المحتوى الرئيسى

لماذا يحطم الطلاب المقاعد الدراسية؟

05/24 21:38

نشرت بعض المنابر الصحفية نقلا عن أولياء الأمور صورا لقيام الطلاب بتكسير المقاعد الدراسية فى فصول لجان الإعدادية بمنشية الجبل الأصفر فى الخانكة بمحافظة القليوبية. هذه الحادثة ليست جديدة، بل متكررة، وهناك وقائع مماثلة حدثت فى السابق لقيام طلاب بتحطيم المقاعد أو الأثاث البسيط فى الفصول فى نهاية العام الدراسى، وأتذكر أننى عندما كنت طالبا فى المرحلة الثانوية سمعت أن طلابا فى سنوات سابقة حاولوا إضرام النار فى الفصول الدراسية.

تداول رواد التواصل الاجتماعى حادثة الجبل الأصفر، وطالبوا بتوقيع عقوبات على الطلاب، وفرض غرامات على أولياء الأمور، وهناك من طالب بحجب نتيجة نهاية العام عن الطلاب أو فصلهم من الدراسة. اقتراحات، مع خالص التقدير لمن يطرحها، لا تحوى جديدا، بل تكرس استمرار العقلية التقليدية فى التعامل مع المشكلات. السؤال الصحيح الذى ينبغى أن نسعى للإجابة عنه: لماذا فعل الطلاب ذلك؟

قبل أن أفكر فى الإجابة أستعيد قصة إحدى المدارس فى لندن منذ عقود خلت، والتى أسهمت فى تطوير مفهوم التربية المدنية. القصة باختصار أن هناك مدرسة شهدت شغبا مستمرا وواسعا للطلاب، ومع كل مرة تتغير الإدارة المدرسية يتصاعد الشغب. زادت الإجراءات العقابية، وارتفعت أسوار المدرسة، ولا شىء يتغير، وظل الطلاب على حالهم مشاغبين. واتجهت الجهة المسئولة عن المدرسة إلى منح آخر إدارة مدرسية فرصة لإصلاح الأوضاع، وإلا فسوف تلجأ إلى خطة بديلة، وهى إغلاق المدرسة، وتوزيع الطلاب على مدارس أخرى. كانت آخر إدارة مدرسية حصيفة، تأملت الوضع بذكاء، وسألت السؤال الصائب: لماذا يفعل الطلاب ذلك؟ ولم تسأل السؤال الخطأ، مثل كل الإدارات التى سبقتها، وهو: كيف يمكن أن نمنع شغب الطلاب؟

انتهت الإدارة الجديدة إلى تحديد أٌس الداء، وهو ضعف مشاركة الطلاب فى الشأن المدرسى، ولذلك اتخذ المدير قرارا على مسئوليته بتسليم مفاتيح المدرسة إلى الطلاب، ودعاهم لتنظيم العمل بداخلها. أسقط الأمر فى يد الطلاب، واتجهوا إلى تنظيم أنفسهم، وانتخاب لجان عنهم للإدارة، وفى غضون فترة قصيرة تحسنت أوضاع المدرسة، وتقدمت على نظيراتها، وصارت نموذجا يُحتذى، ومثالا يُدرس فى معاهد التربية.

أعود إلى طلاب مدرسة «الجبل الأصفر» بمحافظة القليوبية، لا أدعو بالطبع إلى أن نسلم الطلاب مفاتيح المدرسة، ولكن أطالب بأن نٌشعرهم أنهم يمتلكون هذه المدرسة، وهى تُسهم فى تطوير معارفهم ومهاراتهم، وكيانهم الإنسانى، وثقافتهم. ليست المدارس محميات دراسية أو أماكن للتحفظ على الطلاب لبضع ساعات يوميا، ولكنها مؤسسة يجب أن تتيح للطلاب المشاركة، والتكوين، والتعلم، وتبادل الخبرات.

بالمناسبة لا تتعلق المسألة بالإمكانات المادية، قدر ارتباطها بأسلوب التفكير. التربية المدنية فى المدرسة هى بوابة العبور إلى مستقبل يكون لدى الطلاب فيه حس انسانى، ورغبة فى المشاركة، وإدراك أهمية العمل الاجتماعى. لماذا رغم المطالبات لعقود بالتربية المدنية لا تزال المدارس على صورتها السابقة، فصول للدراسة، لا يحبها الطلاب، ويشعرون بعدم الارتياح تجاهها؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل