المحتوى الرئيسى

خاص الشروق | الموسيقار العالمي إي أر رحمان: السرديات العربية يجب أن تصل هوليوود

12/04 16:18

"الشروق" تبحث عن الوصفات الخاصة للفائز بالأوسكار مرتين: الإنسانية مصدر إلهامي الأول

منصات الترفيه الجديدة تمنح المبدعين المحليين فرصة ذهبية.. وتعيد اكتشاف أعمال ظلمها التسويق

تغيير الصورة النمطية للعربي في الأفلام الأمريكية بداية طريق نشر الإرث الثقافي والموسيقى.. وركزوا على الإنتاج المشترك

الانتشار في هوليوود يحتاج انتشارا اجتماعيا والفوز بالأوسكار ليس كافيا

أنا الناقد الأول لنفسي.. وقدمت هذا العمل حبا في رسول الله

أعتز بتجربة الإكسبو.. ومنفتح للتعاون مع المبدعين العرب

في فيلم The Hundred-Foot Journey (رحلة المائة خطوة) يتمكن حسن الشاب الهندي عاشق الطبخ والمزج بين الثقافات المختلفة في أطباقه، من صنع أسطورته الذاتية بعد رحيل مروّع من بلاده إلى أعماق الريف الفرنسي. وصفاته المتفردة نقلت عائلته بالكامل إلى مستقبل أجمل، ومن خلالها عثر على حب حياته، ومهنيا حمل نجمة ميشلان حلم كل "شيف" في العالم.

الموسيقار الهندي الشهير A.R. Rahman أي. أر. رحمان وضع موسيقى هذا الفيلم الذي أُنتج عام 2014، وثمة نقاط التقاء بينه وبين البطل حسن، كهذا الانتقال الأسطوري -مع فارق المجال- والوصفات السحرية المتطورة التي تمزج النكهات والروائح بالابتسامات والدموع وتأثيرات مصادر لم تلتق من قبل.

فقبل عام 2008 عندما ظهر موسيقى فيلم Slumdog Millionaire (المليونير البائس) لم يكن أحد خارج الهند يعلم شيئا عن رحمان البالغ آنذاك 41 عاما. ربما كان المتابعون من بعيد يعتقدون أنه مجرد موسيقي هندي آخر لا يخرج عن التقاليد المعروفة في "بوليوود" يحافظ على "الريتم" نفسه والتنويعات المستقاة من الاحتفالات الشعبية لدى البنجاب والتاميل.

لكن تفرد الشريط الموسيقي للفيلم قاد رحمان إلى جائزتي أوسكار، أحسن موسيقى تصويرية وأحسن أغنية، ولفت نظر العالم إلى إمكانياته الاستثنائية في ابتكار موسيقى مناسبة لكل البشر، تنطلق من أزقة قرى ومدن الهند بتقاليدها المنوّعة، والتي باتت أقرب للمتابعين بفضل رحمان، مع تأثيرات شرقية وغربية حديثة.

حل رحمان ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قدم فيلما جديدا وضع موسيقاه وشارك في إنتاجه No Land’s Man (رجل بلا وطن) وتحدث في ندوة مفتوحة بصحبة الموسيقار هشام نزيه، وبعدها التقته "الشروق" في حوار قصير، بحثا عن "وصفاته الخاصة" لموسيقى مشبِعة في عالم يتغير سريعا.. أنماط ونغمات استجدت، والسينما دخلت البيوت على نطاق أوسع من خلال منصات التسلية الرقمية وعززت جائحة كورونا ذلك.

يرى رحمان أن "نتفليكس وأخواتها تفتح طريقا واسعا للسينما المحلية في العالم كله، بما فيها الهندية والمصرية، لتعرض نفسها على الجميع وتصل بشكل أكبر، بعيدا عن متطلبات هوليوود وسيطرة أفكار معينة على الإنتاج هناك".

أن يشاهد الأمريكي أو الأوروبي سينما مصرية أو عربية أو هندية محلية، ليس هذا الهدف النهائي، بل أن تنتشر الثقافة والقيم الحقيقية لجميع الشعوب، في شكل قصص وصورة وموسيقى تقرب البشر من بعضهم.

وصفة النجاح في هوليوود:

"لا فرصة لتحقيق انطلاقة كبيرة للموسيقى العربية/المصرية في هوليوود إلا إذا تغيرت صورة العربي نفسها في الأفلام الأمريكية" يستطرد رحمان: "في الغالب الأعم العربي يكون الشخصية الشريرة في الفيلم، عضو العصابة، والنماذج السلبية أكثر من الإيجابية.. الحل في إنتاج مشترك عربي/مصري مع منتجين من هوليوود ودول أوروبية، يقدم قصصا وسرديات مختلفة، وشخصيات تعبر عن الطبيعة الحقيقية للمجتمعات المحلية وليس كما يرغب الآخرون في رؤيتهم.. الموسيقى والقصص يجب أن تكون جديدة ومعبرة عن الإرث الثقافي".

يقول رحمان بخبرة المجرّب: "لا أحد سيصنع ذلك.. الصناع العرب/المصريون هم من يمكنهم بدء هذا الاتجاه".

سألته عن تجربة الموسيقار اللبناني الفرنسي غبريال يارد في هوليوود، فهو العربي الوحيد الذي فاز بالأوسكار عن فيلم The English Patient (المريض الإنجليزي) ولماذا لم يفتح هذا الأمر الباب لانتشار عربي أوسع؟

فوجئ رحمان بأن يارد مولود في بيروت "أحب عمله كثيرا لكن لم أكن أعرف أنه عربي.. لم أتحدث معه حول هذا الأمر ولكن لكي تنتشر في هوليوود يجب أن تتمتع أولا بعلاقات وثيقة بالمنتجين والمخرجين والصناع، وتحضر الحفلات والمناسبات، وتتصل بالبعض لتقول أهلا أنا موجود.. وهذا يمكن أن يتحقق بشكل شخصي لكن لا يضمن انتشار كل الموسيقيين من نفس جنسيتك".

يضرب رحمان مثالا بالموسيقار الأمريكي من أصل صيني دون تان الفائز بالأوسكار عن فيلم Wo hu cang long (النمر الرابض، التنين المختفي): "أبدع موسيقى عظيمة وفاز بالجائزة (2001) لكنه لم يكن مندمجا مع هوليوود فلم يظهر كثيرا فيما بعد".

خلال الندوة؛ اعتبر رحمان فوزه بالأوسكار محطة مهمة وشهادة اعتماد دولية، لكن التقدير من الأكاديمية لا يغير طبيعة الفنان وكذلك لا يفتح له كل الأبواب المغلقة لأن العلاقة الوطيدة بالمخرجين والمنتجين هي الأساس: "بقيت أعمل ما أحبه.. الموسيقى محيط كبير ومهما حققت فيه تشعر أنك نقطة صغيرة، وأن إنجازاتك غير كافية".

وصفة موسيقى لا تعرف الحدود:

يقول رحمان: "أول ما أسأل عنه عندما أتسلم أي عمل سينمائي لأكتب له الموسيقى القصة والسردية والأشخاص من وجهة نظر المخرج والمؤلف.. فحص هذه المكونات هو ما يولّد بداخلي الأفكار".

سألته عن المؤثرات المتنوعة التي يبني عليها مشاريعه وكيف تطورت عبر مسيرته الممتدة لأكثر من 30 عاما؟

يجيب رحمان: "الإنسانية، والموسيقيون القدامى والشعبيون من جميع الدول، والبسطاء الذين يمنحون السعادة للآخرين دون أن ينتظروا المقابل.. كل هذا يساهم في صنع موسيقى غنية وكريمة مع المستمع، بلغة عالمية يفهمها الجميع، وتلعب دورا كبيرا في تحسين حياة الناس، في شفاء أرواحهم وعلاج جراحهم".

ويعتبر رحمان نفسه الناقد الأول لأعماله "هي عادة لم تنقطع ولم أغيرها أبدا، أنا المستمع الأول لأعمالي، إذا لم يعجبني ما فعلته ألقيه جانبا وأبدأ من جديد، حتى لو كنت قد قطعت فيه شوطا كبيرا".

خلال الندوة؛ سُئل عن فترات الفراغ التي يمكن أن يواجهها المبدع في مسيرته، فقال: "كل شيء يمكن أن يتغير بشرارة إلهام واحدة يجب على الفنان الإمساك بها والبناء عليها".

في حب الرسول محمد:

ولد رحمان في مدراس بالهند لعائلة هندوسية من التاميل ثم تحول إلى الإسلام في مقتبل العشرينيات، وخلال ندوة مهرجان القاهرة توقف عن الإجابة على سؤال إنصاتا لأذان العصر، في لفتة دالة على تدينه الشخصي. ابنته خديجة ترتدي النقاب بينما الأخرى رحيمة لا ترتدي أي حجاب. وهو بشكل عام متأثر بالصوفية، وينعكس هذا على كلمات بعض أغانيه المستقاة من آيات قرآنية أو أبيات شهيرة لأقطاب التصوف بالهند والعالم العربي.

في عام 2015 مر رحمان بتجربة صعبة عندما صدرت فتوى من بعض شيوخ الهند المسلمين ضده وضد المخرج الإيراني الشهير مجيد مجيدي، بسبب فيلم "محمد رسول الله" الذي جسد لأول مرة نبي الإسلام بشكل جزئي وهو طفل، دون إظهار ملامح الوجه وسماته الجسمانية، حتى أن الأزهر الشريف دعا لوقف عرض الفيلم، لكنه عُرض في طهران وبعض العواصم الغربية وانتشر لاحقا عبر الإنترنت.

سألته عن هذه التجربة، تنهد وضحك وهو يتذكر الفتوى، لكنه لم يخف فخره الشديد بهذا العمل: "المخرج مجيد مجيدي "سوبر ستار" في الهند ودول كثيرة، والأجيال الجديدة من صناع السينما الهنود والآسيويين نشأوا على أفلامه، وتحديدا Colour of Paradise (لون الجنة) و Children of Heaven (أطفال السماء) الذي رُشح للأوسكار".

"عندما عرض عليّ المشاركة في فيلم عن الرسول، وجدت ذلك شرفا كبيرا وتحمست، كان مجيدي قد عمل في التصوير والمونتاج لمدة عام تقريبا، وقدم لي السيناريو، وبدأت التنقيب عن أفكار متماشية مع روح الفيلم والشخصيات وثراء الفترة المبكرة من حياة الرسول" يضيف رحمان أنه عرض على المخرج أفكارا مختارة ثم انتقى منها الأفضل ليبدأ تنفيذ الموسيقى في عدد من الدول.

"موسيقى الفيلم حفلت بتأثيرات عديدة هندية وعربية ومصرية وإيرانية وغربية، وصوفية بالطبع، لكن أهم ملهم بالنسبة لي كان حبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم" وبالاستعانة بعدد من المطربين والعازفين من جنسيات عدة منهم سامي يوسف، وعازف الطبول المصري الشهير حسام رمزي، أثمرت هذه التوليفة موسيقى مختلفة أكثر حداثة ومزجا للثقافات من موسيقى الأفلام الدينية والتاريخية الكلاسيكية التي اعتادتها الآذان.

ساحات جديدة للإبداع:

يعتبر رحمان أن هذا الفيلم ظُلم لعدم عرضه في الدول العربية، حتى أن شرائح واسعة من معجبيه حول العالم لا يعرفون عنه شيئا، وكذلك "بعض الأفلام الأخرى التي لم تُروّج بشكل جيد، مثل The Hundred-Foot Journey المشار إليه سلفا، وفيلمه الموسيقي الصادر منذ عامين 99 Songs (99 أغنية) والذي يدور عن قصة حب مؤلف أغاني شاب قبِل تحديا لتأليف 100 أغنية قبل الزواج من حبيبته.

"بعض الأفلام التي لم يتم التسويق لها موجودة الآن على منصات إلكترونية مثل "نتفليكس" وهو أمر ممتاز أن يتمكن الجميع من إعادة اكتشاف إبداعات ظُلمت، وهذه المنصات أيضا فرصة لعرض الأفلام المحلية منخفضة التكلفة والتعرف على ثقافات أخرى".

أهم أخبار كورونا

Comments

عاجل