المحتوى الرئيسى

ياسر رزق.. شاهد عيان على 1200 يوم| «سنوات الخماسين» وإعادة التفكير النقدي في التاريخ

01/18 22:45

تُعنى كتابةُ التاريخ، في المقام الأول وطبقاً للدراسات التاريخية الحديثة، بإظهار كيف كانت الأشياء في الواقع، وثمة جدل كبير حول ما يمكن أن تشير إليه العبارة السابقة، وعن القدرة في تقديم صورة دقيقة أو أقرب إلى الدقة فيما يخص جوهر الماضي وأحداثه.

في الوقت الذي تشهد فيه البشرية تطوراً سريعاً ومتلاحقاً في مجال العلوم التطبيقية ومجالات التطور التكنولوجي، يطفو من جديد السؤال عن أهمية دراسة التاريخ، خاصة أن معظم دارسي التاريخ لا يدرسونه من أجل الحصول على وظيفة معينة، وكونه ليست مادة «وظيفية» أو مهنية، ورغم التبريرات التي يسوغها المؤرخون حول أهمية التاريخ في فهم الماضي ومن ثم الاستفادة به في الحاضر، أو ما يشار إليه بـ«سد احتياجات معرفية ونفسية»، فإن السؤال عن أهمية التاريخ في بعض الأكاديميات يبدو أن له وجاهته.

لكن ماذا عن التأريخ للحظة الراهنة؟

السؤال السابق يذهب بنا إلى تجربة الكاتب الصحفي ياسر رزق «الفريدة»، في توثيق فترة عصيبة من تاريخ مصر، تحديداً 1200 يوم، مرحلة فاصلة ومهمة، تأتي بين ثورتين، يناير 2011 ويونيو 2013، ليقدم نفسه في كتاب «سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص»، «شاهدَ عيان»، ويحكي شهادة للتاريخ وليست تأريخاً، حسبما يشدد المؤلف في مقدمة الكتاب «قبل أن أبدأ هذه ليست محاولة لكتابة تاريخ، إنما محاولة لقراءة حاضر، علنا نهتدي بها عند مفارق طرق قد تقابلنا في المستقبل».

الكتاب الذي يعد جزءاً أول من ثلاثية تخص تاريخ مصر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يشدد صاحبه على دقة حكي الوقائع ومصداقية الرواية، ويحدد أهدافه منذ البداية، فمثلاً لا يُعنى رزق بالبحث عن إجابة سؤال لماذا فشل الإخوان؟ وإنما يُعنى في المقام الأول بسؤال «لماذا نجح الإخوان في الوصول إلى الحكم؟»، ولماذا عبَّدت القوى الدولية الطريقَ لوصول الجماعة إلى قصر الاتحادية؟ مبيناً أن جماعة الإخوان كانت القوى السياسية المستعدة لأن تسوغ سلاماً على الطريقة الإسرائيلية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

ويكتب رئيس التحرير السابق لجريدة الأخبار، عن وقائع عاشها، وكان شاهداً عليها، أثناء عام حكم الإخوان لمصر، وربما أتاحت له الظروف أن يراقب عن كثب، شرر الغضب الشعبي منذ أن بدأ يبرق، حتى تحول إلى حريق هائل، قوض نظام المرشد في ثورة كبرى لم يعرف التاريخ العالمي المعاصر لها مثيلاً.

ويثير كتاب رزق أسئلة عدّة بشأن المهارات والسمات التي يجب أن تتوافر في كاتب التاريخ «المؤرخ»، والباحث في الدراسات التاريخية، وما يتطلب الأمر من مهارات محددة للكتابة، وما يحتاج إلى موهبة فحص الحقائق وصبها في شكل كتابي، ليقدم لنا رئيس التحرير الأسبق لجريدة «المصري اليوم» عملاً يدلُّ على قدرة صاحبه على تنظيم أدلته، وفحص الوثائق وكشف تحيزها المعلن أو المضمر معاً، فالوثائق التاريخية ليست أدلة مجردة من الانحيازات على أي نحو.

كما يكشف ياسر رزق أسرار بطولات رجال، وتفاصيل أدوار شخصيات فيما بين الثورتين، وما بعد ثورة يونيو الكبرى، ويعرض مفارقات أقدار كانت ذروتها حينما خرجت الناس تنادي ببطل شعبي، حاكماً ينقذ البلاد وينهض بالأمة، حتى استجاب البطل لنداء الجماهير، وترشح وفاز وأدى اليمين، ليشرع في مهمته الوطنية مستعيناً بالله والشعب.

في إطار تحقيق هذه الأهداف العلمية والتأريخية والسياسية أيضاً، ضمّ الكتاب سبعة فصول، بدءاً من سقوط الجمهورية الأولى، مروراً بالمرحلة الانتقالية الأولى و«المشير عمود الخيمة»، كذلك المرور على «جمهورية السراب» والتوقف أمام «(استبن) الشاطر وجماعة الغدر»، ثم ميلاد حركة تمرد وبداية نهاية فترة الإخوان، معرجاً على الأيام الأخيرة للجماعة وإسقاط جمهورية "السراب"، ثم التوقف أمام رجل الأقدار، ووقائع التفويض وفض اعتصامي رابعة والنهضة، وأخيراً وصولاً إلى «طريق السيسي إلى الاتحادية».

وطوال 400 صفحة، عدد صفحات الكتاب، يتسم أسلوب رزق بالصدق والأمانة وسلاسة الطرح وعمق المضمون، وتتوالى الشهادات في إطار درامي يصور فيها الأحداث كرئيس تحرير جريدة قومية، ثم رئيس تحرير أهم صحيفة مستقلة، فضلاً عن كونه مراسلاً عسكرياً سابقاً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل