المحتوى الرئيسى

زين الدين زيدان.. موسيقار عربي لأوركسترا كرة القدم

01/17 07:53

لطالما اقترن اسم زين الدين زيدان بكرة القدم الجميلة الممتعة، وهو أحد الأساطير الذين بسببهم عشقت أجيال كثيرة "الساحرة المستديرة".

وسواء كلاعب أو مدرب، دائما ينجح "زيزو" صاحب الحضور الطاغي واللمسة المذهلة في توجيه الأنظار إليه، وتحقيق نجاحات خالدة في ذاكرة كرة القدم.

في ليلة صيفية بعام 1972، وُلد الطفل زين الدين يزيد زيدان في منطقة لاكاستيان بمدينة مارسيليا جنوب فرنسا لأبوين مهاجرين من الجزائر هما إسماعيل ومليكة، وهو الأصغر بين 5 أشقاء.

كان إسماعيل زيدان وزوجته مليكة هاجرا من قرية أجمون بمنطقة القبائل في الشمال الجزائري مطلع الخمسينات من القرن الماضي، واستقر بهما الحال في أحد ضواحي العاصمة باريس، قبل أن ينتقلا إلى مدينة مارسيليا الممتلئة بالمهاجرين الجزائريين.

عمل والد زيدان في وظيفتين، بينما كانت والدته ربة منزل، وعاشت الأسرة حياة مريحة مقارنة بباقي جيرانهم في الحي، الذي حظي سمعة سيئة في مارسيليا بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة.

ولطالما كان زيزو شديد الارتباط بوالده الذي وصفه بـ"الضوء الهادي الذي أنار له الطريق"، كما أنه يعتز دائما بأصوله العربية والدماء الجزائرية التي تسير في عروقه.

وقال زيدان في مقابلة سابقة مع مجلة "Esquire" الأمريكية: "أنا على صلة وثيقة بالعالم العربي عن طريق والدي، أنا فخور جدا بكوني فرنسيا، لكنني أيضا فخور جدا بأن لدي هذه الجذور وهذا التنوع".

في إحدى ساحات حي لاكاستيان تعرف زيدان في طفولته على كرة القدم، وبعد فترة من ممارسة اللعبة مع جيرانه وأصدقائه انضم إلى ناد محلي هو سانت هنري، ومنه إلى ناد آخر هو سبتيم لي فالون، وذلك مطلع الثمانينات من القرن الماضي.

وفي عام 1986 انتقل زيدان إلى أكاديمية نادي كان، التي شكّلت نقطة انطلاقه نحو النجاح في عالم كرة القدم.

بعد تدرجه في الفئات السنية لعب زيزو منذ 1989 مع الفريق الأول لنادي كان، ثم انتقل إلى بوردو في صيف 1992 وتألق معه بشكل لافت للنظر، وساعده على تحقيق لقب بطولة إنترتوتو الأوروبية عام 1995، ثم وصافة كأس الاتحاد الأوروبي في العام التالي، الذي حصد فيه جائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي.

وفي صيف 1996 خطف يوفنتوس الإيطالي زيدان من باقي العمالقة الأوروبيين المهتمين بضمه، في صفقة بلغت قيمتها 3.5 مليون يورو.

مع يوفنتوس وواصل زيزو توهجه على الصعيدين المحلي والأوروبي، وحصد جائزة أفضل لاعب أجنبي في الدوري الإيطالي بموسمه الأول مع الفريق (1996-1997).

خاض زيدان مشوارا حافلا مع يوفنتوس شارك خلاله فيما يزيد عن 200 مباراة، وحقق لقب الدوري الإيطالي مرتين، بجانب السوبر الإيطالي والسوبر الأوروبي وبطولة إنتركونتيننتال وإنترتوتو مرة واحدة، فيما خسر نهائي دوري أبطال أوروبا في مناسبتين.

وفي مطلع الألفية، وتحديدا عام 2001، بات زيزو أحد الركائز التي استند عليها مشروع "الجالاكتيكوس" في ريال مدريد بقيادة الرئيس الجديد وقتها فلورنتينو بيريز، والقائم على ضم نجوم بارزين بمبالغ باهظة، وانتقل النجم الفرنسي من يوفنتوس إلى قلعة "سانتياجو برنابيو" بمقابل قياسي في ذلك الحين بلغ 77.5 مليون يورو.

أسر زيدان قلوب المدريديستا بأدائه الخرافي في موسمه الأول مع الفريق الملكي (2001-2002)، والذي اختتمه بهدف مذهل في شباك باير ليفركوزن الألماني في نهائي دوري أبطال أوروبا ليقود الميرينجي للفوز (2-1) وتحقيق اللقب التاسع.

وتزامن ما تبقى من مسيرة زيدان مع ريال مدريد مع تدهور أوضاع الفريق وسقوطه ضحية القرارات الإدارية العشوائية وكثرة تغيير المدربين، ما تسبب في فشل ذريع لمشروع الجالاكتيكوس.

واعتزل زيدان كرة القدم عام 2006 وهو بعمر 34 عاما، بعدما حقق مع الفريق الملكي لقب السوبر الإسباني مرتين، ولقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي وبطولة إنتركونتيننتال مرة واحدة.

في بداية مسيرة زيدان ترددت شائعات عن رفض المدرب عبدالحميد كرملي منحه فرصة اللعب مع منتخب الجزائر، بداعي أنه لم يكن بالسرعة الكافية.

لكن زيدان نفسه قال في مقابلة صحفية عام 2005 إنه لم يكن مؤهلا للعب مع الجزائر من الناحية القانونية، لأنه مثل فرنسا بالفعل في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1993.

وكانت البداية الحقيقية لزيدان مع منتخب فرنسا حين دخل بديلا في مباراة ودية أمام التشيك في صيف 1994، حيث سجل هدفين قلب بهما تأخر "الديوك" 0-2 إلى التعادل 2-2.

وبالرغم من البداية النارية، لم يتمكن زيدان من حجز مكان في تشكيلة فرنسا الأساسية إلا في عام 1995، بعد إيقاف إيريك كانتونا لمدة عام بسبب الاعتداء على مشجع.

وبعد ظهوره الباهت في بطولة يورو 1996، شارك زيدان لأول مرة مع فرنسا في كأس العالم 1998 على الأراضي الفرنسية، ورد بقوة على كل الانتقادات بقيادة "الديوك" للقب الأول في المونديال، بعد مشوار قوي انتهى بالفوز (3-1) على المنتخب البرازيلي حامل اللقب وقتها في المباراة النهائية، التي شهدت تسجيل "زيزو" هدفين.

ومن المفارقات الغريبة أن والد زيدان انتظر لسنوات طويلة لكي يشهد لحظة تاريخية مثل هذه، لكنه لم يتمكن من مشاهدة نجله يقهر المنتخب الأفضل في العالم ويجلب الكأس لفرنسا، وذلك لأنه اضطر للخروج من المنزل مع حفيده الرضيع لوكا -نجل زيزو-، لكي يساعده على النوم.

ويقول إسماعيل زيدان عن ذلك اليوم: "خرجت إلى الحديقة حاملاً لوكا على ذراعيّ، قضيت وقتا طيبا جالساً على الكرسي لتهدئة حفيدي الذي غفا في النوم كالملاك، أعتقد أنني الشخص الوحيد الذي لم يشاهد المباراة في الحي بأكمله".

بعد عامين كتب زيدان فصلا جديدا في قصته الأسطورية بقميص منتخب فرنسا، بقيادة "الديوك" للفوز ببطولة يورو للمرة الثانية في تاريخه عام 2000، وفاز بجائزة أفضل لاعب في البطولة.

لم تشهد مسيرة زيدان الدولية إنجازات جديدة، حيث خرج مع منتخب فرنسا بشكل مفاجئ من دور المجموعات لبطولة كأس العالم 2002، كما ودع بطولة يورو 2004 من الدور الثاني، فيما خسر نهائي مونديال 2006 أمام إيطاليا، في المباراة التي شهدت طرده الشهير بعد اعتدائه على ماركو ماتيرازي نجم "الأزوري".

وبالرغم من أن طرد زيدان وضع منتخب فرنسا في ورطة، وكان سببا رئيسيا في خسارة اللقب، إلا أن الجماهير الفرنسية استقبلت "زيزو" استقبال الفاتحين، حيث امتلأ ميدان "الكونكورد" في العاصمة باريس بالآلاف من المشجعين وهم يلوحون بالأعلام ويهتفون باسمه، كما أظهر أحد استطلاعات الرأي وقتها أن 61% من الفرنسيين سامحوه على تصرفه.

أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قرارا بإيقاف زيدان 3 مباريات بسبب السلوك العنيف في نهائي مونديال 2006، وهو أمر غير ممكن من الناحية العملية لأن هذه كانت آخر مباراة احترافية للنجم المخضرم، الذي قرر قضاء 3 أيام في الخدمة المجتمعية بأحد المشاريع الخيرية كبديل للعقوبة.

كان زيدان بطلا قوميا في نظر قطاع عريض من الشعب الفرنسي، غير أن هذا لم يمنعه من السقوط ضحية للعنصرية من التيار اليميني المتشدد هناك.

كانت جان ماري لوبان، زعيم حزب الجبهة الوطنية اليميني، من أكثر السياسيين الفرنسيين هجوما على "زيزو"، وكانت دائما تصف المنتخب الوطني بأنه "مصطنع وليس فريقا فرنسيا حقيقيا"، وذلك بسبب وجود عدد كبير من اللاعبين أصحاب الأصول العربية والأفريقية.

منذ بداية مسيرته مع بوردو تميز زيدان بقدرته على اللعب في عدة مراكز بخط الوسط، كما تم الاعتماد عليه أيضا كصانع لعب خلف المهاجمين، وهو ما أصبح مركزه الأساسي فيما بعد مع يوفنتوس وريال مدريد.

لم يكن زيدان مجرد لاعبا استعراضيا يُمتع الجمهور بمهارته وتحكمه المذهل في الكرة، بل كان نجما فذا يضفي أفضلية كبيرة لفريقه ضد منافسيه من الناحية التكتيكية، كما امتلك شخصية قيادية قوية.

رغم أنه نادرا ما يثني على أحد، فإن المهاجم السويدي المخضرم زلاتان إبراهيموفيتش قال في مقابلة صحفية سابقة: "زيدان من كوكب آخر.. عندما يصعد إلى أرض الملعب يتحسن العشرة الآخرون فجأة.. الأمر بهذه البساطة"، ليتفق مع النجم الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام، الذي وصف زيدان بأنه "الأعظم على الإطلاق".

تشافي هيرنانديز، أسطورة برشلونة ومدربه الحالي، قام بتنحية الخلافات مع ريال مدريد جانبا، وقال في مقابلة عام 2010 إن زيدان كان "أفضل لاعب في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين"، فيما يرى البرازيلي روبرتو كارلوس، زميله السابق في الفريق الملكي: "أنه أفضل لاعب رآه، كان المشجعون يأتون إلى البرنابيو لمجرد رؤيته في الإحماء".

ويشتهر زيدان باختراع حركة مهارية أصبحت "علامته المسجلة"، وتسمى "روليت مارسيليا"، حيث كان يقوم بالمراوغة وتثبيت الكرة والالتفاف حولها، ثم سحبها في اتجاه آخر بالقدم الأخرى.

بداية من عام 2010 تولى زيدان عدة مناصب في الإدارة الرياضية لريال مدريد، وكان له دورا في حسم عدة صفقات على رأسها التعاقد مع المدافع الفرنسي رفائيل فاران في 2011، قبل أن يعمل فترة قصيرة كمدير فني لفريق تحت 17 عاما في النادي (2012-2013).

في موسم 2013-2014 انتقل زيدان للطاقم الفني للفريق الأول، وعمل مساعدا للمدرب المخضرم كارلو أنشيلوتي، قبل أن يتولى تدريب فريق الرديف "كاستيا" في الموسم التالي.

في ذلك الوقت أشارت عدة تقارير إلى أن إدارة النادي الملكي تخطط لمنح زيدان منصب المدير الفني بعد حصوله على الخبرة الكافية لهذه المهمة الصعبة، لكن تلك الخطوة جاءت أسرع بكثير من موعدها المتوقع.

أقيل أنشيلوتي بعد موسم 2014-2015 المخيب، وتولى بدلا منه الإسباني رافائيل بينيتيز، في خطوة عارضها قطاع عريض من جمهور ريال مدريد، الذي لم يكن مقتنعا بقدرة بينيتيز على النجاح مع الفريق.

لم يستمر بينيتيز، الذي يبدو أنه لم يكن مقنعا للاعبين أيضا، سوى نصف موسم مع الفريق الملكي، وأقيل مطلع عام 2016 بعد تحقيق نتائج مخيبة وغير مبشرة، ليبتعد عن صدارة ترتيب الدوري الإسباني.

كان خبر إقالة بينيتيز متوقعا، لكن النبأ الصادم وقتها هو تعيين زيدان مديرا فنيا خلفا له، وحامت الشكوك حول قدرته على انتشال "الميرينجي" من كبوته.

سرعان ما بدد "زيزو" كل الشكوك التي أحاطت به، وأعاد ترتيب أوراق البيت الأبيض، وعاد به لمضمار المنافسة على لقب الدوري الإسباني، حتى أنه قلص الفارق مع برشلونة المتصدر من 15 نقطة إلى نقطة واحدة في نهاية الموسم.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل