المحتوى الرئيسى

من زراعات ميت رهينة إلى ثلوج القطب الشمالى.. النمو المتجدد ونطاقات التأثير والتأثر

12/05 20:33

الموائل الطبيعية وتنوع الكائنات بها هى الداعم الأساسى للحياة على الأرض وهو ما يوفر لنا الحياة، نحن البشر، كجزء من تلك المنظومة الرائعة ولكن المعقدة. وبنية تلك الموائل الطبيعية والأنواع التى تعيش عليها هو ما يعرف بالإيكولوجيا المكانية. وتركيز الاهتمام بها يرجع لأنها تربط فهمنا للكائنات المختلفة بالحدود المكانية الموجودة بها كاستجابة الكائنات والأنواع فى تلك المجتمعات للتغيرات فى أماكنها الطبيعية. نعرف أيضا أن كوكبنا مكون من العديد والعديد من الموائل الطبيعية المتفردة والتى تتواصل معا ولا يوجد بينها خطوط فاصلة حاسمة ولكن فى الأغلب نطاقات متداخلة عن حدود كل منها مع الآخر. وهنا يمكن تخيل كيف أن أى موئل طبيعى مرتبط بكل الموائل الأخرى على الأرض طالما لم يقطع ذلك عائق بشرى فى الأغلب.

تنتمى ميت رهينة للجانب الغربى من السهل الفيضى للنيل والذى ينتهى عند حدود الصحراء الغربية. ولكنها أيضا تنتمى لمنظومة النيل ككل والتى تمر فى إحدى عشرة دولة وتبدأ أكثر من ستة آلاف كيلومتر جنوبا حتى تنتهى على بعد ما يزيد على المائتى كيلو متر شمالا عند البحر المتوسط، ويمثل حوض النيل المنظومة البيئية التى تنتمى لها ميت رهينة. لكن حوض نهر النيل الذى يمتد فى قلب إفريقيا هو ما مكنا من الحياة وهو البيئة الطبيعية الرئيسية التى تدعم الحياة فى مصر، ونهر النيل ليس ببساطة الماء الذى نراه جاريا ولكنه المنظومة التى تسمى حوض النهر والتى تتكون من العديد من الأنهار الصغيرة الجافة أحيانا والمليئة بالمياه قليلا، كما ترتبط تلك المنظومة بمنابعها المتعددة وظروف الأقاليم المناخية التى تعبرها فى رحلة المياه التى يزيد جزء منها على الستة آلاف كيلومتر.

ولكن هل هناك منظومة بيئية فرعية أو إيكولوجية مكانية معينة تنتمى لها ميت رهينة؟ وهل تلك المنظومة يمكن أن توضح لنا بمنظومة حوض النيل والكوكب ككل؟ يثير تساؤلات حول الحدود البيئية لكل من المكان المحلى والإقليمى خاصة. فما هى الحدود الطبيعية لميت رهينة يبدو مثلا بوضوح أن الحد الشرقى هو شاطئ النيل، والحد الغربى هو الصحراء، ولكن أين هو الحد الشمالى وهل يمكن اعتبار عمران القاهرة الكبرى بالذات فى الناحية الغربية حدا لأنه يقطع استمرارية السهل الفيضى؟ وأين هو الحد الجنوبى؟ وهل اتصال النيل بالفيوم هو الحد الطبيعى الجنوبى؟ وهل هذه الإيكولوجيا هى الإطار المحلى لميت رهينة أم أنها الإقليم الطبيعى؟ وأين إذا الحدود الطبيعية الإيكولوجية لميت رهينة؟ والحدود الطبيعية تمكن من دراسة إلى أى مدى هناك إشكاليات فى الموارد الطبيعية الداخلة أو الخارجة منه وهى الخطوة الأولى لتحديد نوع التدخلات التى يحتاجها هذا الإقليم الطبيعى لاستعادة دورة الحياة الطبيعية به إلى أقرب ما يكون لأساسها.

وترتبط تلك النسبة الباقية بارتباط المنظومة المحلية بتلك التى تحيط بها وتمثل مقياسا يقترب من إقليمها. كما ترتبط تلك المنظومة المحلية أيضا بالمقياس الأكبر وهو على مستوى الدولة والبيئات الكبرى كبيئة ساحل البحر الأحمر ككل مثلا أو البحر المتوسط ككل أو نهر النيل ككل وأيضا بالكوكب ككل بما يتضمنه من أماكن وتأثيرات قد نظن أنها بعيدة جغرافيا، ولكن العلم الحديث أثبت توسع نطاق تأثيرها ومن أمثلة ذلك ظاهرة النينو أو تأثير ذوبان الجليد وغيرها.

تعلمنا من المنهج المرتبط بفهم النظم المركبة أنه بالرغم من أن المكان المحلى له تأثير كبير للغاية، قدرته بعض المنظمات بنحو 70% للمدن وقدره آخرون بـ 80%، وبينما ما زلنا نحتاج لتقييم أدق لمساهمة المدن المصرية إلا أننا يمكن أن نستخدم الأرقام الواردة فى التقرير المحدث الذى قدمته الحكومة المصرية فى العام 2018 لتقدير مساهمتها بما بين 60 ــ 70 فى المائة ويتبقى الجزء الخاص بالريف المصرى والذى يمكن تقديره بـ 30 ــ 40%. لكن من المشكلات الرئيسية التى أشار إليها أحد مسئولى البنك الدولى الدكتور سامح وهبة هو تعريف ما هو ريف وما هو مدينة فى مصر. فى الحقيقة هناك قرى يبلغ عدد سكانها نحو مائة ألف نسمة وربما أكثر وهنا توجد فجوة معرفية تحتاج لعدد من الدراسات لسدها.

بالرغم من كتابات عظيمة عن النيل لرشدى سعيد ونزار الصياد وغيرهما فإننا ما زلنا بحاجة لدراسات تهتم بفهم التعقيدات والترابطات الكبرى داخل هذه المنظومة الجبارة ونحن بالتأكيد فى حاجة للمزيد من الدراسات التى تركز على النيل كنظام إيكولوجى وعلاقته بالطبيعة المحيطة باختلاف أنواعها. وسيكون هذا الفهم هو الأساس للتعامل مع التدخلات التى تمت أو تلك المقترحة فى أى مكان من النهر لأننا نعرف الآن أن المنظومات الطبيعية المعقدة تتأثر بالتدخلات التى تتم عليها خاصة وأن ظهور هذا التأثير بوضوح ربما يحتاج إلى سنوات عدة قد تصل للعشرات.

لكن ما هى تبعات هذا الفهم لتركيب ونطاقات الموائل الطبيعية؟ يعنى ذلك أننا لو أردنا نموا متجددا فى مكان مثل ميت رهينة فيجب علينا أن نفهم ما يحدث فى تلك النطاقات الأكبر وكيف لها أن تؤثر على مكان مثل ميت رهينة. ويعنى أيضا أن جزءا من الرؤية المستقبلية للقاهرة الكبرى (القاهرة 2050) يجب أن يسمح بمساحات لتواصل الطبيعة فى صعيد مصر مع دلتاها بما يسمح بالتدفقات الطبيعية للكائنات الدقيقة فى التربة باستعادة التواصل الذى انقطع منذ زمن ليس بالبعيد. وربما يتم هذا أيضا فى المناطق العمرانية والتدخلات الأخرى مثل السدود والتى شكلت عائقا أمام تواصل الكائنات سواء كانت دقيقة أو صغيرة بأن تستعيد بيئاتها إلى أقرب ما يكون للطبيعة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل