المحتوى الرئيسى

فصول من كتاب مديحة l لقاء مع نزار قبانى

12/05 15:34

لم تكن مديحة قد استيقظت برغم  الميعاد المحدد، هذه عادة ربما تكون سيئة إلا أنها منحتني فرصة أن تمتد يدى إلى عدد من الكتب الموجودة فى الصالون. فقد بدأت أبحث فى داخل الكتب عن موضوع وكثيرًا ما أجده.

كانت الكتب الموجودة خليطًا لا حدود له. روايات أجاثا كريستى البوليسية، ورواية لفرانسواز جان، وكتاب لأنيس منصور، وكتاب جبران خليل جبران. وورقة صغيرة هى عبارة عن أمر شغل لاستدعاء مديحة كامل من أجل تسجيل دوبلاج فيلم “زائر الفجر” الذى تشترك فيه مديحة، وتلعب بطولته ماجدة الخطيب، ويخرجه ممدوح شكرى، وعلى أمر الشغل، بدأت تسجل ملاحظات صغيرة وهى عبارة عن أشياء متناثرة داخل مديحة كامل، عبارات يمكن أن يقف أمامها الإنسان، فى محاولة لتفسيرها ولكنه قد لا يصل إلى الحقيقة.

فالحقيقة تعرفها مديحة كامل أو قد لا تعرفها لكن المؤكد أنها أشياء موجودة. على ظهر رواية صغيرة، كتبت مديحة بخطها: “رأيت هذه القصة فى بيروت فى شهر سبتمبر الماضى 3 مرات 1971، وهأنا أقرؤها الآن فى كتاب فى 13 مايو1973. ذاهبة إلى الإسكندرية بالقطار ودموعى تنهمر كما انهمرت، بل أكثر. عندما رأيت فيلمًا من إخراج أندريه كايت. مخرج رائع وتمثيل أنى جراردو عظيمة..عظيمة”.

وكان هناك رواية “الحب فى الطريق المسدود”، وأظن أنها ظهرت كفيلم باسم مختلف، وعلى الصفحة الأخيرة للرواية كتبت مديحة بخطها أيضًا أغنية “ردوا السلام” التى تغنيها عفاف راضى كانت الأغنية مكتوبة بالكامل، والطريف، أن الأغنية غنتها عفاف راضى لأول مرة فى الإسكندرية أيضًا، وكانت أول مرة تلتقى فيها مع الجمهور. ملاحظة عابرة، مديحة أصلها إسكندرانية.

وعلى أول صفحة من رواية فرانسواز ساجان “خفقات قلب” كتب المخرج التلفزيونى محمد سلمان تعليقًا إلى مديحة: السيدة العظيمة، أخيرًا وجدت النسخة، فأرجو أن تبدئى بعمل السيناريو. 

كنت أعلم أن محمد سلمان يبحث عن رواية تصلح فيلمًا ليبدأ بها أول عمل سينمائى له، وكان قد اختار مديحة بطلة حتى قبل أن يجد الرواية ويبدو أن المشروع لم يكتمل.

  امتدت رحلتى داخل كتب مديحة المتناثرة أمامى، وكانت لم تأتِ بعد، ولم أسأل عنها لأنه لم يكن يعنيى ساعتها أن تأتى. داخل كتاب النبى لجبران خليل جبران وضعت مديحة خطًّا بالقلم الرصاص تحت هذه الجملة: طبيعة الإنسان، أن يبالغ في التهم التى يعلم أنه ليس بريئًا منها.

  وفى فهرست كتاب: “أعجب رحلات التاريخ” لأنيس منصور وضعت علامة أمام رقم صفحة 468 وفى الصفحة كان يوجد حوار بين حكيم وأمير، حددته مديحة أيضًا بعلامتين. ويقول الحوار: قال الحكيم: امرأة واحدة تغنى عن كل النساء.

قال الأمير: ولكن الانسان لا يأكل وجبة واحدة فى اليوم ولا يومًا واحدًا من العمر.

قال الحكيم: ولكن العاقل يعيش على وجبة واحدة فى اليوم، فى العمر كله، والعقل فى أن يرضى بالقليل من القليل ليعيش الكثير من الأيام. 

  وكانت هذه كل الأشياء التى وجدتها فى كتبها، متناثرة بين الصفحات، وبلا عتاب لهذا التأخير وبنظرة عتاب أخذت مديحة الورقة لتقرأها ثم بدا أنها مترددة أمام أن توافق أو ترفض أن يكون ذلك موضوعًا للحديث.

فى حواراتها كانت كلمات مديحة تثبت أنها قارئة جيدة للأدب، فتقول عن علاقتها بالقراءة: بالنسبة للصحف تسطيع القول إننى قارئة منتظمة للصحف، وهناك الكثير من رجال الصحافة أعجب بكتابتهم، كل فى مجال، أنيس منصور فى آرائه، وعلى حمدى الجمال فى كتابته السياسية، ولويس عوض فى كتابته الفنية، ولويس جريس، ومفيد فوزى، ويوسف إدريس أتابع كتابتهم بشغف. أما بالنسبة للأدب فليست هناك خطة معينة أضعها لتثقيف نفسى، فأنا أقرأ عندما أشعر بالحاجة للقراءة، وأنتقى من الكتب ما يخطر على بالى. وهناك أكثر من أديب مصرى أعتز به، وأتذكر منهم الآن: إحسان عبد القدوس فى رواية “لا أنام”، ونجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل”، و”ميرمار”، و”المرايا”، و”أولاد حارتنا”، وفتحى غانم “الرجل الذى فقد ظله”، وإحسان عبد القدوس “بعيدًا عن الأرض”، وعبد الحليم عبد الله فى أكثر من عمل،  أما آخر عمل أطالعه حاليًا فهو “الإنسان روح لجسد” للدكتور رؤوف عبيد.

وكانت مديحة تقرأ كتبًا متنوعة، وهذا ما قالته فى إحدى الحوارات الصحفية: قراءتى متعددة ومتشعبة ومتناقضة فإني أقرا مجلة ميكى للأطفال، وأستمتع بقراءتها، ويومًا آخر أقرأ النظرية النسبية وكتب الفلسفة وعلم النفس، وأشعر بنفس الدرجة من المتعة. فلسفتى فى الحياة متغيرة ومتقلبة، فليس لى فلسفة ثابتة لأن الفلسفة هى بعض القواعد التى تستنبط لفترة زمنية معينة، فما يصح هنا لا يصح هناك، لذلك أنا أتصرف تبعًا للظروف والتقيد بها.

  كذلك فإن مديحة من الفنانات التى تحب التحدث مع الأدباء، وهذا يتضح فى لقاء لها مع الشاعر السورى نزار قبانى الذي قامت بتغطيته مجلة “الموعد” حيث كتبوا: قبل أشهر قليلة التقت النجمة مديحة كامل صدفة، وفى إحدى السهرات الفنية بشاعر الحب نزار قبانى عندما كان يزور القاهرة، وتصادف أن وصلت النجمة الحسناء متأخرة إلى موعد الحفلة وصافحت الجميع، وفى النهاية انفردت بالشاعر الرقيق الذى رحب بها، وأكد لها أنه كان يريد أن يتعرف عليها منذ وقت طويل، وأكدت مديحة له أن هذا هو نفس شعورها، وأن غرضها الأول من هذا اللقاء،  هو أن تعرف: لماذا يناصب نزار المرأة العداء؟! ولماذا يتحامل عليها فى شعره؟

واضطربت الكلمات على لسان نزار وهو يقاطعها، ويقول: أنا؟ من قال لك هذا؟!

وأجابت مديحة: بالتأكيد أنت كما جاء فى كثير من أشعارك، إن مكتبتى تضم دواوينك، وأنا شديدة الاعتزاز بها، ولمعت عينا الشاعر بالفرحة، لأن عين الفنان تحس بالإعجاب، وتحبه، ولكنه عاد يسألها: هذا جميل، ولكن كيف تتهمينى بعداوة المرأة، وأنا الشاعر الذى يصفونى بأنى “شاعر المرأة؟!

وقالت مديحة: أنا أتهمك بالتحامل على المرأة لسبب جوهرى، فأنت فى بعض قصائدك تخاطبها وكأنها شيء مكمل للرجل.

يقول نزار: ولكن المرأة عندى، هى أفضل موضوع للحديث والشعر.

مديحة:  ومع ذلك تتحامل عليها، عندما تقول إن الرجل الشرقى، لا يفهم المرأة، إلا فى غرفة النوم.

-هذا تحامل على الرجل الشرقى، لا على المرأة.

وسكتت مديحة لحظة، ثم قالت: هل يمكن نكتفى هذه الليلة بهذا القدر من الحديث، على أن نستأنفه غدًا فى بيتى، حول دواوينك. 

       فى اليوم التالى ذهب نزار، وذهب معه أغلب الذين حضروا الحفلة السابقة، إلى بيت مديحة كامل، ودار حديث طويل عن المرأة فى شعر نزار قبانى. وطلب الشاعر من النجمة الحسناء أن تشير إلى الأبيات الشعرية التى تقول إنه هاجم المرأة فيها، وتحامل عليها، قالت مديحة: أنا لا  أزال عند رأيى بأن تحاملك على المرأة هو قسوة مطلقة.

مديحة: أنت دائما تطلب من المرأة أن تعطى بسخاء، وليس على الرجل إلا أن يتكرم بقبول هذا العطاء، وعلى المرأة أن تقبل الأرض بين  يديه، وتتطلع إلى السماء شاكرة لأن الرجل تفضل، وقبل عطاءها، أليست هذه الصورة تعيد إلى الأذهان صورة استعباد الرجل المرأة فى القرون الوسطى.

-لكنك فسرت شعرى تفسيرًا خاطئًا فقد قصدت أن تحتفظ المرأة بأنوثتها.

- أنت لم تحاول أن تكلف الرجل بأى شيء تجاه المرأة، لقد أكتفيت فى أشعارك بأن تطلب من المرأة فقط، وأن تطلب منها كل شيء.

-يا مديحة هذا تفسير خاطئ للمرأة فى شعرى.

-أبدًا، فأنت تقول فى إحدى قصائدك: أننى أستعيذ منك بأى كتاب أو صديق أو موعد، قد تكونين كل شيء، ولكنك لن تكونى ربًّا بغير شريك!

فرد الشاعر: أنت أيضًا مخطئة بهذا المثل، فقد أردت من المرأة أن تكون كل شيء للرجل.

  وانتقل الحديث بعد ذلك إلى قصيدة “رسالة من سيدة حاقدة” واستشهدت مديحة ببعض أبيات القصيدة، واستولت على نزار حالة من الإعجاب، وهو يسمع شعره على لسان مديحة، وكان واضحًا فى نهاية اللقاء، أن نزار كان سعيدًا به، فهو لقاء مع فنانة تحمل هذا القدر من الاطلاع والذكاء.

 وانتهى اللقاء، لتلتقى النجمة الحسناء بعدها بأيام بأحدث ديوان لنزار قبانى “أشعار خارجة على القانون”، وكان عليه الإهداء التالى: إلى الصديقة الفنانة مديحة كامل مع أحلى مشاعرى.

وقد جمعها أيضًا لقاء مع الأديب الفلسطينى جبرا إبراهيم جبرا فى حفل تسليم جائزة النيل لنجيب محفوظ، وقد وصفته مجلة الثورة:

تقدم منها الكاتب العراقى الكبير جبرا إبراهيم جبرا ليعلن لها أنه يكتب رواية سينمائية، وفى ذهنه أن تكون بطلتها هى،  وهنا تخلت مديحة كامل عن الجميع، واتخذت من إحدى زوايا القصر الجمهوري ركنًا لتتأكد من جبرا إبراهيم جبرا لا يمزح، فسألت مديحة جبرا:

-لماذا أنا بالذات وليس غيرى.

- فى الحقيقة لم أفكر وأنا أكتب القصة إلا بك كبطلة لها. 

-ليس فقط مواصفات أنت أكثر النجوم السينما المصرية تقمصًا للدور الذى يسند لك. شاهدت لك معظم أفلامك حتى القصص التى كتبها نجيب محفوظ ..نجيب محفوظ نفسه أبدى الإعجاب بشخصيتك فى هذه الأفلام. 

-الحقيقة يا أستاذ جبرا أننى فخورة أن أسمع منك هذا الكلام ثم أخذت تتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويبدو أن الأستاذ جبرا لم يكن يعرف أن مديحة كامل تتقن الإنجليزية إلى هذا الحد، فخطرت على باله فكرة سريعة، لماذا لا يتصل بمصطفى العقاد، ويقترج عليه تمثيل قصته بالإنجليزية طالما أن مديحة تتقنها إلى هذا الحد. 

بالفعل فإن جبرا والعقاد صديقان قديمان، وكان قد ساعد العقاد فى الترجمة العربية لفيلمي الرسالة، وعمر المختار. 

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل