المحتوى الرئيسى

«مداحين النبي».. بداية من جده «عبدالمطلب» وصولا إلى «النقشبندي»

01/23 14:36

مدح الحبيب– صلوات الله وسلامه عليه – هو في حقيقة الأمر مدح للنبوة.. والثناء عليه ثناء على الرسالة وعلى من أرسله بها، لذلك فقد كان النبي يفرح حين يمدح، لا لشخصه؛ ولكن لأن المدح لا يصدر إلا من محب صادق ومؤمن كامل الإيمان.

وواكب الثناء على الحبيب "محمد بن عبد الله" حياته من أولها، وتناقلت كتب السيرة أخبار هذا المديح والثناء من الأولين له..

فحين ولد، حمله جده "عبدالمطلب" وذهب به إلى الكعبة المشرفة، وطاف به وهو يثني عليه قائلًا:

الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان.

وعندما كبر الحبيب وعاش في بيت عمه "أبوطالب" قال عنه:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل.

ثم وبعد النبوة ها هو "حسان بن ثابت" يمدحه قائلًا:

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمد.

ومدحه "البوصيري".. أشهر مداحي الحبيب قائلًا:

مولاي صلي وسلم دائمًا أبدًا على حبيبك خير الخلق كلهم

محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم

لم يشتهر أحد في مجال مدح الحبيب محمد مثلما اشتهر الإمام "البوصيري" في قصيدته الرائعة "البردة" أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد، والتي كتبها في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي.

وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي؛ إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي.

وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، حتى إنه في بعض البلاد يقرأها محبو رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كل ليلة جمعة، ويقيموا لها مجالس عرفت بـ"مجالس البردة الشريفة" أو "مجالس الصلاة على النبي" "صلى الله عليه وسلم".

وقد اشتملت "البردة" على جمل من صفاته ومعجزاته وسيرته وأخلاقه "صلى الله عليه وسلم" فكان لها عظيم الأثر في تعريف العامة به.

يقول "البوصيري" عن سبب كتابته لهذه القصيدة: فجأة أصابني مرض (الشلل النصفي) فظللت في فراشي بلا حركة لمدة طويلة، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت.. وتوسلت.. ونمت.. فرأيت النبي "صلى الله عليه وسلم" فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة (رداء)، فاستيقظت ووجدتُ فيّ رغبة للنهوض من فراشي، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدًا، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا بين الناس.."

ثم ها نحن نجد أحمد شوقي "أمير الشعراء" يسبح في بحر الحب والعشق لنبي الله، فيشدو بأجمل الكلمات والأبيات الشعرية التي تخرج من قلب امتلأ شوقًا وحبًا للرسول العظيم.. فما بين "وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ" وبين "بِهِ سِحرٌ يتيمهُ كِلا جِفنيكَ يعلمُهُ"

مرورًا بـ "سَلوا قَلْبي غُداةً سَلا وتابا لَعَلَّ على الجَمالِ لَهُ عِتابا".

ونقرأ أجمل ما كتب أمير الشعراء، ألا وهي قصيدة "ولد الهدى" في مدح "الحبيب" خير خلق الله وخاتم الأنبياء والرحمة المهداة للبشر كافة، صغيرهم وكبيرهم، فقيرهم وغنيهم، ضعيفهم وقويهم، محمد بن عبدالله "صلى الله عليه وسلم".

ومن المعاني الرائعة التي اشتملت عليها القصيدة، "ولد الهدى" - أي النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، النور الذي كان مصدر الهداية، والذي عم على الكون والكائنات بضيائه، حتى امتلأت الدنيا ومن فيها بالسعادة، وعمت بها البسمة والهداية..

وتزينت السماء بأمر من الله حين جاءت البشرى بمولدك الشريف، وانتشرت رائحة المسك في الصحاري والوديان.. وظهر وجهك الكريم إلى هذه الدنيا كله هداية وحياء.. وغشي وجهك نور النبوة المتألق.. وكان وجه الشبه كبيرًا بينك وبين خليل الله – أبا الأنبياء - إبراهيم عليه السلام..

وينادي الشاعر المحب نبيه قائلًا: حسبك فخرًا وعزًا وسؤددًا ومجدًا أنك أمي ولم تصل العلماء لدرجتك في العلم.. فالقرآن هو معجزتك الكبرى، وهي مازالت قائمة وكافية لمن يبحث عن المعجزات..

ويؤكد شوقي حبه "للحبيب" هاتفًا لقد عم دينك البشرية جمعاء، وقد ضاق الكلام وعجزت الشعراء عن وصف عظمته.. صلى عليك الله صلاة دائمة كلما مر حاد بالإبل بليل داج، وصلى عليك كلما حنت ناقة إلى إليفها.. يا من أعد لك الرحمن جنات عدن أنت وآل بيتك الكرام...

"الكحلاوي" يذوب عشقًا في حب الرسول

وها هو محمد الكحلاوي "مداح الرسول" يهيم عشقًا وحبًا في سيد الخلق "الحبيب محمد"، فنجده وقد اختار أن يسلك طريق العبادة والزهد بعد طريق الفن والنجومية، فما كان منه إلا أن سخّر الفن ليكون وسيلته لتوصيل ما ينبض به قلبه حبًا وشوقًا للنبي، وهيامًا في آل بيته الكرام، فنراه عاشقًا للحبيب حين يقول:

"لاجل النبي لاجل النبي، أنا في جاه النبي تكرم عبيدك والنبي، اقبل صلاتي علي النبي لاجل النبي"

ونراه تائبًا منيبًا يحلم "بالحبيب" حين يشدو:

"حب الرسول يابا دوبني دوب.. عن المعاصي يابا توبني توب.. جاني في منامي يابا لبسني توب"

فهو في كل أوقاته وأحواله يتنفس حبًا وشوقًا لخير خلق الله "محمد بن عبد الله" "صلى الله عليه وسلم"...

"لن أمدح أحدًا إلا رسول الله"

ففي عالم الفن اشتهر الكحلاوي بالغناء الديني الذي مثل نحو نصف إنتاجه الفني، وقد تلون في غنائه بين الإنشاد، والغناء، والسير، والملاحم، والأوبريتات، فقد قدم "سيرة محمد" و"سيرة السيد المسيح" و"قصة حياة إبراهيم الخليل" ولمع الكحلاوي في الغناء والإنشاد الديني، ولاقت أغانيه حفاوة عند جمهوره، وأصبحت تذاع في كل المناسبات الدينية.. ومن أغانيه الشهيرة "لاجل النبي" و"يا قلبي صلي علي النبي" و"خليك مع الله" و"نور النبي".. وكان يحب اللقب الذي أطلق عليه "مداح النبي" من كثرة قصائد حبه وعشقه للحبيب "صلى الله عليه وسلم".. حتى إنه رفض التغني لأي مخلوق إلا لسيد الخلق أجمعين محمد، فلم يغنّ لملك ولا رئيس مثلما فعل كل المطربين.

وقد انتابت الكحلاوي روح إيمانية جارفة.. فها هو يؤدي فريضة الحج أربعين عامًا متواصلة، وكذلك العمرة التي أداها عشرات المرات، ثم هجر عمارته المطلة على النيل في حي الزمالك الراقي، وبنى مسجدًا حمل اسمه وسط مدافن الإمام الشافعي، وبنى فوقه استراحة وسكنها، وبدأت خلواته في هذا الجامع، وفي مسجد السيدة نفيسة – حفيدة المصطفى "صلى الله عليه وسلم" – حيث كان شديد العشق لآل بيت النبي "صلى الله عليه وسلم"..

وهناك التف حوله محبوه، ومن تبركوا به لمدحه وحبه الصادق للنبي.. حتى أنهى حياته وهو معتكفًا في بيوت الله.. وقلبه وروحه قد تعلقا بنبي الله "صلى الله عليه وسلم"..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل