المحتوى الرئيسى

لماذا تبرأ الشيخ «الحصافي» من حسن البنا وطرده من طريقته؟

01/23 14:36

اعتاد «الإخوان» أن يصنعوا من حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، صنمًا مقدسًا، مدّعين زورًا وبهتانًا أنه رائد الإحياء والتجديد الإسلاميّ المعاصر، بل زادوا على ذلك وأضفوا عليه صفة الوراثة المحمدي أو النبوي، واعتبروه صاحب المدد والفتح الرباني، والوراثة النبوية هي أحد معالم النهج الصوفي الخالص في التربية الروحية وتزكية النفوس البشرية، المستمدة من المدد النبوي، وهي علاقة في مجملها قائمة على تربية الشيخ للمريد والمدد الروحاني.

وليس بحال كل شيخ مربيًا وارثًا نبويًا، فهي درجة من الاصطفاء، إذ يطلق على الشيخ المجدد، وريث الأنوار المحمدية، أو خبير الزمان، أو قطب الزمان، ويوضح مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، أن الوارث المحمدي هو الذي انطبع فيه ما ورّثه رسول اللّه للأمة، فتخلق بأخلاقه وصفاته، ويكون له الإرشاد بالحال لا بالقال، ويجلس الإنسان معه، فيرتقي إلى اللّه من غير أن يتكلم بأن تكون له التربية بالنظرة.

وهي الصفة التي حاول الإخوان إضفاءها على حسن البنا، مستدلين في تزييفهم للحقائق وللتاريخ، بأن البنا جاء بما لم يأت به غيره، وأنه أوتي خصلة من خصال النبوة، ألا وهي جوامع الكلام، وأنه تربى وتشرّب الصوفية الروحية في بداية حياته على يد الشيخ عبد الوهاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية في دمنهور، وأن أوراد الجماعة الروحية مثل «ورد الرابطة»، هي نفحات ربانية خالصة.

وتكمن الكثير من الأسباب الفكرية والتنظيمية والسياسية، وراء محاولة إضفاء جماعة الإخوان صفة الوارثة النبوية على مرشدها الأول حسن البنا، ربما أهمها تقديس منطلقات البنا وأطروحاته وسلوكياته، وكأنه لا ينطق عن الهوى، ومن ثم استثمار تلك الحالة في التأثير في الدوائر المجتمعية، لا سيما العوام والبسطاء، وتقديم الجماعة وكأنها مشمولة بالعناية السماوية والنبوية.

كذلك ستحظى قيادات الجماعة ورموزها التاريخيين والتنظيميين بنصيب من تلك «الوراثة النبوية»، وكأن اختيارهم لم يكن من قبيل الصدفة، ما يمنح قراراتهم وسلوكياتهم حالة من التقديس، يخضعون بها القواعد التنظيمية لأهوائهم وانحرافاتهم الفكرية والعقائدية، لكن الحقيقة التي لم ولن يذكرها الإخوان أو تطرق إليها البنا نفسه، هي أنه طرد من الطرق الصوفية، وفقًا لما رواه مؤرخ الطريقة الحصافية، أحمد فتحي الحصافي، وأن الأوراد التي نسبوها إلى البنا، هي ملك لشيخ الطريقة الحصافية نفسه.

فعندما كان يستعد حسن البنا لتأسيس جماعة الإخوان عام 1928، نصحه الشيخ عبد الوهاب الحصافي، شيخ الطريقة الحصافية التي تربى في أحضانها، بعدم إنشائها، وفقًا لما ذكره البنا في كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»، إذ كتب البنا: «استمرت صلتنا على أحسن حال بشيخنا السيد عبد الوهاب حتى أنشئت جمعيات الإخوان المسلمين وانتشرت، وكان له فيها رأي ولنا فيها رأي، وانحاز كل إلى رأيه».

وقال له الشيخ عبد الوهاب الحصافي: «اذهب إلى ما قدره الله على يديك لهذه الأمة، فستكون فتنة تشتكي منها البلاد والعباد»، وعندما توالت الحوادث وتورط إخوان البنا وتنظيمه المسلح في أعمال العنف خلال أربعينات القرن الماضي، رفع الشيخ الحصافي يديه داعيًا الله على البنا وجماعته، بــ(3) دعوات كانت هي: «اللهم إنهم فتنة سيشتكي منها أهل الأرض ويضج منها ملائكة السماء، فلا تُقم لهم ذلاً إلا بعد عز، اللهم وسلط جماعته على أنفسهم، وأرهم الباطل حقًا والحق باطلاً، اللهم أكثر عددهم وقلل مددهم».

ربما يرى البعض أن الدعوات الثلاث في حق البنا وجماعته، قد تحققت، إذ تم حل جماعة الإخوان، ثلاث مرات، كانت المرة الأولى عام 1948 على يد النقراشي باشا، وكانت الثانية عام 1954 على يد مجلس قيادة الثورة، وجاءت الثالثة في 26 ديسمبر 2013 عندما قرر مجلس الوزراء المصري، اعتبار الإخوان جماعة إرهابية في الداخل والخارج، ومصادرة كل مقارها وممتلكاتها التنظيمية والسياسية والمالية.

الكثير من المحللين يرون أن دعوات الشيخ الحصافي، لم تقف عند هذا الحد، فقد عانت الجماعة على مدار تاريخها من الانشقاقات والخلافات الداخلية، بل وصلت إلى الاغتيالات نفسها، فالكثير من الدلائل أكدت مقتل البنا على يد قيادات التنظيم الخاص، عقب قراره تسليمهم إلى أجهزة الأمن، سعيًا إلى الخلاص من تمردهم، ولا يخفى على أحد ما تعيشه جماعة الإخوان حاليًا من «سنوات التيه»، منذ سقوط حكمها في مصر وعدد من الدول العربية، وفشلها سياسيًا وتفكك قواعدها التنظيمية وتمردها، وارتباك مشروعها الفكري، في ظل عدم جدوى تحققه على أرض الواقع، رغم تجذره في قلب المنطقة العربية على مدار أكثر من تسعين عامًا، وبعدما كانت جماعة الإخوان متماسكة تنظيميًا، انشطرت على نفسها إلى كيانين، أحدهما تتم إدارته من داخل لندن، بقيادة إبراهيم منير، وكيان آخر، تتم إدارته من داخل تركيا، بقيادة محمود حسين ومحمد فهمي طلبة الذي تم تنصيبه أخيرًا قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، في محاولة لمنح جبهة اسطنبول نوعًا من الشرعية التنظيمية، وسحب البساط من  جبهة لندن.

الخلافات والفضائح الإدارية والمالية والأخلاقية داخل التنظيم الإخواني، ربما تحتاج إلى سجلات ممتدة إلى ما لا نهاية لمحاولة توثيق مضامينها، والتي سُطر بعضها بأيدي أبنائها، سواء الذين ظلوا منتمين إلى كيانها، أم الذين غادروا جدرانها وأعلنوا تمردهم وانشقاقهم عن صفوفها، أمثال ثروت الخرباوي، ومختار نوح، وعبد الستار المليجي، وسامح عيد، وغيرهم، ولا يمكن تجاهل ما ذكره الشيخ محمد الغزالي، القيادي السابق في الجماعة، في كتابه «من معالم الحق»، ص 226، وقامت الجماعة بحذف تلك الفقرات من الكتاب عقب وفاته، عندما تحدث عن علاقة مرشد الإخوان بالتنظيم الماسوني، إذ قال معلقًا على تولى حسن الهضيبي منصب المرشد: «استقدمت الجماعة رجلاً غريبًا عنها ليتولى قيادتها، وأكاد أوقن أن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية، وقد سمعنا كلامًا كثيرًا عن انتساب عدد من الماسونيين، بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه، إلى جماعة الإخوان، ولكن لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على هذا النحو، وربما يكشف المستقبل أسرار هذه المأساة».

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل