المحتوى الرئيسى

بعد جدل أبو الهول.. لماذا احتل الأسد مكانة كبيرة عند المصري القديم؟

05/17 14:38

أثارت بعض الصور المتداولة لتمثال أبو الهول الموجود في منطقة أهرامات الجيزة، على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الجدل، حيث ظهر التمثال في بعضها وكأنه "مغمض العينين"، وتصدر وَسم "أبو الهول" محركات البحث.

وفي هذا الصدد، نتناول أصل أبو الهول ولماذا جسد الأسد تحديدا، وفق ما ذكره عالم الآثار المصري سليم حسن في كتابه "أبو الهول تاريخه في ضوء الكشوف الحديثة".

• الأسد.. أيقونة مهمة في مصر القديمة

ذكر سليم حسن أن الأسد كأيقونة للقوة يوجد في مصر قبل عصر الأسرات، ويوجد لوحات تدل على ذلك، الأول في لوحات الإردواز التي نقش عليها صورة أسد يبقر بطن رجل غير مصري منبطح على الأرض، وفي مثال آخر تصور 7 مدن محصنة بوجود أسد يمسك فأسا، وتمثل تلك الأسود الملك المنتصر؛ لأن المصريين في ذلك العصر كانوا دائما يصورون الملك كأسد في ساحة قتال، وكان أمنحتب الثالث مغرما بتصوير نفسه في صورة أسد.

وقال: "من الأمور الطبيعية عند الناس والبدائيين خاصة، وبعض الشعوب المتحضرة، أن يشبهوا حكامهم بأقوى وأجمل ما يعرفون من الحيوان، والواقع أن الأسد كان ولا يزال يلعب هذا الدور في كثير من بلاد العالم، فمن ألقاب إمبراطور الحبشة (أسد يهوذا)، في حين يلقب (شاكا) ملك زولولاند في جنوب إفريقيا بـ(الأسد الأسود)، ونستطيع أن نقول إنه من المحتمل أن ملوك مصر قبل الأسرات كانوا في العادة يصورون على هيئة أسود، واستمر هذا التصوير المجازي خلال عهود الأسرات، وصار ينظر إلى الأسد منذ عهد ما قبل الأسرات على أنه يؤدي عمل الحارس، وفي مصر القديمة كانت صورته تشكل قوائم المقاعد ومساندها، كما كانت تشكل كذلك القاعدة التي يرتكز عليها عرش الملك، وتشكل صورة الأسد المستطيلة قوائم أسرة الأحياء؛ حيث تحمي الأسود الشخص النائم من أعدائه الطبيعيين والخارقين للطبيعة".

كان الأسد كرمز يوجد في كثير من جوانب الحياة لدى المصري القديم، حيث أشار "حسن" إلى أن صورة الأسد في الرسم والنحت على السواء، تحرس أبواب المعابد كما هو الحال في معبد الدير البحري، وحتى في معبد أمنحتب الثاني. وفي رسوم مدينة هابو غرب طيبة، نرى أسدا أليفا يتبع رمسيس الثاني في المواكب الدينية".

لفت الكتاب أيضا إلى ما قاله حربولون الكاتب الكلاسيكي الذي عاش نحو مطلع القرن الخامس قبل الميلاد، إن الأسود كانت تعد من سمات الفيضان؛ ذلك لأن النيل كان يشكو فيضه عندما تكون الشمس في برج الأسد فلكيا، كذلك كان المشرفون على الأعمال المقدسة في القديم يصنعون نافورات المياه ومجاريها في صورة أسود.

وأضاف: "لا شك أن للأسد جمالا في خلقته، ويمكن استخدامه لأغراض مختلفة، وذلك من عوامل انتشار الرمز بالأسد، ولكن الغرض الأساسي هو اتخاذه درعا واقيا وحارسا ساهرا قويا لم ينس، واستمر ذلك منتشرا في عهد البطالمة، كما كان في العهود القديمة التي ترجع إلى قبل أيام مينا، وأتت الفرصة للمصريين عندما رغبوا في خلق صورة ذات أثر لملكهم المؤله، وكان يسمى بعد الموت -حور-أخت- أي (حور الساكن في الأفق) أو (رب السماء)، فتساؤلوا كيف يصورون ذلك وخطر على بالهم استعمال صورة الأسد، ولكنها لم تف بما يطلبون، لارتباط الأسد بالشراسة والملكية في آن واحد، وكانوا يرغبون فيما يمثل قوة العقل والبدن، فكانت صورة (أبو الهول) الذي تظهر فيه رشادة الأسد وقوته المخيفة، بالإضافة إلى القوة العقلية الخلاقة التي يمتلكها الإنسان".

ذكر حسن أنه يوجد مثل واحد من صور أبو الهول من عصر ما قبل الأسرات، وقد وجد هذا على لوحة أردواز محفوظة في المتحف البريطاني حاليا، وهذا المخلوق له جسم إنسان ورأس صقر أو نسر، وله جناحان يخرجان من وسط الظهر، ويظهر أنهما مشدودان بحبال من تحت بطنه، وقد نُحت في حالة هجوم.

• التمثال المجهول.. المغزى الديني لأبو الهول

أشار حسن في بداية هذا الفصل من الكتاب، إلى أنه لم يتم التوصل إلى نتيجة قاطعة توضح معلومات كافية عن عصر أبو الهول أو من قام بنحته، ولم يُعثر على نقش واحد من عصره يوضح هذه المعلومات، ولقد كان المصريون أنفسهم في عهد الدولة الحديثة في جهل تام بكل ما يتصل بالأثر.

وتابع: "لم يتعرض سيتي الأول في اللوح الذي أقامه في معبد أمنحتب الثاني لذكر تاريخ أبو الهول، كأنما عجز عن الحصول على حقائق يعتمد عليها في ذلك الموضوع، واكتفى بالإشارة إليه أنه المكان الذي يصلي فيه الناس، بينما ذكر تحتمس الرابع، أبو الهول، في لوح من الجرانيت، وسواه فيه بالإله (خبري- رع- أتوم) كما سمى هذا المعبود باسمه الشائع، وقال (ولسوف توجه الحمد إلى الإله.. وننفر.. خفرع، والتمثال الذي صنع للإله حور- ما- أخت)، وانكسر المتن عند هذه النهاية، إذ يبدو أن تحتمس قد ربط بين اسم أبو الهول والملك خفرع، ومن ناحية العقيدة كان يعتبره صورة من صور الشمس".

من أعجب الحقائق عن أبو الهول، أن كل مقابر الجبانات التي تحيط به لم يرد فيها نقش واحد يذكره من قريب أو بعيد، وعلى الرغم من وجود أدلة مادية على ما كان يوجد أيام الأسرة الرابعة من تماثيل صغرى لأبو الهول -على حد قول الكاتب- لم يذكر اسمه في مقابر الأفراد، إذ كان من أرباب عبادة الشمس التي كانت حينها وقفا على الملكية.

ولم يحدث حتى عهد الأسرة الثامنة عشرة أن ظهرت براهين قاطعة على أن أبو الهول قد كان معدودا من آلهة الموتى، وفي متون الأهرام وجد أول ذكر لأبو الهول، حيث يظهر باسم "روتى" مرتبطا بالإله "أتوم"، وظل ارتباطه به حتى الدولة الحديثة، فقد جاء في كتاب الموتى "أي أتوم يا من يظهر سيدا للبحيرة، ويا من يضيء مثل روتى الذي يخضع لأوامرك بلسان الماثلين بين يديك"، وهناك سطر من لوح تحتمس الرابع الجرانيتي عن أبو الهول، يذكر أن روتى إلها في صورة أسد، وكان اسمه يكتب بالرمز الذي يشير له.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل