«بلوغ».. قفزة سعودية في فكر المرأة خلف الكاميرا وأمامها

«بلوغ».. قفزة سعودية في فكر المرأة خلف الكاميرا وأمامها

منذ سنتين

«بلوغ».. قفزة سعودية في فكر المرأة خلف الكاميرا وأمامها

أهم ما يميز تجربة الفيلم السعودى «بلوغ» هو القفزة الحقيقية فى فكر المرأة سواء خلف الكاميرا أو أمامها، تخطى مرحلة ما، نضوج إصرار على الحلم، تواجد مبشر فى المشهد العام لصورة السينما السعودية وما تعكسه من أفكار وقضايا ورؤى ولغة فنية تلقائية وعفوية مما يمنحها مزيدا من الصدق، وهو ما ظهر بالفعل فى تلك التجربة الخاصة بفيلم «بلوغ» التى قدمتها خمس مخرجات لكل واحدة منهن إحساس خاص فى طرحها وأسلوبها وهن سارة مسفر، جواهر العامرى، نور الأمير، هند الفهاد، وفاطمة البنوى.\nالفيلم الذى يمكن وصفه بالنسائى غزل دراما خمس حكايات نسوية تستعرض حالات مختلفة، تشكل كل منها فيلما قصيرا نسائى الكتابة والإخراج، تستعرض حالات مختلفة ومتباينة، تستكشف العمق الإنسانى تحت وطأة المعاناة والأسرار والقلق والخوف، لكن هناك خيطا كبيرا يربط البطلات وهو التمرد بشكل ما فى صور غير مفتعلة تتلمس خطواتها الأولى نحو لغة ومشاعر وصلت فى وجدان المتلقى.\nالفيلم الأول وهو بعنوان «كريمة سمية» كتابة وإخراج نور الأمير، يصور مشكلة إجبار الفتيات على الزواج، فيه لا نرى الفتاة، فقط نرى عرسها وفرحة الأم ورقصها، بينما لا تدرى شيئا عن بنتها، فكل شىء مجهز فى ليلتها عبر سرده التقليدى البسيط عن تلك الحالة المتناقضة بين الأم وابنتها.\nفيما قدمت المخرجة سارة مسفر، عملها «الضباح» وهو صوت الأرنب وصاغ علاقة خاصة بين أم بابنتها وباقى أسرة فى أداء تمثيلى هائل وصورة مدهشة لمخرجة لديها نضج ووعى كبير، فى الفيلم نجد حالة بها الكثير من الواقعية فى تفاصيل الصورة وتلقائية البطلة الأم المعيلة تحمل همَ هذا البيت، تعمل فى محل كوافير نسائى، ونرى استعراضا لحياتها المرهقة.\nالرؤية الثالثة شاهدناها فى فيلم «حتى نرى النور» كتابة وإخراج فاطمة البنوى، وهو يشير لمخرجة جيدة لديها مفرداتها وهى تطرح موضوعا شديد البساطة وفق حالة حية لطيفة ظهرت كثيرا فى أداء كل من الأم والابن، وربما إتقانها التمثيل كان وراء تميز ذلك الأداء، مع لقطات الكاميرا وحركتها السردية الجذابة، هو لقطة بسيطة لأول أيام يوم دراسى لطفل لأم مطلقة، تصطحب ابنها بالسيارة، لقطات لموقف عابر، لكنه كشف عالم هذه المرأة وعلاقتها بابنها، وكيف يضيفان لبعضهما لتخفيف عبء مفاجآت الحياة، برمزية انسداد طريق خروج السيارة، فى سياق داعم للتفاؤل والطاقة الإيجابية.\nنتتبع الفيلم الرابع «المرخ الأخير» ويعنى العلاج بالتدليك كمعالجة شعبية، كتابة منال العوبيل وإخراج هند الفهاد، ليشكل حالة درامية مدهشة فنيا وتوازنا، الفيلم يربط بين عالمى الماضى التراثى الفطرى متمثلا فى «أم إبراهيم» المرأة المسنة المداوية بالطب العربى والأعشاب، وعالم الحاضر المتطور حضاريا وعلميا من خلال «مها» الصيدلانية الحاصلة على ماجستير فى الأعشاب، التى تأخر حملها، لتتعامل بتشكك مع أم إبراهيم، يضيفان لبعضهما ويتبادلان الأدوار، تقتربان من بعضهما بشكل يتيح التعرف على ما وراء نفسيتيهما، الفيلم قطعاته المونتاجية جيدة وبه سرد شاعرى، مع أداء ملفت من بطلة الفيلم من أدت دور «أم إبراهيم».\nويدور عالم الفيلم الخامس والأخير «مجالسة الكون» كتابة نورة المولد وإخراج جواهر العامرى، حول قصة تدقق فى حياة بنت عندها عشر سنوات وكيف بلغت وايه اللى يؤثر عليها، فى لوكيشن واحد، فهناك حوار بين فتاة فى ضيافة خالتها، تفاجئها لحظة تحولها من الطفولة للأنوثة، ببلوغها، تتعامل مع سنها وتطلعها الأنثوى كالتزين والماكياج بطفولة كالحلم، بينما تبدو عبارات الخالة والمشاهدة المتخيلة للأم عوامل تشويش حولها كالكوابيس، سواء عبارات الأم التقليدية بالتخويف من هذه المرحلة وتداعياتها، أو حتى كلمات الخالة المتمردة المتناقضة مع الأم، كلاهما يفقدانها السلام والطبيعية، لكنها تظل كما بدأت فى لعبتها الحالمة.\nيبقى «بلوغ» الذى دعمه بقوة مهرجان البحر الأحمر، رمزية لبلوغ الشىء، وأنه عبارة عن محاكاة ساخرة لكيفية وضع أنفسنا فى مواقف حياتية، سواء بشكل إرادى أو غير إرادى ولا تتحيز للمرأة بل للإنسان.. لمسنا كيف نعرف ونكتشف أنفسنا.. تجمع الأفلام جميعا الحالة النسائية أداء وموضوعا وكتابة وإخراجا، حالة من البساطة فى الفكرة، ومحاولة تجنب المباشرة فى الكتابة تصور نساء مستقلات أو يسعين لذلك، وخطابا ضمنيا متمردا، مع أساليب إخراجية مختلفة، بعضها ما زالت ضمن النسق التقليدى وبعضها حاول الإفلات لما بعد الحداثة كالفيلم الثانى لكنها تبقى تجارب من المهم تتبعها ورصدها فى هذه المرحلة الأكثر انفتاحا للسينما السعودية عامة والنسائية منها خاصة.

الخبر من المصدر