المحتوى الرئيسى

هروب مستريح المنيا وأسرته تدفع الثمن

12/04 14:13

  فى جرائم النصابين أو المستريحين كما تطلق الصحافة عليهم، غالبًا ما نهتم بجريمة هذا النصاب أو المستريح وما فعله بضحاياه الذين طمعوا فيما يتحصلون عليه من أرباح وهمية لكن لم يلق أحد باله لما سوف يحدث لأسرة هذا النصاب وأنهم وحدهم الذين سيدفعون الثمن، وأنه ألقى بأهله إلى التهكلة بعد سعيه فى جلب المال بطرق غير مشروعة فهذا عين ما نرفضه، وما لا يرضاه أى عاقلٍ واعِ. 

وهو ما نراه دائمًا فى أي «مستريح» جديد يظهر على السطح فى هذه الآونة، يأخذ الأمول ويهرب أو حتى بعد القبض عليه؛ يعيش أهله فى حسرة تارة، وخوفًا من نظرات الناس لهم تارة أخرى، تلك النظرات المحملة بالأسى مرة وبالفضيحة مرات. 

فى السطور التالية سندخل معكم إلى تفاصيل حياة أسرة مستريح المنيا الشاب، المؤلمة والقاسية، والتى بدأت من تهديدات بالقتل حتى انتهت بالخطف وتوقيع إيصالات أمانة.

شعبان، إنسان بسيط، ظروفه الاقتصادية متواضعة، كافح فى الغربة ما كافح واستطاع العودة والزواج، وبما تبقى معه من مال استأجر متجرًا وتخصص فى العطور، ويومًا بعد يوم أصبحت حالته المادية مستقرة، تزوج وانجب أولادا واصبح لديه دكانه الخاص وتجارة تدر عليه رزقه ورزق أولاده، ومن أرباح تجارته اشترى سيارة آخر موديل، ومظاهر العز والرخاء أصبحت بادية عليه ويراها كل من يعرفه، مرات يأخذ أسرته ويذهب بهم إلى أرقى الأماكن السياحية، ومرات يغيب عن عمله بالشهور دون أن يتأثر اقتصاديًا بغيابه، حتى أنه من فرط ثرائه طلب من أشقائه جميعًا أن يتقاعدوا عن عملهم وأصبح هو – أصغرهم – متكفل بكل متطلبات بيته وبيوت أشقائه، وبمصاريف والدته ووالده والمقابل أن يساعدوه في تجارته ومشاريعه التي يفكر في تنفيذها.

الأمر كان غريبًا، ليس على الأهالي فحسب، بل على أسرته، وكثيرًا ما كان يُسأل عن مصدر هذه الأموال التى معه ويتهرب من الإجابة، وإن هو أجاب كانت إجاباته غير مقنعة، لكن مرت الأيام وهو على هذه الحال، يغيب يومًا أو بعض يوم ويأتي إلى البيت محملًا بأموال لم يعرف أحد غيره من أين جاءت وكيف جاءت؟

غموض ما بعده غموض، هل تجارة العطور تدر كل هذه الأرباح وتفتح بيوت اشقائه؟

الغنى سيطر عليه بشكل كبير، وأصبح يصرف دون حسبان، وكأنه كان يعوض نفسه وأسرته عن سنوات الشقاء التى عاشوها، وانجرفت أسرته فى هذا المستنقع دون إرادة منها أو أن تعرف حقيقة هذه الأموال، بل أنهم أصبحوا لا يسألون عن مصدرها.

لكن كان للأهالي رأيًا آخر فى تلك القصة، رأى يقال دائمًا فى الصعيد إن ظهر على أحد أى مظهر من مظاهر الغنى السريع، وبالفعل انتشر بين الأهالي إشاعة بأنه وجد قطعة آثار تحت بيته، وأنه استطاع التنقيب وإخراجها، وهذا الغنى الذي أصبح عليه فجأة من أموال الآثار التى استخرجها.

سرعان ما سرت الشائعة من لسان إلى لسان، وتداولها الناس صباح مساء، حتى وصلت إلى واحد من أسرته، وأبلغه بما يقول الناس عنه، فعجبته تلك الشائعة بل وأكد عليها، ظنًا منه أن هذه الشائعة ستكون هى الحاجز الذي سيخفى وراءه حقيقة مصدر تلك الأموال التى معه.

الأمر تطور، والناس ليس على ألسنتهم إلا غناه الفاحش ومصدر هذا الغنى، وهو – فى الحقيقة – كانت تصرفاته تزيد شكوك الناس حوله أكثر وأكثر، لأنه لم يخفِ أى شيء معه، وأى سيارة يشتريها تجدها أمام بيته فى يومها، وفى أبهى صورة، والمارة ينظرون إلى البيت غير مصدقين بما أصبح عليه أهله بعد هذا الغنى الذي بات عليه ابنهم.

وشائعة الآثار بالفعل، تداولها الناس حتى صدقوها، وتأكيده عليها مرات أوهمهم بذلك، وكما توقع، بدأت الناس لا تتكلم عنه، وبدأ الوضع طبيعيًا دون أى شكوك أو مخاوف، واستمر على هذا الوضع أيامًا جرت فى ذيلها أيام، حتى جاء اليوم الموعود!

كان يخيم على القرية هدوء تام، لكن قطع هذا الهدوء صوت سيارات الشرطة وهى تدخل القرية متوجهة إلى بيت «شعبان»، ولم يكن وقتها موجودًا فى بيته، وبدأ الوضع يزداد قلقًا، وانتقل هذا القلق من أهله حتى جميع أهالي القرية.

لكن إن سألت عن الصدمة فسيقولون لك أنها ليست فى دخول الشرطة بيته والبحث عنه، بل عندما عرف الناس حقيقة تلك الأموال، وهى أنها أموال كان يأخذها من الناس بحجة توظيفها مقابل فوائد شهرية، بمعنى متعارف عليه، مستريح.

تلك الحقيقة صدمت الجميع لأكثر من سبب، وهو أنه ليس هناك واحد فى قريته سبق وأعطى له أموالا كي يأخذ عليه فوائد شهرية، وتيقنوا من أن وراء ذلك محاولات «شعبان» المستمية لمنع الشبهات تحوم حوله، وهذا ما جعله يرضى بشائعة الآثار ويتخذ منها مخرجًا عن أى سؤال يُسأل فيه عن مصدر تلك الأموال التى نزلت عليه فجأة هكذا.

أهله فى كرب، وأهالي البلد جميعهم فى كرب، و»شعبان» مختفى، وهواتفه مغلقة، ولا أحد يعرف أين ذهب وأين طريقه، وكأن الأرض انشقت وابتلعته.

من خلال التحقيقات والتحريات التى قام بها مركز شرطة العدوة تبين أن حجم المبالغ التى أخذها «شعبان» من ضحاياه الطماعين بلغت ما يزيد عن 5 ملايين ونصف المليون جنيه، وأن تلك الأموال التى كانت معه ويصرف منها كما يحلو له هى تلك الأموال التى كان يأخذها من الناس.

إلى هنا القضية طبيعية جدًا، كالكثير من تلك القضايا المعروفة والمنتشرة عن المستريحين وتقبض عليهم الشرطة باستمرار، والذي يقع اللوم الأكبر فيها على الضحايا، واعتقادهم غير الصحيح بأن الارباح التي ستأتيهم من هذا الرجل أضعاف ما سيأخذونه من البنوك؛ لكن ما نود أن نلفت إليه النظر أن تلك الواقعة تحديدًا كشفت عن جزء كبير من حجم المعاناة التى يعيش فيها أهل المستريح بعد كشف هويته وملاحقته أمنيًا والقبض عليه؛ فأسرة «شعبان» بعد أن عرفوا مصدر تلك الأموال وفيما كان يعمل ابنهم أصبحوا الآن يعانون الأمرين، إلى الحد الذي وصل بهم إلى بيع ما يمتلكون من أراضى وعقارات لسداد أموال الناس الذين أصبحوا يطالبون بها كل صباح ومساء، حتى وصل بهم الأمر إلى أنهم عجزوا عن دفع أى أموال أخرى بعد أن تركهم «شعبان» – كما يقولون – «على الحديدة.

لكن الضحايا أو الطماعين، والذي أخذ شعبان منهم كل تلك الأموال لم يجدوا أمامهم وهذا قمة السوء إلا أهله، وعليه تعرضوا مرات ومرات لأمه وأبيه وإخوته وأطفاله، مرات بالتهديد تليفونيًا سواء بالخطف أو القتل إن هم رفضوا إعطائهم تلك الأموال، مما جعل الأهل يعيشون فترة مرعبة، ومخيفة، ظاهرها البكاء والنحيب، وباطنها الحسرة والكسرة وقلة الحيلة.

وفى كل ما يعانون وما يتكبدون من هذه المذلة يومًا بعد آخر لم يرق قلب «شعبان» ويسلم نفسه ويرد أموال الناس إليهم وينقذ أسرته من هذا المصير الذي بات يلاحقهم كل دقيقة.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل