المحتوى الرئيسى

حان وقت إغلاق الناتو لأبوابه

01/24 21:31

نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا لمايكل كيماجى تناول فيه أهمية قيام حلف الناتو بوقف انضمام أعضاء آخرين له، فيرى أن الفرضيات التى قامت عليها سياسة التوسع فى تسعينيات القرن الماضى لم تثبت صحتها، بل أضعفت من قوة الحلف... نعرض منه ما يلى:

حلف الناتو لا يناسب أوروبا فى القرن الـ21. وهذا لا يتعلق بما يقوله بوتن عن الحلف أو تهديداته بشن حرب فى أوكرانيا ليفرض عليها الحياد ويوقف توسع الناتو، بل يرجع لعيوب شديدة فى تصميم الناتو؛ فامتداده فى شرق أوروبا يزيد جدا من حجمه، وهو توسع غير محدد، ولا يخدم مصلحة الحلف. اليوم، يعد التحالف فضفاضا، يضم 30 دولة تشمل أمريكا الشمالية وغرب أوروبا ودول البلطيق وتركيا. أدى هذا إلى توسع عمليات الناتو من الهجوم والدفاع، ليتورط عسكريا فى سيبيريا وأفغانستان وليبيا... ضخامة الحلف وغموض عملياته يهددان بتورط الحلف فى حرب أوروبية عظمى.

لتبسيط أهدافه الاستراتيجية وتحسين قدراته الدفاعية، على الحلف أن يعلن صراحة تخليه عن فكرة انضمام أى عضو آخر، وإنهاء سياسة الباب المفتوح. هذا الإعلان، رغم صعوبته، وإعادة التفكير فى البنية الأمنية لوسط وشرق أوروبا لن يمثلا تنازلا لبوتن. بل على النقيض، هذه الخطوة مهمة لحلفٍ عد الأنجح فى القرن العشرين أن يستمر فى القرن الحادى والعشرين.

خدم حلف الناتو عند نشأته ثلاث وظائف رئيسية. أولا الدفاع. ثانيا، حل مشكلة الأمن المزمنة فى غرب أوروبا، وبالأخص العداوات بين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وتحويلهم إلى حلفاء ثابتين، وهو ما يعنى سلاما دائما. ثالثا، ضمن الناتو مشاركة الولايات المتحدة فى الأمن الأوروبى.

من عام 1949 إلى عام 1989، أنجز الناتو جميع هذه الوظائف الأساسية، وحافظ على السلام، وعلى الرغم من حرب فيتنام، وفضيحة ووترجيت، وأزمة الطاقة فى السبعينيات، لم تنسحب الولايات المتحدة من أوروبا.

لكن بعد ذلك، جاءت فترة محورية فى إعادة تعريف الناتو، عندما أقام الرئيسان بيل كلينتون وجورج دبليو بوش سياستهما لتوسع الناتو على افتراضين. الأول هو أن الناتو كان أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن فى أوروبا، وكان ينظر إلى توسع الناتو على أنه تحوط ضد روسيا. الافتراض الثانى جاء نتيجة نظرة متفائلة بشأن النظام الدولى، مفادها أن بالنظر إلى النجاح الذى حققه حلف الناتو، فتوسع الحلف سيعنى مزيدا من السلام والتكامل والنظام.

أتضح أن كلا الافتراضين الكامنين وراء توسع الناتو غير صحيحين. فالهيكل الذى تم بناؤه فى منتصف القرن لأوروبا الغربية لم يلائم أوروبا الشرقية فى فترة ما بعد الحرب الباردة.

يعمل الناتو بشكل مختلف تماما فى أوروبا الشرقية. لا يوجد فى عام 2022 ما يعادل الستار الحديدى الذى فرضته غرب أوروبا على شرق أوروبا فى وقت الحرب الباردة، وفى شرق أوروبا لا تقيد الجغرافيا توسع الناتو، ولذلك توسع الناتو بشكل عشوائى فى شرق أوروبا. منطقة كالينينجراد على سبيل المثال هى جزيرة صغيرة روسية داخل بحر يقع من ضمن حدود الناتو. السؤال الشائك الذى يواجه حلف الناتو فى القرن الحادى والعشرين متمثل فى أين تنتهى الحدود الغربية لروسيا وتبدأ الحدود الشرقية لأوروبا؟ وهو سؤال كان منذ القرن السابع عشر سببا لعدد لا يحصى من الحروب. يتجاوز الناتو بشكل عشوائى عشرات الخطوط الفاصلة بين الإمبراطوريات والدول القومية والأعراق فى أوروبا الشرقية. الحلف ليس سبب عدم الاستقرار الإقليمى، ولكن كحلف غير محايد ومحفز للعداء الروسى، لا يمكن فصله عن عدم الاستقرار هذا. ربما إذا كانت جميع الدول الأوروبية (باستثناء روسيا) أعضاء فى الناتو، لكان أصبح الحلف فعالا فى مواجهة روسيا، لكن هذا بعيد كل البعد عن الواقع.

زادت المخاطر غير المتوقعة مع توسع الناتو وسياسته فى الباب المفتوح. كان إعلان الناتو فى عام 2008 بأن أوكرانيا وجورجيا سينضمان للحلف طموحا، وربما مخادع. ومع ذلك، فإن توجه الناتو شرقا ليس ضربا من الخيال، كما أكدت المحادثات الأخيرة حول الانضمام المحتمل لفنلندا والسويد. علاوة على ذلك، فإن مسعى الحكومة الأوكرانية الانضمام إلى الناتو قد أدخل الحلف فى واحدة من أصعب الصراعات القومية فى المنطقة. فالـحلف الدفاعى غير مؤهل للتعامل مع نزاع بين دولة تسعى لعضوية الحلف وقوة نووية ترفض هذه العضوية. هذا صراع لا يمكن للحلف إلا أن يخسره، وهو صراع يهدد وجود الحلف إذا انجرفت دولة عضو مثل بولندا أو ليتوانيا فى الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

يهدد النظامُ الدولى أيضا توسعَ الحلف. بدلا من الرغبة فى الانضمام إلى النظام الذى تقوده الولايات المتحدة فى أوروبا، تسعى روسيا إلى بناء نظام دولى خاص بها واحتواء القوة الأمريكية. ومن المفارقات أن توسع الناتو، أو الوعود به، يساعد بوتين فى هذا الجهد؛ فهو يدعم روايته عن الخيانة الغربية ويبرر جولات روسيا الخارجية أمام الشعب الروسى. فى روسيا، يُنظر إلى الناتو على أنه أجنبى وربما عدو، وتوسعه يعد من أحد أعمدة الشرعية السياسية الداخلية لبوتن... فالرئيس الروسى هنا يقف فى وجه حلف يعادى موسكو.

يجب على الناتو أن يغير سياساته من خلال الرفض العلنى والصريح لانضمام دول أخرى لعضوية الحلف. هذا لا يعنى بأى حال من الأحوال أن يتراجع الحلف عن التزاماته تجاه الدول التى انضمت إليه بالفعل، ولكن يجب أن يعيد النظر فى الافتراضات التى كانت وراء توسع الحلف فى التسعينيات. مع توسع الحلف بالفعل فى دول جوار تعد الأخطر فى العالم، فإن دمج أوكرانيا سيعد جنونا استراتيجيا. إن سياسة الباب المفتوح العبثية للناتو هى فى حد ذاتها إهانة لأوكرانيا ــ وجورجيا أيضا ــ وستولد العداء تجاه الولايات المتحدة. حتى لو كان الجميع يعلم أن ما يقولونه يتعارض مع الواقع، فإن أوكرانيا وأمريكا يوترون الأوضاع بعدم التحدث الصريح.

تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع روسيا فى أوروبا الشرقية، استراتيجية لا تعتمد بشكل أساسى على الناتو. التحالف موجود للدفاع عن أعضائه وإغلاق بابه المفتوح سيساعده على ذلك. لا شك أن إنهاء التوسع يتطلب جهود دبلوماسية صعبة، ويتعارض مع الوعود المتكررة للمسئولين الأمريكيين والأوروبيين. لكن التحالف الذى لا يمكنه العمل لمصلحته الخاصة ويتمسك بافتراضات غير واقعية يقوض نفسه من الداخل. بقاء الحلف يتطلب إصلاحه، وإنهاء الحديث حول عضوية الناتو يمكن من وجود نهج منسجم مع تعقيدات المنطقة، ومع نظام دولى لا يسود فيه النموذج الغربى، ومع مواقف روسيا فى عهد بوتن التى ستسمر لوقت ليس بالقصير.

يجب على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الأوروبيين فى نفس الوقت اقتراح إنشاء مؤسسة تكون روسيا عضوا فيها؛ تركز على إدارة الأزمات، وعدم التضارب، والحوار الاستراتيجى. الناتو لا يجب أن يكون له دور فيها، فى رسالة مفادها أن الناتو لا يعنى كل شىء بالنسبة للأمن الأوروبى. الأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة المضى قدما بحظر، فى وضع محفوف بالمخاطر. احتمالات نجاح هذه الدبلوماسية ضئيلة، لكن عدم منحها فرصة سيكون خطأ لا يغتفر.

بدلا من الاعتماد على الناتو، يجب على واشنطن استخدام الاقتصاد فى النزاعات القادمة مع روسيا. يمكن للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، استخدام مجموعة من العقوبات والجهود والتدابير الأخرى مثل منع نقل التكنولوجيا الحديثة لعزل روسيا عن الأسواق الأوروبية والأمريكية للضغط على روسيا فى أوكرانيا وفى خلافات أخرى. هذه ليست فكرة جديدة، لكن الاقتصاد الروسى الضعيف نسبيا يجعله هدفا جيدا لمثل هذه الإجراءات.

فى حالة نشوب صراع عسكرى جديد مع روسيا، يجب على الولايات المتحدة تشكيل تحالف خاص مع حلفائها وشركائها للتعامل مع التهديدات المحتملة بدلا من إشراك الناتو بشكل مباشر (ما لم تهاجم روسيا عضوا فى الناتو). منذ عام 1991، كان سجل الناتو فى أراضى دول غير عضو بالناتو سيئا، بما فى ذلك مهامه الفاشلة فى أفغانستان وليبيا؛ وهو ما يدل على أن الحلف يجب أن يلتزم بدور الدفاع ويبتعد عن الهجوم.

إغلاق باب الناتو المفتوح لن يحل مشاكل واشنطن مع روسيا. المشكلات بينهما تذهب لما هو أبعد من الحلف. ولكن إنهاء توسع الناتو سيكون بمثابة قرار يدافع به الحلف عن نفسه، وسينعم بالفوائد التى تقدمها محدودية الأعضاء ووضوح الأهداف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل