المحتوى الرئيسى

ضحايا "أصحاب ولا أعز" .. هذه بضاعتكم ردت إليكم ! | رأي

01/23 22:18

صباح اليوم كانت حسابات الفنان أحمد حلمي على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مساحة حرة لتلقي أقسى وأبشع الطعنات في شرفه واخلاقه من الملايين الذين يتابعونه ويتفاعلون مع فيديوهاته الطريفة منذ سنوات .

السبب بالطبع هو الهجوم الضاري على زوجته منى زكي منذ بدء عرض فيلم "أصحاب ولا أعز" عبر منصة "نتفليكس" ، الهجوم الذي شنته جحافل عشاق السينما النظيفة التي كانت منى وحلمي تحديدًا جنودًا في الصفوف الأولى داخل معركة تسييد الفن الأخلاقي في مصر .

نرشح لك : تحليل بالأرقام - إعصار الغضب يضرب سوشيال ميديا أحمد حلمي بعد "أصحاب ولا أعز"

تلك المعركة التي بدأها "المضحكون الجدد" أو كوميديانات التسعينات، في حقبة سعت لتقديم كل ماهو مختلف شكلًا ومضمونًا عن حقبة سينمائية سابقة إنقسمت فيها أفيشات السينمات بين نادية الجندي "نجمة الجماهير"، و نبيلة عبيد "نجمة مصر الأولى "، وعادل إمام "الزعيم "، والثلاثي تحديدًا قدم سينما خالية من المعايير الأخلاقية في زمن ماقبل التصنيف الرقابي العمري للمشاهدة ، ولم يصب الرأي العام بتشنجات أمام قبلات عادل إمام لزميلاته ولا مشاهد نبيلة عبيد فوق أسِرّة السينما ، كل هذا في أوج "الغزو الوهابي" لمصر ، وشرائط الشيخ "كشك" المتناثرة فوق الأرصفة في ميادين رمسيس والعتبة ، بينما جماعة "الشوقيين" تكفر المصريين وتزرع حقول الإرهاب وترويها بالدم في ربوع الصعيد .

"التسعينات" سنوات تغيير التكتيك

إذن ماذا حدث ؟ ببساطة تغير تكتيك التطرف في منتصف التسعينات ، تحديدًا بعد زيارة عادل إمام لأسيوط عام 1988 ليعرض مسرحيته "الواد سيد الشغال" هناك وسط احتفال شعبي عقب الحادث الذي تعرضت له فرقة هواة مسرحية في قرية "كودية الإسلام"، حاولت الجماعات الإرهابية منعهم من تقديم عرضهم المسرحي بالقوة فسقط ضحيتان من أعضاء الفرقة .

تلك الزيارة التي أثبتت لمن يقف وراء تجريف تربة الوعي المصري أن المسافة بين تلاحم المجتمع مع الأفكار المتطرفة مازالت بعيدة ، وبالتالي يجب أن نقدم لهم "فنًا" يرسخ كل المفاهيم المعادية لكل قيم الفن بالأساس، جاء ذلك بالتزامن مع انطلاق قنوات فضائية عربية فتحت شاشاتها للممثلات المعتزلات والترويج لمسمى "التائبات" ، في حوارات ساخنة مدفوعة الأجر للحديث عن خطايا الفن وأيام الضلال.

وكأننا أمام خطة ممنهجة لـ"سفلتة" الوعي الجمعي، وتمهيده تمامًا لاحتقار الفن بأيدي الفنانين، وتطور الأمر لتتشارك القنوات الفضائية مع شركات الإنتاج السينمائي لخلق كيانات "ديناصورية" ترسم خريطة السينما المصرية وخطوطها الحمراء، ونجومها ومواصفاتهم .

ظهر جيل هنيدي والسقا وعلاء، ومن خلفهم محمد سعد وآخرون صدروا فكرة "السينما النظيفة" بدعم كامل من كبار المنتجين وبعض الصحفيين والإعلاميين الذين طرحوا القضية للنقاش، ولكنهم لم يخفوا قبولهم للفكرة طالما أننا نعيش مرحلة انتعاشة للسينما المصرية التي أصبح شباك تذاكرها مفتوحًا أمام الأسرة المصرية النموذجية الباحثة عن ساعات من الضحك "المؤدب".

في رَكب هذا الجيل كبرت منى زكي وأخريات كُن بصراحة مجرد حلية أنثوية لاستكمال توليفة العمل ، سنضحك مع هنيدي ولكن في النهاية لابد من زميلة في الجامعة تحبة ، ستنبهر بأكشن السقا ولكن هناك قصة حب "مؤدبة" تجمعه بابنة عمه أو زميلته في العمل.

أعذر منى زكي تحديدًا في موقفها من المعادلة ، فهي وزميلاتها مجبرات على قبول الواقع الذي فرضه السوق تماشيا مع الرأي العام ، ولكن إحقاقًا للحق كانت اللعبة مغرية لمنى وأخواتها كي يقدمن أنفسهم كممثلات على مقاس الكتالوج "اليميني المتحفظ" المسيطر على هوية المجتمع في هذه اللحظة.

فتصدرت تصريحاتها حول رفض القبلات والمشاهد الجريئة صفحات المجلات الفنية والبرامج التليفزيونية ، أمام ثناء ورضا جماهيري من مشاهدين لا يفصلون بين دور الممثل في العمل وشخصيته في الواقع.

يمكنك قراءة ومشاهدة تصريح سابق لمنى زكي من هذا الرابط حول رفضها لأدوار الإغراء ( ماذا قالت منى زكي عن الأدوار الجريئة منذ سنوات ؟)

تذكر معي أن سنوات صعود جيل منى زكي هي ذاتها نفس السنوات التي شهدت صعود أسهم الداعية "عمرو خالد" الذي قدم صورة مغايرة لرجال الدعوة من أصحاب البدل الشيك والصوت الرقيق والعبارات الإنجليزية التي تمحو "حشرجة صوت" الشيخ كشك وويلات وجدي غنيم وسخرية "مسعد أنور" نجوم شرائط الدعوة "الشعبية" في تلك الفترة" ، خطاب ديني ناعم يؤدلج صورة "الإسلام المودرن" الذي يتحدث عنه أحمد الفيشاوي على قناة "إقرأ" - قبل أزمة هند الحناوي طبعا - وتعبر عنه فتيات الجامعات بالحجاب السبانيش والبادي "الكارينا" والبنطلون الجينز واسع القدمين ودروس جامع "الحصري".

ممثلات قليلات فقط قاومن تلك الحالة ، منهن منة شلبي التي بدأت مشوارها بأجرأ أدوارها على الإطلاق مع المخرج رضوان الكاشف في "فيلم الساحر" ، ولم تسلم من الهجوم الذي دفعها للتراجع ووضع شروط في أدوارها بناء على توصية مذيع وصحفي شهير ربطته بها وبوالدتها صداقة في فترة ما.

حتى هند صبري التي كانت أجرأ بنات جيلها ، والتي قابلت الجمهور المصري بكاميرا إيناس الدغيدي في فيلم "مذكرات مراهقة" ، ثم فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" مع العملاق داود عبد السيد ، لم تسر في نفس الطريق لوقت طويل، والسبب موجات الإنتقادات "الصحفية والنقدية" وهو اعتراف صريح بأن بين أبناء مهنتنا من هم متطرفون ويحتقرون الفن والفنانين حتى لو تكسبوا من وراء الكتابة عنه !

المفارقة أن حلمي ومنى تحديدًا، كانا بطلين في فيلم "سهر الليالي" العمل المفاجأة الذي وقف أمام موجة السينما النظيفة بكل جرأة ، وحقق نجاحًا كبيرًا على الصعيدين التجارب والنقدي ، ولكن يبدو أن هذا النجاح أقلق أحدهم فلم نر تجارب مشابهة لسنوات ، بالتوازي مع صعود قوي للسينما "المُأمركة" شكلا وموضوعًا.

لماذا تهاجون زوج منى زكي؟

أحمد حلمي قدم نفسه كنجم كوميدي بأعمال أخلاقية يمكن تصنيفها بالأساس انها موجهة للأطفال ، قرر حلمي أن يخاطب جمهورة من زاوية الرسالة الإنسانية والاخلاقية المباشرة ذات الطابع الكوميدي البحت ، ثم تبلورت الصورة أكثر في أفلامه المستنسخة من أعمال أجنبيه ، كل هذا باقتراب المجتمع من سنوات السوشيال ميديا التي أصبحت مقياسا مهمًا للشعبية والنجاح حتى لو كان "فارغًا" وبالتالي هي أيضًا ذات تأثير على الأجر والقيمة السوقية.

لهذا لم يكن غريبًا أن يسبق اسم حلمي لقب الفنان "المحترم" ، الذي يلقى قبولا لدى أغلب الأوساط ، يتوسع ويوسع قاعدة الجماهيرية بالسير في المناطق الآمنة البسيطة الساذجة التي لا تشتبك على الإطلاق مع أيديولجيات المشاهد ولا قناعاته ولا أفكاره، تجاهل حلمي طوال مسيرته طرح قضايا حقيقية مؤثر في أعماله للحفاظ على "الأمان" الجماهيري.

ونفس الأمر بالنسبة لمنى زكي التي صدرت لجيلي صورة الفتاة الجامعية "الكيوت" التي لا تُمس. صحيح أن منى بحكم السنوات نضجت فكريًا وتخلت عن ذلك في أعمال مثل "إحكي ياشهرزاد" للكاتب الراحل وحيد حامد والمخرج يسري نصرالله ، إلا أنها لم تسلم من بعض الانتقادات السخيفة وقتها ، والتي لعبت على علاقتها بزوجها وطعنت في رجولته بمنتهى الوقاحة، رغم أن المشهد لم يشهد حتى "قبلة" بينها وبين حسن الرداد ، بناء على طلب منى شخصيًا وهو ما قدره "وحيد ويسري" رغم اختلافهما التام مع هذا التوجه .

حتى عندما قدمت منى دورها في مسلسل "أفراح القبة" انتقدها نفس الجمهور، إلا أن جودة العمل وقيمته الفنية وإسم المخرج محمد ياسين بالإضافة إلى ظروف العرض في شهر رمضان وما يصاحبها من زخم وإفراخ يومي للتريندات قلل من حدة الانتقادات وتركيز الجمهور "الوسطي الجميل" مع دورها.

أثق أن أفكار منى زكي عن الفن تغيرت كثيرًا ، أو كما قالت خلال ندوة بمهرجان القاهرة السينمائي العام الماضي أنه لا توجد سينما نظيفة أو محترمة ، وأن المنتجين هم من روجوا لهذا المصطلح وأطلقوا على جيلها هذا المسمى لأهداف تجارية.

الآن تدفع منى زكي ومعها أحمد حلمي ثمن صفقة عقداها مع هذه الجماهير العريضة منذ سنوات، مغازلة أفكار هذا الجمهور عبر السينما والدراما والاعلانات والسوشيال ميديا هي فاتورة باهظة الثمن في الحقيقة يصعب دفعها الآن في مرحلة تحول فكري أو نضج أو مراجعة للحسابات.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل