 شهرًا، ويمكن أن تظل لسنوات، وهناك احتمالات مرتفعة لحدوث ظاهرة "النينيا" في عام 2023.

زيادة معدلات تبخر الممرات المائية نتيجة لارتفاع درجات الحرارة؛ إذ يمتص الغلاف الجوي الدافئ المزيد من الرطوبة من سطح الأرض. وخلال الفترة ما بين عامي 1985 - 2018 بلغ حجم تبخر البحيرات العالمية نحو 1500 ± 150 كم3 سنويًّا، كما ترتفع معدلات التبخر الإجمالية للبحيرات عالميًّا بنحو 1.5٪ في كل عقد.

هل يتأثر اقتصاد الدول الأوروبية؟

وفقًا للمرصد الأوروبي لمراقبة الجفاف، فإنه من المتوقع أن تستمر حالة الجفاف وارتفاع درجة الحرارة التي قد تؤدي إلى اندلاع حرائق الغابات في أجزاء من القارة حتى شهر نوفمبر القادم. وفي ظل ذلك يمكن تلخيص أبرز الآثار الاقتصادية الناتجة عن جفاف الأنهار في أوروبا في التالي:

انخفاض معدل نمو الناتج المحلي للدول: حيث أدى انخفاض مستوى المياه في نهر الراين وتوقف حركة المرور في إحدى النقاط الضحلة من نهر الراين لمدة شهر تقريبًا أواخر عام 2018 إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الربعين الثالث والرابع في ألمانيا من العام ذاته. كما يتوقع أن تتراجع اقتصادات المنطقة بشكل أكبر من التراجع الذي حدث خلال عام 2018 والذي قدر بنحو 5.1 مليارات يورو.

إعاقة حركة الشحن: إذ تعتمد أوروبا على الأنهار والقنوات المائية بشكل رئيس في نقل أكثر من طن من المنتجات لكل مقيم في الاتحاد الأوروبي سنويًّا، كما أن الأنهار تُسهم بنحو 80 مليار دولار في اقتصاد المنطقة كوسيلة للنقل. وبالتالي يؤدي جفاف الأنهار إلى خفض قدرة الشحن الداخلي، وتقييد مقدار ما يمكنهم حمله من البضائع.

توقف المفاعلات النووية: قد يؤدي ارتفاع درجة حرارة الأنهار إلى توقف المفاعلات النووية، بسبب عدم قدرة أنهار المحطات النووية على تبريد المفاعلات؛ مما يفاقم من أزمة الطاقة في أوروبا. ومن الجدير بالذكر أن نهر رون ونهر غارون في فرنسا قد وصلا إلى درجات حرارة مرتفعة بما لا يسمح بتبريد المفاعلات النووية بشكل فعّال في جنوب فرنسا.

الإضرار بالمحاصيل الزراعية: أدى جفاف نهر بو في إيطاليا إلى إعلان حالة الطوارئ في خمس مناطق شمالية ووسطية، كما حذَّرت إيطاليا من أن نحو ثلث الإنتاج الزراعي معرض لخطر الجفاف وبخاصةً إنتاج الذرة وعباد الشمس، كما تم إجبار المزارعين على عدم زراعة الأرز؛ نظرًا لحاجته المرتفعة إلى المياه. ويتوقع أن تنخفض إنتاجية محصول فول الصويا بنحو 9.6٪، والذرة بنحو 8.6٪، ومحصول عباد الشمس بنحو 5.5٪ على مستوى الاتحاد الأوروبي.

نتيجة لموجات الجفاف التي اجتاحت العالم خلال العام الجاري، لجأت بعض الدول إلى فرض قيود على استخدام المياه، مثل فرنسا؛ حيث تعتمد حاليًّا أكثر من 100 بلدة في فرنسا على مياه الشرب التي يتم توفيرها بواسطة الشاحنات.

كما قامت ألمانيا باتخاذ عدة تدابير لإبقاء نهر الراين مفتوحًا بما يشمل أنظمة التجريف والإنذار المبكر، فضلًا عن دراسة إمكانية استخدام الخزانات التي تطلق المياه لتعويض انخفاض تدفقات المياه التي تأتي من الأنهار الجليدية. ومن المقرر أن يتم زيادة عمق نهر الراين بين مدينتي سانت غوار وبودينهايم بمقدار 20 سم في مشروع من المقدر أن يكتمل مع بداية عام 2030.

أما عن الولايات المتحدة الأمريكي فقد اتخذت بعض التدابير قصيرة الأجل، والتي تمثلت في قيام الحكومة بتخفيض إطلاقات المياه من بحيرة باول لأول مرة على الإطلاق في مايو 2022، كما أنها دعت في يونيو لتوفير نحو 2-4 ملايين فدان قدم إضافية من مدخرات المياه في عام 2023. أما عن الأدوات طويلة الأجل التي تستخدمها الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تكون بمثابة حلول لترشيد استخدام المياه، ويمكن للقارة الأوروبية الاستفادة منها، فتتمثل في:

العمل بنظام بنوك المياه التي تتيح للمستخدمين الحصول على تعويض لحقوقهم المائية في مقابل عدم استخدام حصتهم من المياه؛ حيث تعمل بنوك المياه على خلق مرونة في تلبية احتياجات المستخدمين المحليين مع تعزيز التدفقات لصالح الأسماك المهددة بالانقراض.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل