المحتوى الرئيسى

أنقذوا مجلة الدبلوماسي!

08/12 20:18

يطلع علينا هذه الأيام فى التليفزيون برومو لبرنامج «مانشيت» الذى يقدمه الإعلامى القدير الأستاذ جابر القرموطى. يستعرض القرموطى فى البرومو تاريخ الصحافة فى مصر الذى يؤرخ لها بصدور الوقائع المصرية منذ قرابة مائتى سنة، مرورا بالأهرام التى تجاوز عمرها المائة عام وصولا إلى الأخبار والجمهورية منذ ستين سنة، مؤكدا على عراقة الصحافة المصرية بما يعطيها مصداقية ويجعلها من أمضى أدوات القوة الناعمة لمصر.

وكان للصحافة المصرية دور محورى فى نشر الوعى وإعلام الجماهير بأهم القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية وفى تكوين رأى عام موجه للأحداث. وكان للصحافة دور مهم آخر هو التنوير والثقافة والفنون ولا يمكننا إغفال الدور التنويرى للهلال وروز اليوسف ودار المعارف، وقد كتبت فى شهر يوليو من العام الماضى مقالا عن رسالة أحمد حسن الزيات ودورها التنويرى مترحما عليها وعلى أيامها التى ولت.

اليوم أكتب بقلم حزين مداده من دمع العين عن منارة تنويرية رائعة أضاءت السماء ثقافة وفنا وعلما وفكرا لمدة تربو على ثلاثين سنة. إنها مجلة «الدبلوماسى» التى تصدر عن النادى الدبلوماسى المصرى وأسسها السفير القدير المرحوم مصطفى العيسوى فى شهر مارس من عام 1992 أصدرت خلالها أكثر من ثلاثمائة عدد.

المجلة اليوم فى غرفة الإنعاش تكافح من أجل البقاء، فقد صدر آخر عدد لها فى شهر فبراير الماضى أى منذ ستة أشهر وهى المجلة الشهرية. ومن سخرية الأقدار أن عددها الأخير كان عددا تذكاريا احتفالا بالعيد المئوى للدبلوماسية المصرية ومن المفارقات الغريبة أن يكون احتفالنا بمئوية الدبلوماسية المصرية متزامنا مع تأبيننا لمجلة الدبلوماسى.

خلال الثلاثين سنة الماضية تولى رئاسة تحرير المجلة نخبة من أعز وأكفأ السفراء المثقفين والمستنيرين كان أولهم مصطفى العيسوى تلاه وفاء حجازى ومحمد سعيد السيد ومحمد الضرغامى وسعد الفرارجى وأخيرا رئيسها الحالى الذى يناضل من أجل الحفاظ عليها رضا الطايفى.

تصدر مجلة الدبلوماسى، ولن أقول كانت تصدر، فى ثوب قشيب جميل بطباعة فاخرة وإخراج بديع، ولعل الفضل فى ذلك يرجع إلى مستشارها الفنى الصحفى القدير عادل عبدالصمد رئيس التحرير السابق لمجلة الهلال.

وقد تناولت «الدبلوماسى» على مدى تاريخها الذى امتد لقرابة ثلاثين سنة جميع الأحداث والتطورات على الساحة الدولية بالتحليل الحرفى الهادئ الرزين بأقلام نخبة من السفراء والدبلوماسيين المميزين لإتاحة الفرصة للقراء التعرف على الأحداث بموضوعية وبلا إثارة، إلا أن مجلة الدبلوماسى لم تكن مغلقة على السفراء والدبلوماسيين بل كانت صفحاتها مفتوحة لأقلام كل مبدع وكل موهوب فازدانت صفحاتها بأقلام المحامى الشهير ورجل القانون الضليع رجائى عطية، وعميد الأثريين الدكتور زاهى حواس، وخبير الطاقة المتجددة الدكتور هانى النقراشى، ومهندس الطيران والفضاء سعد شعبان، والشاعر والأديب يوسف نوفل، والمفكر والأديب والسياسى القدير الدكتور مصطفى الفقى الذى أدار مكتبة الإسكندرية باقتدار لعدة سنوات، والدكتور وزير الآثار الأسبق ممدوح الدماطى، والدكتور خالد العنانى وزير الآثار والسياحة الحالى، وأستاذ العلوم السياسية القدير ووزير الشباب السابق علىّ الدين هلال.

لم يقتصر عطاء «الدبلوماسى» على المواضيع السياسية والعلاقات الدولية بل امتد ليشمل الفن والثقافة والإبداع، فقدم السفير الفنان المبدع فخرى عثمان صفحات جميلة راقية عن الفن التشكيلى والتصوير ومعارض الفنانين وأبدع على صفحاتها فنان الكاريكاتير جمعة فرحات برسوماته، كما شجعت الدبلوماسيين الموهوبين على نشر إنتاجهم فكانت رسوم الدبلوماسى العزيز السفير حسن النشار الكاريكاتيرية البديعة وأشعار السفير القدير أحمد الغمراوى وأشعار السفير القدير الذى تولى رئاسة تحرير المجلة رضا الطايفى الذى يقدم أيضا جهدا تنويريا كبيرا فى مكتبة مصر مع الرجل الكريم العظيم السفير عبدالرءوف الريدى. وقد ساهمت شخصيا فى تقديم المقالات للمجلة منذ نشأتها مما يجعلنى أشعر أنى أدافع عن جزء عزيز من نفسى وحياتى وكيانى، وكانت معظم مقالاتى بعيدة عن السياسة دعما للدور الثقافى والتنويرى للمجلة فكتبت عن منارة الإسكندرية وهرم أوناس وحجر رشيد والفرعون الفضى بسوسنس وهربرت بيرتون مصور مقبرة توت عنخ أمون. وفضلا عن المقالات الثرية بمعلوماتها التى زخرت بها المجلة فإنها أيضا تعتبر أرشيفا ثريا للصور الفوتوغرافية واللوحات التى تسجل المعالم الأثرية والحضارية والشعبية لمصر على مدى العصور، بحيث تعتبر فعلا دراسة فى عبقرية المكان طبقا لمقولة العالم الجليل والجغرافى القدير المرحوم الدكتور جمال حمدان. لعلى أكون من خلال سطورى القليلة قد استطعت أن أثقل قيمة هذا الصرح العظيم وما استثمر فيه من فكر وجهد وإن كنت أشعر بعجزى أن أوفيه حقه وإن سطرت كلماتى بمداد من دمى.

هل نفرط فى هذا الصرح؟ وهل نمارس عادتنا أن نقف عاجزين نشاهد تداعى البنيان وانهياره ثم نشدو مع أم كلثوم «الأطلال» ونتباكى مع عبدالوهاب على أطلال الكرنك ثم نغنى مع عبدالحليم حافظ «خسارة خسارة»؟.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل