المحتوى الرئيسى

واشنطن تتربص بالتنين الصين.. استراتيجية أمريكا لتحجيم نفوذ بكين

05/18 14:28

تلويح وإنذار.. رسائل خفية وضربات تحذيرية.. صراع وتصارع على الهيمنة الاقتصادية ومن ثم قيادة العالم بين الولايات المتحدة والصين، يشعل نيران الحرب الباردة التى لن تخمد أبدًا، حتى مع اندلاع العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا وفرض عقوبات على الاقتصاد الروسى، تربصت الإدارة الأمريكية بالنظام الصينى لمراقبة ردود أفعاله ومع من سيقف؛ خاصة مع اتجاه موسكو نحو بكين للنجاة من العقوبات.. ومؤخراً وفى اتصال هاتفي، حذر الرئيس الصينى اشى جين بينجب نظيره الأمريكى اجو بايدنب من المواجهات المباشرة بين الدول ومرحلة الصدام العسكري، مؤكدًا أن الحرب لا تخدم مصلحة أحد.

وأكدت واشنطن أن سياستها بشأن تايوان لم تتغير، وحذرت من تداعيات أى دعم مادى من بكين لموسكو، عملت الصين وروسيا فى السنوات الأخيرة على تقليل اعتمادهما على الأنظمة المالية والتكنولوجيا والأسواق الغربية، بدافع من رغبة قادتهما المتبادلة فى عزل أنفسهم ضد الإكراه الاقتصادى الغربى.. استراتيجية جديدة وضعتها واشنطن لمواجهة الصين فى شرق آسيا.

إن محاولة الولايات المتحدة لمواجهة واحتواء وتقويض اقتصادات كل من روسيا والصين مستمرة بلا هوادة، بعد أن شنت حربًا اقتصادية ضد روسيا من خلال عقوباتها، تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تصعيد هجومها ضد الاقتصاد الصيني، فبعد مرور أكثر من عام على تولى "جو بايدن" رئاسة الولايات المتحدة، لم يتراجع عن أى من التعريفات العقابية التى فرضها سلفه الرئيس "دونالد ترامب" على الاقتصاد الصينى والتى ساهمت فى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وبدلاً من ذلك، تسعى إدارة بايدن إلى تكثيف جهودها لتقويض التحدى الاقتصادى الصينى من أجل استمرار هيمنتها على الاقتصاد العالمى، يأتى هذا فى وقت يسجل فيه العجز التجارى للولايات المتحدة مع الصين أعلى مستوياته؛ حيث ارتفع العجز التجارى مع بكين إلى 355٫3 مليار دولار العام الماضى من 310٫3 مليار دولار فى 2020، على الرغم من زيادة الصادرات الأمريكية إلى الصين بنسبة 21٫4% إلى 151٫1 مليار دولار، وفقًا لوكالة "رويترز".

وصرح بايدن فى خطابه عن حالة الاتحاد مطلع هذا الشهر أنه سيسعى للحد من التضخم الذى يواجه الأمريكيين، بشراء "المنتج الأمريكى" المصنوع فى البلاد، ولكن تحتاج واشنطن إلى تكافؤ الفرص مع الصين والمنافسين الآخرين، لذا سيمضى بايدن فى تنفيذ إجراءات ترامب العقابية التى ستقيض التجارة والتصنيع الصيني؛ والتى يمكن أن تؤدى إلى زيادة الخلافات الجيوسياسية مع الصين، هذا فى وقت تدفع فيه الولايات المتحدة العلاقات مع روسيا إلى مستويات خطيرة من العداء تذكرنا بأزمة الصواريخ الكوبية، تشمل الجهود الأمريكية لزيادة تقويض الصين الاستخدام المحتمل للمادة 301 من قانون التجارة الذى يسمح للمسئولين الأمريكيين بفرض عقوبات على الشركاء التجاريين الذين تنتهك سياساتهم قانون التجارة. ووفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تسعى الولايات المتحدة إلى منع التحدى الصينى للهيمنة الأمريكية فى صناعات التكنولوجيا مثل الموصلات والذكاء الاصطناعى والجيل الخامس والمركبات الكهربائية.

أصدر مكتب الممثل التجارى الأمريكى خلال مارس الماضى تقريره السنوى الذى ذكر بشكل لا لبس فيه أن الصين لا تزال مستمرة فى القيام بالممارسات التجارية غير العادلة التى يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات لمكافحتها، فيما لا يوجد اعتراف بأن الشركات الأمريكية هى من نقلت طواعية معظم مصانعها إلى الصين للاستفادة من القوى العاملة منخفضة الأجر ولكن عالية المهارة فى الصين، إن الجهود المستمرة التى تبذلها الإدارة الأمريكية لتقويض الاقتصاد الصينى هى علامة على الضعف وليس القوة، ويُظهر التاريخ مرارًا وتكرارًا أن الإمبراطوريات المتدهورة نادرًا ما تترك مسرح التاريخ دون قتال. 

الحرب الاقتصادية التى تشنها واشنطن ضد الصين هى أحد أعراض التراجع المستمر للرأسمالية الأمريكية، التى تعانى من العديد من نقاط الضعف الهيكلية التى يبدو أنها غير قادرة على معالجتها؛ أحد الأمثلة هو فشل برنامج بناء البنية التحتية الأفضل لبايدن، كما أن الصراع الحالى بين الولايات المتحدة والصين، يذكر بالحروب البونيقية بين روما وقرطاج؛ حيث أدت المنافسات الجغرافية الاقتصادية والسياسية إلى تحويل الحلفاء السابقين إلى أعداء، حيث نشهد سيناريو مماثلا يحدث فى القرن الحادى والعشرين بين الصين والولايات المتحدة؛ فى عام 1972، افتتح الرئيس الأمريكى السابق "ريتشارد نيكسون" حقبة جديدة من العلاقات الإيجابية مع الصين حيث سعت الولايات المتحدة لعزل الاتحاد السوفيتي، الآن بعد 40 عامًا والولايات المتحدة عازمة على إخضاع بكين بالطريقة التى تم قمعها فى الفترة المعروفة فى الصين باسم "قرن الذل".

وقد أزاحت الإدارة الأمريكية مؤخراً الستار عن استراتيجيتها الجديدة تجاه منطقة المحيطين الهندى والهادئ والتى وضعت لأهمية المنطقة لواشنطن وحلفائها، وفرض سيطرتها ومن ثم تحجيم النفوذ الصينى، وتبدأ الاستراتيجية الجديدة بتكرار العبارات المألوفة حول النوايا الإنسانية الأمريكية المفترضة فى جنوب شرق آسيا ودورها فى توفير الأمن الذى سمح للديمقراطيات الإقليمية بالازدهار، مع إدانة العنف الصينى المنتشر فى دول المنطقة، ووفقًا للاستراتيجية، فإن التركيز الأمريكى المكثف يرجع جزئيًا إلى حقيقة أن منطقة المحيطين الهندى والهادئ تواجه تحديات متزايدة من الصين، التى تجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية فى سعيها إلى مجال نفوذها فى المحيطين وتسعى إلى أن تصبح القوة الأكثر نفوذاً فى العالم، ويمتد الإكراه والعدوان الذى تمارسه بكين حول العالم، ولكنه أكثر حدة فى هذه المنطقة؛ من الإكراه الاقتصادى لأستراليا إلى الصراع على طول خط السيطرة الفعلية مع الهند إلى الضغط المتزايد على تايوان والتنمر على الجيران فى بحار الصين الشرقى والجنوبي، وتقويض حقوق الإنسان والقانون الدولى، بما فى ذلك حرية الملاحة؛ حيث يتحمل الحلفاء الكثير من التكلفة. 

تأتى المخاوف الأمريكية من محاولة الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" اللجوء إلى الصين للتهرب من العقوبات، خاصة أن الأخيرة أثبتت مع إيران أن لديها الكثير من الممارسة والمهارة الكبيرة فى التعامل مع العقوبات، وقد سهلت الولايات المتحدة القيام بذلك فى حالة روسيا بعدة طرق، بما فى ذلك ترك ثغرات كبيرة فى عقوباتها يمكن للصين وروسيا استغلالها، الغموض الحالى الدائر حول هذه العقوبات يناسب الصين، ستظل تعمل على استراتيجيتها لبناء قوتها الاقتصادية تدريجياً من خلال مبادرة الحزام والطريق اOBORب وبالنظر إلى ذلك، لا تستطيع الصين فى هذه المرحلة من استراتيجيتها أن يُنظر إليها على أنها تدعم روسيا بالكامل فى غزو بوتين لأوكرانيا، وقد تجلى ذلك بوضوح فى امتناع الصين عن التصويت اغير مرغوب فيهب وغير متوقع من قبل الكرملين فى الأمم المتحدة. 

منذ بداية العمليات العسكرية، وفقًا لمجلة "ذى اتلانتيك" لم يؤيد المسئولون الصينيون صراحة الغزو الروسى أبدًا، لكنهم أوضحوا هذا الصراع على أنه ردًا على التصعيد العسكرى الذى أشعلته الولايات المتحدة؛ حيث شجب مساعد وزير الخارجية الصينى، "هوا تشون ينج" دعم واشنطن لتوسع الناتو نحو الحدود الروسية، وفى حالة صادرات النفط والغاز الروسية، ليست هناك حاجة لأن تمر الصين بالمشاكل التى واجهتها للالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية، وفقًا لتقرير الصحفى والمحلل المالى الإنجليزى "سيمون واتكينز" على موقع "oil price".

أولاً، لا توجد حاليًا عقوبات مباشرة مفروضة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى على صادرات الطاقة الروسية من النفط أو الغاز. كما صدر بيان مفاده أن كليهما يناقش فرض حظر على واردات النفط الروسية، لكن لم تتم الموافقة على ذلك بعد، ولا يزال بإمكان الصين التعامل معه بنفس الطريقة التى فعلت بها بالنسبة لإيران. فى الواقع، على الرغم من الإعلانات العديدة التى صدرت عن حزمة مختلفة من العقوبات التى تم فرضها على عدد كبير من البنوك الروسية، فإن أحد البنوك التى كانت غائبة بشكل ملحوظ عن جميع القوائم الأمريكية كان ثالث أكبر مقرض فى روسيا هو بنك "غازبرومبانك"، الذى يخدم شركة الغاز الروسية العملاقة؛ إن "غازبرومبانك" والعملاق المصرفى الروسى المملوك للدولة "سبير بنك"، ليسا أيضًا على قائمة المؤسسات السبع التى قدمها الاتحاد الأوروبى؛ المحظورة من نظام الرسائل والمدفوعات التابع لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت".

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل