المحتوى الرئيسى

علي جمعة: 30 يونيو علامة فارقة بين الحق والباطل| حوار

06/30 00:13

يقف الغرور الصحفى جامدًا مقيد الأوصال أمام ذلك الهرم العقلى الفذ؛ فالإمام الدكتور عليّ جمعة أحد أنبه القامات الفكرية والدينية فى العالمين العربى والإسلامي؛ مخازن معرفية لا تنضب، وعلوم فقهية واجتماعية تنسرب فى مكتبة كاملة؛ ونشاط برلمانى وإنسانى وعلمى ينفك فى زمرة من أولى العزم من الرجال.. ينفتح الحديث فتنداح نسائم الذكريات وتتدفق أنهار التحليل الدقيق سلسبيلا عن تلك الثورة الشعبية وأسبابها، وعن «تشريح» جماعة الإخوان وأذنابها.

منذ نشأتها الآسنة وحتى انكشاف سوءتها فى ثورة 30 يونيو نفض كل عقلاء الأمة وفقهاء الأئمة أيديهم من جماعة الإخوان المارقة ورفعوا ثيابهم عن أوحالها الشائنة: الشيخ المراغى والشيخ الباقورى، الشيخ محمد الغزالى، وسيد سابق، وخالد محمد خالد، والقائمة تطول؛ إذ كشفوا عن وجهها القبيح خلف رتوش التدين الزائف، بل وواجهوها فكريا؛ غير أن الواقع يقول إنه لم يحرق قلب هؤلاء الأفاكين غير الدكتور على جمعة، الذى وصفهم باكرًا بأنهم كلاب النار الخوارج.. فى ذكراها التاسعة لا يزال معين «يونيو» مترعا بالأسرار والذكريات، ولا تزال دروسها ممتدة لمّا تنته بعد.. وفى هذا الحوار مزيد من كشف المخبوء مع أبرز الذين حرقوا الإخوان بنيران أفكارهم:

الإخوان «جماعة منافقة» تصد عن سبيل الله ولا فائدة من الحوار معهم

■ فى البداية فضيلة الإمام.. هل كانت لك رؤى روحية أو توقعات علمية تنذر بفشل جماعة الإخوان فى تولى أمور بلد كبير مثل مصر؟

جماعة الإخوان خالفت أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الجماعات نشأت عند انتهاء الخلافة العثمانية، وقضى على الخلافة العثمانية مصطفى كمال أتاتورك، وبدأ فى الاهتمام بالوطن التركى دون سائر أقطار المسلمين، وهنا حاول المسلمون فى مؤتمر الخلافة فى مصر ثم فى العام الذى بعده فى مؤتمر الخلافة فى الهند أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، وتبين أن صيغة الخلافة الإسلامية بهذه الطريقة صيغة غير موائمة للعصر، والنبى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد فى مسنده وأصله فى البخارى فى صحيحه أنه قال: فإن لم يكن فى الأرض خليفة فالهرب الهرب، ولم يأمرنا بتفتيت البلدان الإسلامية والحكومات الإسلامية، ومفهوم الدولة القومية أن ننشئ جماعة موازية للحكومة، وأن ندخل فى صدامات مع الخلق والخالق، وأن نكون صادين عن سبيل الله سبحانه وتعالى، أمرنا رسول الله بعد أن قرر القرآن الكريم: «يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء» أن ننسحب من هذه العملية السياسية التى تضم أقطار الأرض لعدم تمكننا مما نريده من إقامة السلام وإقامة الشرع فى الأرض وطاعة الله وعبادته؛ ومن هنا جاءت هذه الفكرة وهى أن نترك الأمر لله تحقيقا لكنز من كنوز العرش وهو لا حول ولا قوة إلا بالله.

■ وكيف وقعت جماعة الإخوان فى فخ هذه التأويلات الفاسدة؟

الإخوان رأوا أن لهم حولا وقوة من دون الله سبحانه وتعالى، وأنهم يستطيعون أن يفعلوا شيئا، فساروا ضد التيار الذى خلقه الله سبحانه وتعالى، وضد ما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بإنشاء جماعة خارج نطاق الشرعية وجماعة المسلمين، وهى مسألة حمقاء، لأنها ستصطدم بقدر الله سبحانه وتعالى وبكونه، بينّا لهم هذا منذ أن عرفناهم، وناقشناهم، ونصحناهم لله ولرسوله ولعامة المسلمين ولأئمتهم، ولكنهم لا ينتصحون، لأن شهوة التسلط وشهوة الاستيلاء على الحكم كانت شديدة جدا فيهم؛ الحقيقة أن جماعة الإخوان فى ذاتها وفى داخلها فشل المخالفة والمعاندة والسير بخلاف قواعد سنن الله فى الكون، والسير بخلاف ما يقتضيه العقل والحكمة والترتيب الإلهى الرباني؛ ولذلك لما تولت تولت وهى غير صالحة وليست فيها أى صفة من صفات رجال الدولة التى كانت سببًا فى نجاح الخلافة الراشدة وبقاء دولة الإسلام ظاهرة فى الأرض متحدة فى أركانها وأجزائها أكثر من ألف وثلاثمئة عام.

■ ولماذا لم تفطن الجماعة طوال هذه السنوات إلى مثل هذه الآفة المهلكة؟

نحن أمام جماعة قد استبطنت الفشل، الفشل جزء لا يتجزأ من إنشاء تلك الجماعة؛ ومن إنشاء كل جماعة من أبناء هذه الجماعة: مثل التكفير والهجرة، مثل القاعدة، مثل داعش، ومثل جميع التكوينات والجماعات التى أنشأت ما يسمى «بالدين الموازي»؛ فلذلك وبدون توقعات ورؤى روحية وإنما هى مسألة علمية دينية تبين أن هذه الجماعة لو استولت على الحكم فإنها ستفشل، ولو استولت على الحكم- لا قدر الله مرة أخرى- فإنها ستفشل ولا تبقى فيه إلا مدة يسيرة تسبب فيها الفتن وتضيع فيها آمال الأمة وتسود الدنيا فى أعين الناس، ثم بعد ذلك أيضا تكون صادة عن سبيل الله بمثالها السيئ الذى تصدره للعالمين وتنشئ صورة سيئة للإسلام والمسلمين، فلذلك فهى فى الحقيقة وفى النتيجة النهائية هى صدّ عن سبيل الله بتلك الصورة السيئة التى تصل للعالمين منها؛ وهناك ما يسمى بأمة الدعوة وأمة الدعوة هى كل العالم، ولكن يجب أن تصل إليها الدعوة بصورة لافتة للنظر، على مثال هذا العبد الربانى الكامل الذى ارتضاه الله سبحانه وتعالى أسوة للعالمين سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم؛ أما جماعة الإخوان المسلمين وكأنها ترى أجزاء وأحاديث الرسول لتخالفها وليس لتتبعها، ومن هنا فإن فشل جماعة الإخوان فى تولى أمور بلد كبير مثل مصر، بل وأى بلد صغير آخر يكون مصيبة كبرى وبلية عظمى.

■ هل حدثت مواجهات فكرية بين أئمة الأزهر الشريف ومدعى العلم من الجماعة الإرهابية؟

المواجهات الفكرية دائمًا كانت موجودة؛ كانت موجودة عندما أفتى الشيخ المراغى ضد هذه الجماعة ورأى أنها جماعة يجب أن تزول وألا تبقى؛ وعندما خرج منها مشايخ الأزهر، مثل: الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالى السقا، والشيخ سيد سابق وغيرهم، لما رأوا أنها انحرفت عن قضية وخدمة المجتمع إلى الجهاز الخاص الذى يغتال الناس ولا يدرى القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل، فحدثت مواجهات فكرية كثيرة لدرجة أننا نشرنا كتابا عن موقف الأزهر الشريف من جماعة الإخوان، وهو كتاب قد طُبع مرات للأستاذ حسين القاضي.

■ ولكن.. ألا يُعد تغلغل تلك الجماعة الآسنة فى خلايا المجتمع قبل الثورة دليلا على تراجع دور الأزهر والأوقاف فى تلك الفترة؟

الحقيقة أنه عندما يأتينا شخص يخادعنا فى الله ويدعى أنه يدعو إلى الإسلام وخدمة المجتمع وينشئ المدارس والمستشفيات وينشئ الأنشطة مثل نشاط الكشافة والجوالة ويهتم بالفنون والآداب ويدعو الناس إلى ذكر الله سبحانه وتعالى وعمارة المساجد لله سبحانه وتعالى، فهذا فى الحقيقة هو يبلغ الناس رسالة الأزهر، لكن كونه يجعل هذه الرسالة عنوانا على شيء خفى فى نفسه فهذا هو عين النفاق، وهذه الجماعة فى الحقيقة «جماعة منافقة» تُظهر ما لا تُبطن، وتُبين للناس صحيحًا ثم تُخفى فى نفسها قبيحًا، هذا الحال هو حال المنافقين الذين بيّن الله سبحانه وتعالى وحذر منهم تحذيرًا شديدًا، إلى أن قال سبحانه: «إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار»؛ كثير من الإخوان المسلمين يفعلون هذا على ما هو فى الظاهر الصحيح، فهؤلاء مغرر بهم وليسوا من تلك الطبقة، ولكن هناك من زعمائهم من يعرف أن هذا ظاهر خلفه باطن قبيح غرضه الاستيلاء على الحكم دون أن يكون غرضه عبادة الله سبحانه وتعالى.

■ كيف كانت ثورة 30 يونيو علامة فارقة بين عهدين وبرزخًا بين بحرين.. وأقصد فى مجال الوعى الدينى تحديدًا؟

ثورة 30 يونيو بينت أن الشعب المصرى شعب ذكى يدرك بعقله وبقلبه وبروحه وبنفسه وبتجربة السنين العميقة التى تجعله قادرًا على تمييز الصحيح من القبيح، عرفوا أن هؤلاء الناس يكذبون، وأنهم قد تصدروا قبل أن يتعلموا، وأنهم ليس لهم غرض إلا البقاء فى الحكم خمسمئة عام، ولذلك كانت تلك الثورة فعلا علامة فارقة بين عهدين، وذهب ذلك الرونق الذى قدموه للشعب وخادعوه به، ولكن الحمد لله رب العالمين الذى بحمده تتم الصالحات، والذى أنقذنا وحده وبتوفيقه سبحانه من هذه الجماعة الآثمة.

■ وكيف ترى جهود وزارة الأوقاف الآن بعد السيطرة على المنابر وإعادتها إلى الدولة بعد اغتصاب أذناب الإخوان؟

ما زال الطريق طويلا، وهذا الطريق- طريق التصحيح- ليست له نهاية، وكل يوم يجب علينا أن نسير فى التصحيح وأن نصحح ما يقع فى الواقع؛ ولذلك لست مع من يقول إن الجهود قد أنتجت نتائجها وننتهي، أبدا؛ هى مسألة حياة مستمرة، فيجب علينا أن نلتفت إلى هذا المعنى، وهو أن التصحيح أمر مستدام، ويجب علينا أن نفهم هذا فى وضع برامجنا وأفعالنا.

■ لا يكف الإخوان عن رغاء اتهام علماء الأزهر بأنهم علماء السلطان.. كيف ترد على هذه الادعاءات؟  

هذا ادعاء سخيف، لأن الحاكم الذى يلجأ إلى العالم هو حاكم صالح وإلا كان يستطيع أن يفعل ما شاء متى شاء دون الرجوع إلى أهل العلم، فإذا رجع الحاكم والسلطان إلى العالم فإن علماء السلطان يكونون آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ناصحين لوجه الله، ويطمئن الحاكم إلى العلماء لأنه يعلم أنهم لا يريدون أن يغتصبوا الحكم اغتصابا ولا يدخلوا فى منافسة مع من يؤتيه الله الملك، بل بالعكس هم يأمرون الناس بعدم الخروج وشق عصا الطاعة والخروج على الإمام؛ ومن هنا فإن الاتهام بأن هذا من علماء السلطان فيه تعظيم للسلطان الذى يلجأ لأهل العلم، وفى المقابل نأمر العلماء ألا يخافوا فى الله لومة لائم، وأن يُحسنوا النصح للحكام، وأن يكونوا بطانة صالحة لهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله كما وصفهم الله سبحانه وتعالى.

■ نبارك لفضيلتك كل تلك الأصوات الغالية بالمجلس الأعلى للسادة الصوفية.. كيف أسهم الصوفية فى دعم ثورة 30 يونيو؟

السادة الصوفية دائمًا يدعوننا إلى أن تكون الدنيا فى أيدينا لا فى قلوبنا؛ يدعوننا أن نعطى كل ذى حق حقه؛ يدعوننا إلى السلام مع الله ومع النفس ومع الكون؛ يدعوننا إلى مفاهيم الحب ومفاهيم نبذ الكراهية، والتخلى من كل قبيح، والتحلى بكل صحيح، ومن تخلى ثم تحلى فالله على قلبه يتجلى؛ هذه ألفاظ الصوفية التى دائمًا فى مفاهيمهم، وفى سلوكهم، وفى مواقفهم، يدعمون دائمًا الحق؛ 30 يونيو ثورة نابعة من الشعب من غير افتعال، ولذلك فهى قد خرجت من القلب والسادة الصوفية هم أهل القلوب.

■ قلت إن 30 يونيو يوم من أيام الله.. هل ما زالت رؤيتك كما هى فى الذكرى التاسعة للثورة؟

نعم ما زالت، بل وازدادت، فهى يوم من أيام الله، يحق لنا أن نذكره فنشكره، وأن نذكره فنحتفل ونحتفى به، فكل يوم يزداد اليقين بأننا قد أنقذنا الله سبحانه وتعالى، وله المنة والفضل، من هذه العصابات.

■ ما رأيك فيمن يُنادى الآن بإشراك «فلول» الإخوان فى الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس السيسي؟

الحقيقة أن الحوار مع الإخوان لا بد أن يتأتى بإنهاء هذه الفكرة، فكرة الجماعة الموازية، والدين الموازي، وأستاذية العالم، ونحو ذلك؛ ولذلك فأنا أعتقد أن الحوار مع هؤلاء الناس يؤتى ثمرته إذا كان غرضه أن يتوبوا من الإخوان المسلمين، وأن يخرجوا من هذه الورطة التى ورطوا أنفسهم فيها، وأن يرجعوا إلى الله ورسوله وإلى دينه سبحانه وتعالى؛ أما هذا الإصرار على ذلك البلاء من الصد عن سبيل الله بعلم وبغير علم فهذا لا يكون معه حوار ولا تكون معه فائدة.

■ هل علينا أن نخشى من الهيئات العلمية البديلة التى يدعمها الإخوان فى بعض الدول العربية والإسلامية؟

مآلها إلى زوال، ولذلك لا تجد لها استمرارية.. لماذا؟ لأنها نشأت لغرض غير الله، إنما نشأت من أجل خدمة عصابة معينة تعتقد أنها جماعة المسلمين وأنها حتى ليست جماعة من المسلمين، ونحن ننصحهم لوجه الله تعالى أن يفكوا هذا الاشتباك الذى ورطوا أنفسهم فيه، وأن يرجعوا إلى الله تائبين، عسى أن يخرج هذا الكلام من قلبنا فيصل إلى قلوبهم إنه على كل ذلك قدير.

■ أسهمت دروسك العلمية وجهودك الاجتماعية فى التغيير الإيجابى بين الناس فكريا واقتصاديا.. لماذا لا نرى انتشارا لهذا الدور بين باقى الأئمة؟    

الأئمة كل فى موقعه يفعل ما يقدره الله سبحانه عليه أن يفعل: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»؛ وجدنا كثيرا من الأئمة يستطيع بما وهبه الله سبحانه وتعالى من علم ومن كفاءة، ومن قدرة على الاتصال الجماهيري، ومن قدرة على خدمة المجتمع، يقومون بواجبهم، وبعض الأحيان أكثر من واجبهم، فالله يوفق الجميع إلى ما يحب ويرضى.

■ عند محاولة الإرهابيين اغتيال فضيلتك.. كيف جاءتك السكينة لتصعد إلى المنبر بعدها مباشرة؟

الحمد لله وجدت السكينة بالفعل وصعدت المنبر رغم أن المجرمين أطلقوا تسعين رصاصة لاغتيالي.. والمسألة أنه فى هذا اليوم كان هناك اجتماع للإخوان فى إسطنبول بقيادة يوسف القرضاوى فأرادوا أن يبلغوهم خبرًا يشفى غليلهم ويُدخل السرور عليهم باغتيال الشيخ على جمعة، فانقلبت الدائرة عليهم، والحمد لله رب العالمين، وكل هؤلاء «العيال» أخذوا أحكامًا.

■ ألا تزال هذه الضغينة ملتهبة فى صدور الخوارج حتى الآن؟

نعم، وستظل، لأن هؤلاء فكرهم منحرف بخلاف فكرنا الذى يتبع هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهذان الفكران لا يلتقيان.

■ هناك من لا يزال يرى بصيص مستقبل للإسلام السياسى فى مصر والمنطقة العربية.. كيف ترى ذلك؟

حتى قبل الثورة وانكشافهم، هؤلاء لا يمثلون سوى واحد فى الألف، وهذه هى نسبة الخوارج منذ نشأتهم، نحن الآن مئة مليون وهم مئة ألف؛ والمسجل عند الأمن الوطنى منهم نحو سبعين ألفا، وبالمتعاطفين لا يزيدون على مئة ألف.

■ لماذا نجد عداء دائما بين هذه الجماعات والأفكار الصوفية منذ الإمام على بن أبى طالب وحتى الآن؟

هؤلاء الخوارج يريدون الدولة قبل الأمة، والصوفية يريدون الأمة قبل الدولة، ولهذا هما فكران متضادان.

■ فضيلتك تقول هذا رغم وجود دول قامت على أكتاف الصوفية، إضافة إلى جهادهم ضد الأعداء؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل