المحتوى الرئيسى

شخصيات إسلامية معاصرة :إبــن حــزم

12/03 10:33

فى‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬الأربعين،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحتفل‭ ‬الإمام‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬حزم‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬هنأه‭ ‬المعتضد‭ ‬بن‭ ‬عباد‭ ‬أمير‭ ‬إشبيلية‭ ‬على‭ ‬طريقته،‭ ‬وبعث‭ ‬له‭ ‬جنوده‭ ‬يقتحمون‭ ‬داره‭ ‬ينفذون‭ ‬بحقه‭ ‬الحكم‭ ‬بهدم‭ ‬منزله،‭ ‬ومصادرة‭ ‬أمواله‭ ‬وإحراق‭ ‬كتبه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬الملتاعتين‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬المآسى‭ ‬التى‭ ‬كرت‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬مُلك‭ ‬عائلته‭ ‬فى‭ ‬التداعى،‭  ‬توفى‭ ‬والده‭ ‬ثم‭ ‬أخاه‭ ‬ثم‭ ‬زوجته،‭ ‬وأصابه‭ ‬مرض‭ ‬بطحاله‭ ‬أورثه‭ ‬آلاما‭ ‬جمة‭ ‬غيرت‭ ‬من‭ ‬طباعه‭ ‬الأليفة‭ ‬وجعلته‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭ ‬حتى‭ ‬قيل‭ ‬بحقه‭: ‬‮«‬سيف‭ ‬الحجاج‭ ‬ولسان‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬شقيقان‮»‬‭.‬

وأخيرا،‭ ‬اكتمل‭ ‬عقد‭ ‬الهم‭ ‬بنجاح‭ ‬أعدائه‭ ‬فى‭ ‬تأليب‭ ‬الحاكم‭ ‬عليه‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬عقابية‭ ‬بحقه،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬أشنعها‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬كومة‭ ‬الكتب‭ ‬الضخمة‭ ‬التى‭ ‬أفنى‭ ‬عمره‭ ‬وعصر‭ ‬عقله‭ ‬فى‭ ‬كتابتها‭ ‬ورأها‭ ‬تحترق‭ ‬أمام‭ ‬عينه،‭ ‬فأنشد‭ ‬متألما‭:‬

وإن‭ ‬تحرقوا‭ ‬القرطاس،‭ ‬لا‭ ‬تحرقوا‭ ‬الذى‭.. ‬تضمنه‭ ‬القرطاس‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬صدري

يسير‭ ‬معى‭ ‬حيث‭ ‬استقلت‭ ‬ركائبى‭.. ‬وينزل‭ ‬إن‭ ‬أنزل‭ ‬ويدفن‭ ‬فى‭ ‬قبري

أموى‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف

هو‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬حزم‭ ‬بن‭ ‬غالب‭ ‬بن‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬خلف‭ ‬بن‭ ‬معدان‭ ‬بن‭ ‬سفيان‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭ ‬القرطبى‭ ‬الأندلسى‭ ‬الظاهرى،‭  ‬الإمام‭ ‬الفقيه،‭ ‬والأديب‭ ‬الشاعر،‭ ‬والعالم‭ ‬الفيلسوف،‭ ‬سليل‭ ‬الأسرة‭ ‬الأقدم‭ ‬إسلاما‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الأندلس،‭ ‬التحق‭ ‬أجداده‭ ‬بخدمة‭ ‬آل‭ ‬أمية‭ ‬مبكرا،‭ ‬فجده‭ ‬الأقصى‭ ‬هو‭ ‬يزيد،‭ ‬كان‭ ‬مولى‭ ‬ليزيد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬سفيان‭ ‬بن‭ ‬حرب‭ ‬الأموى،‭  ‬أما‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬الأندلس‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬خلف‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬بصحبة‭ ‬جيش‭ ‬الأمير‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الداخل‭.‬

شب‭ ‬آل‭ ‬حزم‭ ‬على‭ ‬طاعة‭ ‬وخدمة‭ ‬بنى‭ ‬أمية،‭ ‬وعاشوا‭ ‬فى‭ ‬كنفهم‭ ‬ببلاد‭ ‬الفرنجة،‭ ‬وظلوا‭ ‬على‭ ‬تماس‭ ‬معهم‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬أحفاد‭ ‬‮«‬خلف‮»‬‭ ‬من‭ ‬أكابر‭ ‬الأندلس،‭ ‬وباتوا‭ ‬أهل‭ ‬قُربى‭ ‬وصلة،سكنوا‭ ‬القصور‭ ‬وتولوا‭ ‬أكبر‭ ‬مناصب‭ ‬الوزارة‭ ‬والقضاء‭.‬

فى‭ ‬أواخر‭ ‬العصر‭ ‬الذهبى،‭  ‬وُلد‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬فى‭ ‬قرطبة‭ ‬30‭ ‬رمضان‭ ‬384هـ،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬تستعد‭ ‬للسقوط‭ ‬فى‭ ‬تشرذمات‭ ‬حقبة‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف‭ (‬399‭ ‬–‭ ‬478هـ‭)‬،‭ ‬عاش‭ ‬شطرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬فى‭ ‬قصر‭ ‬أبيه‭ ‬الوزير‭ ‬المقرب‭ ‬عند‭ ‬الخليفة‭ ‬المنصور‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬عامر،‭ ‬ثم‭ ‬ابنه‭ ‬المظفر‭ ‬وأخيه‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬ونشأ‭ ‬فى‭ ‬بحبوحة‭ ‬من‭ ‬العيش،‭ ‬أمنت‭ ‬له‭ ‬يُسر‭ ‬تلقى‭ ‬العلم‭ ‬فحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬فى‭ ‬دار‭ ‬أبيه،‭ ‬وتلقى‭ ‬مختلف‭ ‬الدروس‭ ‬فى‭ ‬مكتبته‭ ‬بالغة‭ ‬النفاسة،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬شيوخ‭ ‬تأثر‭ ‬بهم‭ ‬كل‭ ‬التأثر‭ ‬فى‭ ‬التفسير‭ ‬والحديث‭ ‬والفقه‭ ‬المالكى‭ ‬والأصول‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مريدا‭ ‬لمجالس‭ ‬العلم‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬يستضيفها‭ ‬ويحضرها‭ ‬العلماء‭ ‬والشعراء‭.‬

بزغت‭ ‬شخصيته‭ ‬تتألق‭ ‬عالما‭ ‬ناشئا‭ ‬يُبشر‭ ‬بموسوعية‭ ‬ومستقبل‭ ‬زاهر،‭ ‬فشب‭ ‬وله‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬واللغة‭ ‬والبلاغة‭ ‬والأدب‭ ‬بفضل‭ ‬التنشئة‭ ‬الناعمة‭ ‬والرعاية‭ ‬المرهفة‭ ‬اللتين‭ ‬تلقاهما‭ ‬فى‭ ‬صغره،‭ ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬لباجى‭ ‬أحد‭ ‬فقهاء‭ ‬الأندلس،‭ ‬يوما‭: ‬‮«‬إنك‭ ‬نلت‭ ‬العلم‭ ‬وأنت‭ ‬تسهر‭ ‬بمشكاة‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬وأنا‭ ‬أسهر‭ ‬بقنديل‭ ‬بائتا‭ ‬بالسوق‮»‬‭.‬

تقلد‭ ‬أبوه‭ ‬الوزارة‭ ‬فى‭ ‬أضعف‭ ‬فترات‭ ‬حُكم‭ ‬الأمويين،‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬حكمه‭ ‬طويلا،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬أُبعد‭ ‬والده‭ ‬عن‭ ‬منصبه‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬المهدى،‭  ‬وبعد‭ ‬اغتيال‭ ‬الأخير‭ ‬امتُحن‭ ‬بالاعتقال‭ ‬والسجن‭ ‬والتغريب‭ ‬ومصادرة‭ ‬الأموال،‭ ‬حتى‭ ‬مات‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الشدة‭ ‬سنة‭ ‬402هـ،‭ ‬وفى‭ ‬العام‭ ‬الذى‭ ‬يليه‭ ‬توفيت‭ ‬زوجة‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬التى‭ ‬قال‭ ‬عنها‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬أمنية‭ ‬المتمنى،‭  ‬وغاية‭ ‬الحسن‭ ‬خُلقا‭ ‬وخلقا،‭ ‬وموافقة‭ ‬لى،‭  ‬وكنت‭ ‬أبا‭ ‬عذرها،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬تكافأنا‭ ‬الود،‭ ‬ففجعتنى‭ ‬بها‭ ‬الأقدار،‭ ‬واخترمتها‭ ‬الليالى‭ ‬ومر‭ ‬النهار،‭ ‬وصارت‭ ‬ثالثة‭ ‬التراب‭ ‬والأحجار‮»‬‭.‬

قرر‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬أن‭ ‬ينصرف‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬السياسة‭ ‬بالكلية‭ ‬إلى‭ ‬العلم،‭ ‬ليعوضه‭ ‬عن‭ ‬ضياع‭ ‬منصب‭ ‬الوزارة،‭ ‬فأخذ‭ ‬يدرس‭ ‬الحديث‭ ‬والفقه‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬فيهما‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭.‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل