المحتوى الرئيسى

الرقابة والسموات المفتوحة .. حيرة المبدعين .. نفتح ولا نقفل؟

01/23 17:08

“نفتح ولا نقفل؟”، سؤال حير الجميع، حول حدود حرية الفن، وهل يجب فتح الباب تماما لحرية الفن والإبداع, أم يجب إغلاقه خوفا من إغراق السوق بالفن الهابط ومعارضة قيم وثوابت المجتمع؟، هذا التخبط يقود إلى نتيجة حتمية تؤكد أن الحرية إذا لم ترتبط بالمسئولية أصبح هناك فوضى عارمة تجعل المبدع الحقيقى يقف على حافة هاوية الفساد الفكرى والثقافى.

التساؤلات المطروحة أجاب عليها المختصون فى الصناعة والبداية كانت مع سيد فتحى مدير عام غرفة صناعة السينما الذى رفض فكرة إلغاء الرقابة رفضا قطعيا، ويقول: “إلغاء الرقابة جريمة فى حق هذا الجيل الذى لم يتم تشكيل وعيه بشكل يؤهله لفلترة الغث من السمين, ولا أنكر أن هذا الجيل مستهدف من قبل منظمات خارجية لدس أفكار سامة وهدم الثوابت واختراق التقاليد والأعراف, فماذا لو ألغيت الرقابة واكتفينا بالتصنيف العمرى +21 ماذا ستقدم السينما لمن هم أقل سنا؟ أفلام كارتون؟ ونفسح المجال لإنتاج وتداول أفلام تهدد كيان الدولة, فلا أملك تعليقا سوى أننا أمام تحدى كبير لابد من تكاتف مؤسسات الدولة لحماية هذا الجيل المستهدف”.

اختلف معه فى الرأى المخرج مجدى أحمد على، الذى استهل حديثه قائلا : “لنكن متفقين لايوجد فنان فى العالم يرحب بالرقابة والمشكلة فى مصر تكمن فى تعدد أشكالها, فهى ليست قاصرة فقط على جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بل وصل الأمر فى بعض الأحيان قيام الجهاز الرقابى نفسه بحماية المبدع من الحبس مثلا, بسبب فرض توصيات ورقابة من مؤسسات أخرى, فمناخ الحرية لابد وأن يكون شاملا من أول القضاء إلى مؤسسات الدولة المختلفة سواء دينية أو غيرها مرورا بالنقابات والمجتمع المدنى, فأرى أن هناك حصار كامل للإبداع فى هيئة ترسانة محكمة من القوانين والأعراف والتقاليد والعادات التى تجعل الفنان مكبلا بالقيود فى كل اتجاه, وبالتالى أسوأ أنواع الرقابة هى تلك الرقابة الذاتية التى تنبثق من الجهات والنقابات المختلفة، فعلى سبيل المثال عندما تقدم الدراما نموذجا غير مثالى لطبيب نجد هجوم شرس من قبل نقابة الأطباء يصل الأمر إلى مقاضاة صناع العمل والتهديد بالحبس”.

ويتابع: “أعتقد أن إلغاء الرقابة الخاصة بالجهاز الرقابى فقط فى مصر غير كاف, فنحن بحاجة إلى وقت طويل وقرارات قوية وتوحيد الإجراءات, بمعنى أنه طالما لايوجد رقابة من الجهاز الرقابى فليس من حق أى جهة أخرى محاسبة صناع الفن بالحبس أو التغريم, فالحرية ليس لها حل سوى مزيد من الحرية والشعب هو صاحب القرار فى القبول أو الرفض.

ويضيف: استطاعت المجتمعات الأوروبية التخلص من تلك القيود وكوارث الحجر والمنع وأصبح الشعب هو صاحب القرار فى نجاح الأعمال الجيدة ذات الهدف والمضمون واستبعاد غير ذلك دون توصيات رقابية ولم يحدث أى كوارث أخلاقية ولا تمادى فى الخطأ أو استغلال لإرتفاع سقف الحرية, وأذكر أنه عند حضورى لعرض بعض الأفلام فى السينمات الأوروبية كان الجمهور ينصرف من تلقاء نفسه عندما يشعر بعدم أهمية الفيلم, فيقل الإقبال عليه ويتم سحبه من دور العرض, وهو الحل الوحيد مع الوثوق فى وعى الشعب, وعلى الدولة دور مهم جدا ومسئولية كبيرة فى زيادة وعى الجمهور بزيادة عدد المسارح ودور العرض السينمائى والمكتبات فى كل أنحاء الدولة بما فيها القرى والنجوع وعدم إغلاقها أو هدمها واستبدالها بمحلات تجارية, ومع هذا الاهتمام سنجد أن الشعب ارتفع مستواه الثقافى بشكل كبير وأصبح قادرا على الفرز وهو المهم”.

اتفق معه فى الرأى المخرج داود عبد السيد ويقول: “المسألة بحاجة إلى وعى من الجمهور وفهم لمعنى الحرية ومفهوم التصنيف العمرى واحترامه وتطبيقه بحزم قبل إلغاء الرقابة وهذا هو الحل العصرى والعملى الصحيح الذى يتفق مع كرامة المواطن المصرى وأحد أشكال الإتكال على المسئولية, لأن التصنيف العمرى يخضع لخبراء ومعايير دقيقة لتحديد ما يتفق مع كل فئة عمرية, دون الحاجة إلى جهاز رقابى, ومع  ذلك سيظل هناك من يرفضها خوفا من تدمير القيم والمثل الأخلاقية وأنها دعوة للتعايش مع الشيطان, هم أحرار فى أرائهم الخاصة ولكن ليس من المنطق فرضها على الآخرين وإصدار أحكام نيابة عن الجميع, ومن يرى أنه غير قادرا على الفهم والفرز فليعيين واصيا عليه لأنه لم ينضج بعد, فالسينما قرار واختيار وآراء النخبة ترفض وجود القيود على الإبداع لقناعتهم بقدرة الصناع لتقديم سينما أخلاقية تحترم العقل وتنتصر لوعى الإنسان ونحن ندرك بشكل واع أن الأفلام لديها القوة المذهلة فى تحريك العواطف والمشاعر ووسيلة قادرة على جعل الفرد أكثر حكمة ونضجا وتساعد على النمو والمعرفة دون أن تتخلل الرقابة كل أجزاء صناعة الفيلم والحكم على العمل بأنه عمل شرعى أو غير ذلك.

ويتابع قائلا: “أعترف بأهمية دور الرقابة وأنها مطلوبة فى بعض الأحيان عندما تتعرض قصة الفيلم لمشاهد أخلاقية أو انتهاك حرمة الأسرة والأطفال أو المساهمة فى التشجيع على العنف, لكنها لابد وأن تكون رقابة نابعة من الفرد نفسه لأنها تعد غريزة إنسانية خاصة مع العصر الإلكتروني وسهولة الحصول على أى محتوى دون رقيب فالصناعة يجب أن تخضع لتنظيم وليس رقابة”.

ويستهجن الناقد الفنى عصام زكريا فكرة استمرار فرض سلطة الجهاز الرقابى على الأفلام السينمائية فى مصر بالرغم من أن العالم أصبح عبارة عن شاشة متنقلة وأنها وهم فى ظل هذا الانفتاح, ويقول: “هناك ما يسمى بحركة التاريخ وحركة الشعوب لمواكبة التطورات, فمن يريد التحرك للأمام فهنيئا له أم من يريد أن يظل محلك سر فهو بذلك يهيل التراب على كل المحاولات للانفتاح ورفع سقف الحريات للإبداع, ومسألة إلغاء الرقابة تم مناقشتها مرارا وتكرار ولكن دون جدوى, فالرقابة على المصنفات الفنية أصبحت عبث بعد غزو الفضائيات والإنترنت البيوت المصرية, فما هى سلطة الرقابة على الهواتف “سمارت” التى تسمح لك بالتجول حول العالم وأنت جالس فى البيت دون أدنى عناء, وما هى أهمية منع فيلم من دور عرض سينمائى وهم فى الأصل 400 دار عرض فى مصر كلها ونحن أمام منافذ متعددة فى البيت الواحد فكل فرد يمتلك منفذه ودار عرض خاصة به على هاتفه.

 ويتابع: “تعتبر أنسب وسيلة لتنظيم المسألة وإحكامها دون منع ومصادرة للإبداع هو وجود تصنيف عمرى إرشادى يتم تصنيفه من قبل خبراء فى علم النفس والتربية والمجتمع والدراما وليس من قبل موظفين الرقابة, لتعليم الأجيال اختيار مايناسبها دون توصيات أو إجبار “بالكرباج” ليكون هو رقيب نفسه, ففى عز فترات المنع كانت الأفلام الإباحية موجودة يتم مشاهدتها سرا, والملخص أن الرقابة نفسها وهم, كالأب الذى يوهم نفسه أنه يقوم بدوره الرقابى على أبنائه فى صالة المنزل فقط ولكن عندما يختلى الأبناء فى غرفهم فلا رقيب عليهم, فعلينا هدم الحواجز مابين السر والعلن لبناء نشء سليم نفسيا وصحيا وعقليا, مع التربية السليمة والتأكيد على دور الدولة فى نشر الثقافة”.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل