فيلم «قوة الكلب» قصة أمريكية أصلية بامتياز، ودليل حى على قدرة السينما على إعادة تقديم أفلام «رعاة البقر» بصورة مغايرة ومدهشة وصادمة، هو أول فيلم روائي طويل للمخرجة جين كامبيون منذ أكثر من عشر سنوات، دراما نفسية، داكنة، غامضة، خبيثة، مع نهاية قاتلة تتسلل خلفك مثل اللص المحترف، فيلم يجذبك بهدوء وقوة حتى تجد نفسك وسط صراع يتصاعد بين أخوين وامرأة وجبل قاسى ترسم السحب فيه صورة كلب بين وديانه الوعرة.\nلا توجد أحداث زلزالية، لا معارك بالأسلحة النارية أو تدافع الماشية. مما يضع الفيلم فى إطار شاعري متأمل خاصة مع نهايته المفاجئة الأكثر غرابة. لكن الفيلم بالتأكيد هو أحد الأفلام التي تدعو إلى إعادة المشاهدة، موضوعات العزلة والحب والصداقة والشذوذ والصراع بين الحداثة والتقليدية، كلها قضايا يمر عليها الفيلم وتدعو المشاهد إلى التأمل وإعادة التفكير فى الحياة برمتها، وربما إلى التفكير فى الميراث الذى تركه رعاة الأبقار من غضب ووحدة وربما يمتد أثره حتى الآن على الحاضر الأمريكي.\nتركز قصة فيلم «قوة الكلب» على فيل بوربانك «بنديكت كومبرباتش»، رجل صلب المظهر، على مدى عقود، كان يربي الماشية في مزرعة أسرته في مونتانا، وهي منطقة جافة تحيط بها الجبال القاسية. وعلى الرغم من صلابته يحب ويعزف على آلة البانجو فى غرفته عندما يختلى بنفسه، وأيضا يخصى عجول الثور باستخدام شفرة حادة ثم يمسكها بأسنانه حتى يتمكن من إنهاء الإجراء القاسي باستخدام يديه العاريتين. \nكامبيون مخرجة شجاعة، لم تقلق أبدا حول القلق الذى قد يصيب المشاهد، وأظن أنها استمتعت بتصوير مشهد الإخصاء هذا بسبب صوره الخام الحشوية وصدى ذكائه الشديد. تشعر بالسوء تجاه الوحش المسكين، لكنه الحيوان الآخر الذي تريد كامبيون أن تراه، ذلك الحيوان الذي يغلي بالغضب ويستعرض إتقانه تحت نظر الرجال الآخرين المعجبين.\nتدور أحداث القصة عام 1925، ويبدو أن الوقت قد توقف بالنسبة لفيل، على الرغم من أن عائلة بوربانك تمتلك واحدة من السيارات القليلة في المنطقة. لمدة ربع قرن، أبقى هو وشقيقه، جورج «جيسي بليمونز»، روح رعاة البقر حية في المزرعة التي أعطاها لهم والديهم، إنهم يعيشون مع الخيول والماشية في عالم محاط بالرجال القاسيين، ولكن في الليل، يتراجع فيل وجورج إلى منزلهما الضخم ذي الطراز الشرقي بسجاده وخزائنه المليئة بالكتب ولوح الشطرنج المنتظر ومعرض من رؤوس الحيوانات المبطنة بالخشب والجدران المظلمة.\nتقدم كامبيون، المصممة البصرية الجريئة، هذا العالم وشعبه بمنتهى الدقة والشاعرية، من خلال لقطات جوية متصاعدة من عين النسر واهتمامها المميز بالتفاصيل، ترسم البيئة الغربية بطلاقة، بغبارها وماشيتها الهادرة، وتلتقط الصداقة الحميمة الصاخبة داخل المزرعة، في أحد المشاهد الواسعة المذهلة، يسير فيل وحفنة من الرجال الآخرين على طول الطريق في تزامن شبه كامل، وقد امتدت أجسادهم عبر الشاشة بخط غير منقطع\nتدور القصة حول ما حدث عندما تزوج جورج من الطباخة وعازفة البيانو السابقة روز «كيرستن دانست»، وهي أرملة مع ابنها المراهق بيتر «كودي سميت ماكفي»، يرى فيل أن روز انتهازي ويكتب رسالة شكوى إلى والديه، اللذين يشير إليه الأخوان، على نحو هزلي أكثر منه باعتزاز، بالسيدة العجوز والرجل العجوز. إنها حركة طفولية، ولكن تمشيا مع الطفولة التي لا تزال تشكل علاقة الأخوين المضطربة.\nيغضب فيل عندما يتزوج جورج من الأرملة روز، عازفة بيانو سابقة تدير الآن مقهى، مع ابن مراهق حساس بيتر الذي ينتظر الطاولات التي ابتكر لها أزهارا ورقية معقدة، إلى الكثير من إساءة المعاملة ضد المثليين من فيل، بمجرد انتقال روز إلى المنزل، جعل فيل من عمله مضايقتها وإساءة معاملتها، حتى تنحدر إلى الاكتئاب وإدمان الكحول، ولكن يبدو بعد ذلك أنها تبدي اهتماما أبويا غريبا تجاه ببيتر نفسه، وعرض عليه تعليمه الركوب وإخراجه إلى الخارج. التلال البعيدة لتعليمه في طرق المزارع ، تماما كما فعل به صديقه الراحل «برونكو» ذات مرة.\nكامبيون رائعة في تأثيث فيلمها بلمسات مضطربة: تعثر روز المسكينة في المطبخ لتتحدث إلى الطاهية السيدة لويس والخادمة لولا، وتتعامل مع ثرثرة غريبة وأساطير حضرية، بما في ذلك واحدة عن امرأة ميتة استمر شعرها في النمو بعد وفاتها حتى ملأ التابوت. تكاد تشعر بارتياح روز للخوف، وتتخيل نفسها مثل هذه المرأة في الوقت الحالي.\nعلاقة بيتر وفيل معقدة، لكنها متضاربة بشكل واضح، يحتقر بيتر فيل بسبب الطريقة التي يعامل بها روز. يريد حمايتها، لكن ليس لديه الأدوات اللازمة للقيام بذلك. في علاقتهما غير المستقرة، نبحث نحن المشاهدين عن الحبطة الرئيسة للفيلم: هل سيبقى فيلما يهتم بامرأة تقسم شقيقين، أو تصبح شيئًا آخر؟ بدلا من أي من هذين الأمرين، يأخذ الأمر فترة غير متوقعة لا تزال قاسية، يتشكل درع سريالي فوق هذا المشهد الترابي حيث يبدو أن بيتر وفيل يشكلان رابطة أوثق، ويصبح منبع العواطف الموجودة تحت الأرض أكثر تعقيدا، بل وحتى صوفيا.\nيستند فيلم «قوة الكلب» إلى رواية صدرت عام 1967 لتوماس سافاج، وهو رجل مثلي الجنس منغلق على نفسه، وقد استمد قصته التي نالت استحسانا كبيرا من سنواته الأولى التي عاشها وعملها في مزرعة في مونتانا، الكتاب عبارة عن رواية عن الغرب، وفي كلمة ختامية تمت كتابتها لإعادة طبعها، لاحظت آني برولكس أن «شيئا مؤلما ووحيدا ورهيبا من الغرب يتم اكتشافه إلى الأبد» في صفحات سافاج. \nقامت كامبيون، التى كتبت السيناريو أيضا، بتقليص القصة إلى أساسياتها، في البداية بناء على سلسلة من المعارضات، بعضها مرئي بشكل صارخ، والآخر أكثر سرية، هذه السرية التى تدع الخيال مفتوحا على مصراعيه للمشاهد لتوقع مصير أبطاله، وماذا جري تحديدا، أسرار تدسها المخرجة بحرفية بالغة، وجرأة، لتجعل من إعادة مشاهدة فيلم «قوة الكلب» واجبا حتميا لمحاولة كشف بعض الأسرار التى دفنتها بين الكادرات.