المحتوى الرئيسى

وزير خارجية الثورة يكشف لـ«الأخبار» شهادته على هزيمة الضغوط الدولية

06/30 02:12

المصريون أفشلوا رهان واشنطن على القبول بسياسات الإخوان.. والسفارة «تجاوزت الحدود»

لحظات مفصلية فى عمر الوطن، عاشتها وزارة الخارجية المصرية عقب ثورة 30 يونيو، حيث كان على عاتقها الدفاع عن إرادة المصريين أمام هجمات خارجية شرسة أرادت استغلال الأوضاع للنيل من مصر ودورها، وكانت التحركات الخارجية المصرية على قدر التحدى، تحت قيادة «وزير خارجية الثورة» نبيل فهمى، الذى أصدر مؤخرًا كتاب «فى قلب الأحداث» وحمل سيرته الذاتية وشهادته على عدة عصور، كما كشف فى حوار لـ»الأخبار» كيف صدت مصر الضغوط الخارجية واستعادت دورها الإقليمى خلال أشهر قليلة من الثورة.. وإلى تفاصيل الحوار:

■ رفضت تولى وزارة الخارجية فى عهد الرئيس الأسبق مبارك وبعد ثورة 2011.. لماذا قبلت المنصب بعد ثورة 30 يونيو رغم صعوبة الوضع؟

رفضت الوزارة «مرة ونصف المرة» فى عهد مبارك، ومرتين فى عهد المجلس العسكرى.. ما أعنيه بـ«النصف مرة» كان عرض وصلنى بصورة غير رسمية واعتذرت للرئيس مبارك، أما فى منتصف عام 2013 فقبلته لوجود مسئولية وطنية حينها ولم أشعر بتلك المسئولية فى المرات السابقة للعرض الوزارى لأن العمل كان يمضى بصورة تقريبًا طبيعية رغم تغيير وزير بآخر، لكن عقب ثورة 30 يونيو قيل لى إن البلد فى خطر وهناك مسئولية وطنية للقبول، والمشاركة فى مواجهة أزمة تواجه مصر على المستوى الخارجى بما لديَّ من خبرات. بالفعل الوضع كان من أصعب المراحل حيث كانت البلاد فى حالة توتر وخارجيًا معرضون لاتهامات بشأن أمور كثيرة منها التشكيك فى شرعية النظام وتوترات إقليمية لم نشهدها فى تاريخ المنطقة.

■ كيف عملت وزارة الخارجية على مواجهة الحملات الإعلامية الشرسة على مصر عقب 30 يونيو؟

لم يحدث من قبل أن تشهد دولة ثورتين فى 3 سنوات، لذلك ما شهدته مصر فى 2013 كان استثنائيًا على جميع المستويات ويحظى بمتابعة إقليمية ودولية، والموقف التقليدى كمصريين ودبلوماسيين هو رفض الحديث عن الوضع الداخلى فى الخارج، وهو ما كان من المستحيل أن نتبعه عقب الثورة لأن الأحداث الداخلية كانت استثنائية ولها تأثير واسع، وكان السؤال الأول الذى يُوجّه لى من وزراء خارجية الدول الأخرى سواء الصديقة أو أصحاب المواقف السلبية هو «ماذا يحدث فى مصر»، ولم يكن ممكنًا رفض شرح الوضع، وبين يوليو وسبتمبر 2013 كنت أبدأ أى مقابلة بشرح الوضع ثم الانتقال لملفات أخرى، إذن المسألة كانت أكبر من الهجوم الإعلامى، حيث كانت هناك تيارات سياسية فى الخارج رافضة لما حدث فى مصر، ويرون أن التغيير الاستثنائى فى مصر لا يتماشى مع الإجراءات المُتبعة لديهم وبالتالى لا يمكن قبول ذلك التغيير، وكان رد فعلى فى اللقاءات مع المسئولين والإعلام التأكيد على أن التغيير استثنائى بسبب التهديد الاستثنائى أيضًا للهوية المصرية، ما استدعى الاستجابة للمطلب الشعبى باستعادة الهوية على الفور وليس بعد 3 سنوات بنهاية المدة الرئاسية.

■ عقب الثورة حاول الاتحاد الأوروبى والإمارات وقطر وغيرها الوساطة للوصول إلى حل.. ما شهادتك على تلك الجهود؟

وزارة الخارجية دورها بالأساس تمثيل مصر بالخارج، لذلك كان من يحاول تحقيق مصالحة وقتها يلتقى بالرئيس عدلى منصور ونائبه محمد البرادعى ووزير الدفاع حينها الفريق أول عبدالفتاح السيسى ووزير الداخلية، واللقاءات معى كانت عن الوضع الخارجى، ولم أشارك فى مسألة المصالحة عن عمد لأنه ليس دورى ومن مسئولية مؤسسات أخرى فى الدولة.. ولم أكن مرتاحًا لتعدد المشاركين الأجانب فى تلك الجهود لأن البعض كان حَسن النية والبعض الآخر كان لا رغبة له فى الإسهام بالحل، ومسألة أن الأزمة ستحل بفكرة أجنبية بعيد عن الواقع، ومع هذا تولت مؤسسات وطنية محترمة ذلك الملف وكان يحدث شرح مشترك بينى وبينهم لكيفية التعامل مع تلك الجهود.. ومن أول لحظة كانت الوفود الخارجية تظن أنها ستحل الوضع بأول طرح ستقدمه، لكن تبين لهم أن التيار الإسلامى متمسك بالعودة إلى ما قبل 30 يونيو، وذكرت لى ذلك مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى حينها كاثرين آشتون التى جاءت، وغيرها من المسئولين الأجانب العرب والأفارقة، لمصر وقابلوا الرئيس السابق محمد مرسى وسياسيين آخرين، بالإضافة لمسئولى الحكومة والمؤسسات الأمنية، وتبين مع الوقت لجميع الوفود أنه ليس هناك رغبة بالتوصل لحل وسط وإنما تمسك ممثلو الإسلام السياسى بإعادة الصفحة من جديد وهو ما لم يكن مقبولًا، وعندما وجدت آشتون أن الإخوان يطالبون بأشياء مستحيلة حَوَّلت موقفها عندما أدركت أن النظام الجديد هو الباقى، ما يؤكد أن المصلحة هى ما يحكم التحرك فى العلاقات الدولية.

■ كيف ترى اختلاف موقف واشنطن من ثورتى 2011 و2013 رغم تشابه ما حدث بتأييد الجيش لمطلب الشعب؟ وماذا يمكن أن نتعلمه مما حدث؟

نتعلم من ذلك أن العلاقات الدولية قائمة على المصلحة فقط بدون عواطف سواء مع البعيد أو القريب، وأحيانًا نتصور أنه لاتخاذنا موقفًا منذ سنوات سيُساندنا الطرف الآخر وهذا «كلام فارغ» ليس موجودًا فى أى مكان بالعالم، الولايات المتحدة بالتحديد دولة مادية الطباع ونظامها الخارجى مبنى على نفس أسس النظام الاقتصادى وهو اقتصاد السوق، بما فيه من مكسب وخسارة وتكلفة.. مبارك كانت علاقته جيدة جدًا بواشنطن وهم ليس لديهم ولاء لأى طرف، والتغيير كان سيحدث فى كل الأحوال سواء بثورة أو «أمور طبيعية» لأن حكمه امتد لـ30 سنة وتجاوز الثمانين من العمر، والجانب الأمريكى نظر فقط للمصلحة، على الرغم من أن مبارك خدم أمريكا فى أمور كثيرة وعارضهم أيضًا فى بعض الأحيان، لكنه باعتباره رجلًا وسطيًا مؤيدًا للسلام كان يتماشى مع مواقف أمريكا، لكنهم فى كل الأحوال لا يستثمرون فى الحب والكراهية، ورؤيتهم خلال ثورة 2011 أن فترة مبارك انتهت، لكن ما دفع واشنطن لاتخاذ موقف مختلف فى 2013 عاملان، الأول أنه فى 2011 كانت قراءة واشنطن للعالم العربى أن منظومته السياسية ضعيفة سيغلب عليها التيار السياسى الإسلامى واستدلوا ببعض التجارب مثل أحداث الثمانينات فى الجزائر وما وقع فى أفغانستان والعراق، فكان المفهوم عند المقربين من الإدارة الأمريكية أن التيار الإسلامى سيسود وهو ما حدث، ليس لأن الغالبية تؤيدهم وإنما لأن البديل الليبرالى كان ضعيفًا. كما رأت الإدارة الأمريكية أن انتخاب مرسى لم يمر عليه سوى عام وطريقة العزل كانت «استثنائية».

■ كيف كان لقاؤك بالرئيس أوباما بعد أسابيع من الثورة؟

بعد ثورة يونيو اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدًا موقفًا متشددًا وبدرجة أقل فرنسا، وخلال حفل استقبال أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2013، انتحى بى الرئيس الأمريكى حينها باراك أوباما جانبًا - وكنت أعرفه منذ كنت سفيرًا بواشنطن- وقال إنه يدرك أن الشعب المصرى رفض مرسى لكنه عزل بشكل استثنائى، فقلت له إن العزل كان بذلك الشكل لأن التحدى كان استثنائيًا، وقد تم استخدام ذلك التعبير دون التطرق لتعبيرات خلافية، وأخبرنى أنه سيعلن فى خطابه أمام الجمعية العامة تأجيل تسليم معدات عسكرية وإن كان يدرك أن الشعب المصرى رفض أسلوب مرسى، وكان ردى بأن قراره خاطئ فى التوقيت والمكان الخاطئين، لأن المساعدات العسكرية مسألة أمن قومى لا تخضع لمواءمة عسكرية، وإن تم تأجيل تسليمها ستلجأ مصر لمصادر أخرى، فطلب أوباما منى التهدئة لكنى أكدت له ضرورة إدارة الموقف بصورة أفضل.

■ لكن سيناريو الأحداث التى وقعت منذ 2011 وحتى عزل مرسى دفع الكثيرين للحديث عن «مؤامرة إخوانية أمريكية».. ما تعليقك؟

التاريخ هو ما سيثبت أين الحقيقة، لكن حقيقة الأمر أن ما حدث فى 2011 لم يكن بجهد خارجى ولولاه لما حدثت انتخابات 2012 ثم عزل مرسى، وليس هناك توافق أيديولوجى بين الإخوان والغرب، لكن الغرب وأمريكا تحديدًا ماديون يراهنون على الفائز دائمًا، وعندما شعروا بأن الإخوان سيفوزون أيدوهم أكثر من غيرهم فى 2012 فى مصر وغيرها، وكان رهانهم صحيحًا فى حسم الانتخابات لكن رهانهم على قبول الشعب بسياسات الإخوان كان خاطئًا.

■ كيف عملت على منع تدويل مناقشة الوضع المصرى؟

كانت هناك رغبة غربية وتحديدًا من الولايات المتحدة وبريطانيا لمناقشة الوضع فى مصر بمجلس الأمن الدولى، فأجريت اتصالات للاتفاق مع وزيرى خارجية روسيا والصين بإيقاف أى طلب غربى لذلك فى المجلس بحكم عضويتهما الدائمة.

■ دور السفيرة الأمريكية فى ذلك الوقت آن باترسون وُصف بالعدائى.. هل ممارسات السفارة الأمريكية كانت مهنية؟

استخدام تعبير عداء غير صحيح، لأنه لا يوجد حب ولا عداء هناك مصلحة فقط.. آن باترسون كانت من أكثر الشخصيات فى الإدارة الأمريكية التى تؤيد الطرح بأن تيار الإسلام السياسى سيجوب العالم العربى، وكدبلوماسى هناك فارق بين التقييم الذى يتم إرساله للعاصمة وتشغيل السفارة فى الأمور الداخلية وهو ما لا يجوز.

■ وهل كان ذلك يحدث من السفارة الأمريكية حينها؟

قبل 30 يونيو لم أكن فى الحكومة لكنى كنت أراقب الأحداث، وعندما تجد أن الملحق العسكرى الأمريكى يطلب مسئولين عسكريين مصريين ويُرفض طلبه، فهذا يعنى أن السفارة الأمريكية وقتها تجاوزت الحدود. والقوات المسلحة مؤسسة مهنية إلى أقصى درجة، وأن يرفضوا طلب المقابلة فهذه إشارة واضحة للتجاوز.

■ ما الدور العربى فى إجهاض محاولات بعض الدول الغربية لتطبيق عقوبات على مصر فى أعقاب الثورة؟

وزير الخارجية السعودى الأسبق الأمير سعود الفيصل تم تكليفه بنقل رسالة واضحة للأوروبيين بأن أى مساس بمصر مساس بالسعودية، التى كانت أول دولة تحركت، كذلك الإمارات تحركت لصالح مصر. كما أن التحركات الدولية المصرية المستمرة على مدار الساعة والإصرار الذى ظهر فى التأكيد على استعادة الدور الإقليمى والنظر للمستقبل جعل الغرب يتيقن من استمرار النظام الجديد وضرورة التعامل معه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل