المحتوى الرئيسى

أحمد بيومى يكتب .. « قوة الكلب » .. رعاة البقر وميراث الغضب !

01/22 17:49

فيلم‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬الكلب‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬أمريكية‭ ‬أصلية‭ ‬بامتياز،‭ ‬ودليل‭ ‬حى‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬السينما‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬رعاة‭ ‬البقر‮»‬‭ ‬بصورة‭ ‬مغايرة‭ ‬ومدهشة‭ ‬وصادمة،‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬فيلم‭ ‬روائي‭ ‬طويل‭ ‬للمخرجة‭ ‬جين‭ ‬كامبيون‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬دراما‭ ‬نفسية،‭ ‬داكنة،‭ ‬غامضة،‭ ‬خبيثة،‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬قاتلة‭ ‬تتسلل‭ ‬خلفك‭ ‬مثل‭ ‬اللص‭ ‬المحترف،‭ ‬فيلم‭ ‬يجذبك‭ ‬بهدوء‭ ‬وقوة‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬وسط‭ ‬صراع‭ ‬يتصاعد‭ ‬بين‭ ‬أخوين‭ ‬وامرأة‭ ‬وجبل‭ ‬قاسى‭ ‬ترسم‭ ‬السحب‭ ‬فيه‭ ‬صورة‭ ‬كلب‭ ‬بين‭ ‬وديانه‭ ‬الوعرة‭.‬

لا‭ ‬توجد‭ ‬أحداث‭ ‬زلزالية،‭ ‬لا‭ ‬معارك‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النارية‭ ‬أو‭ ‬تدافع‭ ‬الماشية‭. ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬الفيلم‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬شاعري‭ ‬متأمل‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬نهايته‭ ‬المفاجئة‭ ‬الأكثر‭ ‬غرابة‭. ‬لكن‭ ‬الفيلم‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬المشاهدة،‭ ‬موضوعات‭ ‬العزلة‭ ‬والحب‭ ‬والصداقة‭ ‬والشذوذ‭ ‬والصراع‭ ‬بين‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقليدية،‭ ‬كلها‭ ‬قضايا‭ ‬يمر‭ ‬عليها‭ ‬الفيلم‭ ‬وتدعو‭ ‬المشاهد‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬وإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬برمتها،‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬فى‭  ‬الميراث‭ ‬الذى‭ ‬تركه‭ ‬رعاة‭ ‬الأبقار‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬ووحدة‭ ‬وربما‭ ‬يمتد‭ ‬أثره‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الحاضر‭ ‬الأمريكي‭.‬

تركز‭ ‬قصة‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬الكلب‮»‬‭ ‬على‭ ‬فيل‭ ‬بوربانك‭ ‬‮«‬بنديكت‭ ‬كومبرباتش‮»‬،‭ ‬رجل‭ ‬صلب‭ ‬المظهر،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬كان‭ ‬يربي‭ ‬الماشية‭ ‬في‭ ‬مزرعة‭ ‬أسرته‭ ‬في‭ ‬مونتانا،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬جافة‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬الجبال‭ ‬القاسية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صلابته‭ ‬يحب‭ ‬ويعزف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬البانجو‭ ‬فى‭ ‬غرفته‭ ‬عندما‭ ‬يختلى‭ ‬بنفسه،‭ ‬وأيضا‭ ‬يخصى‭ ‬عجول‭ ‬الثور‭ ‬باستخدام‭ ‬شفرة‭ ‬حادة‭ ‬ثم‭ ‬يمسكها‭ ‬بأسنانه‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إنهاء‭ ‬الإجراء‭ ‬القاسي‭ ‬باستخدام‭ ‬يديه‭ ‬العاريتين‭. ‬

كامبيون‭ ‬مخرجة‭ ‬شجاعة،‭ ‬لم‭ ‬تقلق‭ ‬أبدا‭ ‬حول‭ ‬القلق‭ ‬الذى‭ ‬قد‭ ‬يصيب‭ ‬المشاهد،‭ ‬وأظن‭ ‬أنها‭ ‬استمتعت‭ ‬بتصوير‭ ‬مشهد‭ ‬الإخصاء‭ ‬هذا‭ ‬بسبب‭ ‬صوره‭ ‬الخام‭ ‬الحشوية‭ ‬وصدى‭ ‬ذكائه‭ ‬الشديد‭. ‬تشعر‭ ‬بالسوء‭ ‬تجاه‭ ‬الوحش‭ ‬المسكين،‭ ‬لكنه‭ ‬الحيوان‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬تريد‭ ‬كامبيون‭ ‬أن‭ ‬تراه،‭ ‬ذلك‭ ‬الحيوان‭ ‬الذي‭ ‬يغلي‭ ‬بالغضب‭ ‬ويستعرض‭ ‬إتقانه‭ ‬تحت‭ ‬نظر‭ ‬الرجال‭ ‬الآخرين‭ ‬المعجبين‭.‬

تدور‭ ‬أحداث‭ ‬القصة‭ ‬عام‭ ‬1925،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬توقف‭ ‬بالنسبة‭ ‬لفيل،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عائلة‭ ‬بوربانك‭ ‬تمتلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬القليلة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬لمدة‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬أبقى‭ ‬هو‭ ‬وشقيقه،‭ ‬جورج‭ ‬‮«‬جيسي‭ ‬بليمونز‮»‬،‭ ‬روح‭ ‬رعاة‭ ‬البقر‭ ‬حية‭ ‬في‭ ‬المزرعة‭ ‬التي‭ ‬أعطاها‭ ‬لهم‭ ‬والديهم،‭ ‬إنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬مع‭ ‬الخيول‭ ‬والماشية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬محاط‭ ‬بالرجال‭ ‬القاسيين،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الليل،‭ ‬يتراجع‭ ‬فيل‭ ‬وجورج‭ ‬إلى‭ ‬منزلهما‭ ‬الضخم‭ ‬ذي‭ ‬الطراز‭ ‬الشرقي‭ ‬بسجاده‭ ‬وخزائنه‭ ‬المليئة‭ ‬بالكتب‭ ‬ولوح‭ ‬الشطرنج‭ ‬المنتظر‭ ‬ومعرض‭ ‬من‭ ‬رؤوس‭ ‬الحيوانات‭ ‬المبطنة‭ ‬بالخشب‭ ‬والجدران‭ ‬المظلمة‭.‬

تقدم‭ ‬كامبيون،‭ ‬المصممة‭ ‬البصرية‭ ‬الجريئة،‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وشعبه‭ ‬بمنتهى‭ ‬الدقة‭ ‬والشاعرية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لقطات‭ ‬جوية‭ ‬متصاعدة‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬النسر‭ ‬واهتمامها‭ ‬المميز‭ ‬بالتفاصيل،‭ ‬ترسم‭ ‬البيئة‭ ‬الغربية‭ ‬بطلاقة،‭ ‬بغبارها‭ ‬وماشيتها‭ ‬الهادرة،‭ ‬وتلتقط‭ ‬الصداقة‭ ‬الحميمة‭ ‬الصاخبة‭ ‬داخل‭ ‬المزرعة،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭ ‬الواسعة‭ ‬المذهلة،‭ ‬يسير‭ ‬فيل‭ ‬وحفنة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬تزامن‭ ‬شبه‭ ‬كامل،‭ ‬وقد‭ ‬امتدت‭ ‬أجسادهم‭ ‬عبر‭ ‬الشاشة‭ ‬بخط‭ ‬غير‭ ‬منقطع‭

تدور‭ ‬القصة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬تزوج‭ ‬جورج‭ ‬من‭ ‬الطباخة‭ ‬وعازفة‭ ‬البيانو‭ ‬السابقة‭ ‬روز‭ ‬‮«‬كيرستن‭ ‬دانست‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬أرملة‭ ‬مع‭ ‬ابنها‭ ‬المراهق‭ ‬بيتر‭ ‬‮«‬كودي‭ ‬سميت‭ ‬ماكفي‮»‬،‭ ‬يرى‭ ‬فيل‭ ‬أن‭ ‬روز‭ ‬انتهازي‭ ‬ويكتب‭ ‬رسالة‭ ‬شكوى‭ ‬إلى‭ ‬والديه،‭ ‬اللذين‭ ‬يشير‭ ‬إليه‭ ‬الأخوان،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬هزلي‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬باعتزاز،‭ ‬بالسيدة‭ ‬العجوز‭ ‬والرجل‭ ‬العجوز‭. ‬إنها‭ ‬حركة‭ ‬طفولية،‭ ‬ولكن‭ ‬تمشيا‭ ‬مع‭ ‬الطفولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تشكل‭ ‬علاقة‭ ‬الأخوين‭ ‬المضطربة‭.‬

يغضب‭ ‬فيل‭ ‬عندما‭ ‬يتزوج‭ ‬جورج‭ ‬من‭ ‬الأرملة‭ ‬روز،‭ ‬عازفة‭ ‬بيانو‭ ‬سابقة‭ ‬تدير‭ ‬الآن‭ ‬مقهى،‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬مراهق‭ ‬حساس‭ ‬بيتر‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬الطاولات‭ ‬التي‭ ‬ابتكر‭ ‬لها‭ ‬أزهارا‭ ‬ورقية‭ ‬معقدة،‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬إساءة‭ ‬المعاملة‭ ‬ضد‭ ‬المثليين‭ ‬من‭ ‬فيل،‭ ‬بمجرد‭ ‬انتقال‭ ‬روز‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬جعل‭ ‬فيل‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬مضايقتها‭ ‬وإساءة‭ ‬معاملتها،‭ ‬حتى‭ ‬تنحدر‭ ‬إلى‭ ‬الاكتئاب‭ ‬وإدمان‭ ‬الكحول،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬تبدي‭ ‬اهتماما‭ ‬أبويا‭ ‬غريبا‭  ‬تجاه‭ ‬ببيتر‭ ‬نفسه،‭ ‬وعرض‭ ‬عليه‭ ‬تعليمه‭ ‬الركوب‭ ‬وإخراجه‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬التلال‭ ‬البعيدة‭ ‬لتعليمه‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬المزارع‭ ‬،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬به‭  ‬صديقه‭ ‬الراحل‭ ‬‮«‬برونكو‮»‬‭  ‬ذات‭ ‬مرة‭.‬

كامبيون‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬تأثيث‭ ‬فيلمها‭ ‬بلمسات‭ ‬مضطربة‭: ‬تعثر‭ ‬روز‭ ‬المسكينة‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬لتتحدث‭ ‬إلى‭ ‬الطاهية‭ ‬السيدة‭ ‬لويس‭  ‬والخادمة‭ ‬لولا،‭ ‬وتتعامل‭ ‬مع‭ ‬ثرثرة‭ ‬غريبة‭ ‬وأساطير‭ ‬حضرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬امرأة‭ ‬ميتة‭ ‬استمر‭ ‬شعرها‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها‭ ‬حتى‭ ‬ملأ‭ ‬التابوت‭. ‬تكاد‭ ‬تشعر‭ ‬بارتياح‭ ‬روز‭ ‬للخوف،‭ ‬وتتخيل‭ ‬نفسها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭.‬

علاقة‭ ‬بيتر‭ ‬وفيل‭ ‬معقدة،‭ ‬لكنها‭ ‬متضاربة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬يحتقر‭ ‬بيتر‭ ‬فيل‭ ‬بسبب‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يعامل‭ ‬بها‭ ‬روز‭. ‬يريد‭ ‬حمايتها،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬الأدوات‭ ‬اللازمة‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭. ‬في‭ ‬علاقتهما‭ ‬غير‭ ‬المستقرة،‭ ‬نبحث‭ ‬نحن‭ ‬المشاهدين‭ ‬عن‭ ‬الحبطة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للفيلم‭: ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬فيلما‭ ‬يهتم‭ ‬بامرأة‭ ‬تقسم‭ ‬شقيقين،‭ ‬أو‭ ‬تصبح‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر؟‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬الأمرين،‭ ‬يأخذ‭ ‬الأمر‭ ‬فترة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قاسية،‭ ‬يتشكل‭ ‬درع‭ ‬سريالي‭ ‬فوق‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الترابي‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬بيتر‭ ‬وفيل‭ ‬يشكلان‭ ‬رابطة‭ ‬أوثق،‭ ‬ويصبح‭ ‬منبع‭ ‬العواطف‭ ‬الموجودة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬صوفيا‭.‬

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل