المحتوى الرئيسى

كيف أصبحت تايوان أخطر مكان على وجه الأرض

12/02 21:12

وصفت مجلة «إيكونوميست» (The Economist) البريطانية الشهيرة فى يوليو الماضى تايوان بأنها «أخطر مكان على وجه الأرض»، لما تمثله من معضلة كبيرة للصين وللولايات المتحدة معا.

وتبعد جزيرة تايوان عن الأراضى الصينية بأقل من 200 كيلومتر، وتعتبرها بكين مقاطعة منشقة يجب عودتها للبيت الصينى الواحد، فى حين تُدعم واشنطن تايوان عسكريا وتمدها بأحدث ما لديها من أسلحة لردع الصين.

وخلال الأشهر الماضية، لا يمر أسبوع دون أن ترسل بكين عشرات الطائرات العسكرية إلى منطقة الدفاع الجوى المحاذية للمجال الجوى لتايوان، وقال الرئيس الصينى شى جين بينج قبل أشهر إنه سيكمل «المهمة التاريخية» المتمثلة فى إعادة توحيد الجزيرة مع الصين، «بالطرق السلمية»، إلا أن شى رفض فى وقت سابق استبعاد القيام بعمل عسكرى.

وبسبب التوترات المرتبطة بتايوان التى تضاعفت عقب توتر العلاقات المستمر بين واشنطن وبكين، يخشى كثير من المراقبين سيناريو كارثيا يتمثل فى غزو الصين للجزيرة، واضطرار الولايات المتحدة للتدخل، وهو ما يهدد بإشعال حرب بين القوتين الكبريين فى عالم اليوم، وهو سيناريو يصعب معه تخيل وجود طرف منتصر فى نهايته حيث لحرب بينهما أن تفنى البشرية.

ويجرى البنتاجون كثيرا من المناورات العسكرية التى تحاكى القتال مع الصين، بخاصة مع إيمان أغلب المحللين والباحثين فى واشنطن أن غزو الصين لتايوان ما هو إلا مسألة وقت، ويترك ذلك التحرك حال حدوثه متخذ القرار فى البيت الأبيض أمام خيارات مصيرية، فقد تعهدت واشنطن بدخول الحرب إذا أقدمت الصين على ضمّ تايوان بالقوة المسلحة. ومن جانبها يحاكى الجيش الصينى باستمرار هجمات تُشن على حاملات طائرات أمريكية.

وخلال جلسة استماع أمام لجنة فى مجلس الشيوخ الأمريكى، حذر الأدميرال الأمريكى فيليب ديفيدسون من احتمال غزو الجيش الصينى تايوان. وكان ديفيدسون، قائد القوات الأمريكية فى منطقة المحيطين الهندى والهادى، قد توقع أن الصين قد تغزو تايوان فى غضون 6 سنوات، وأشار إلى خشيته من أن يكون الصينيون بصدد تسريع مشروعهم الرامى للحلول محل الولايات المتحدة بصفتها أكبر قوة عسكرية فى تلك المنطقة.

من هنا تضع الإدارات الأمريكية المتعاقبة مواجهة الصين فى قلب أجندتها السياسية والاستراتيجية، بوصفها التحدى الأكبر فى هذه الحقبة. وجاء الإعلان عن الاتفاق الأمنى الثلاثى الذى يجمع بين واشنطن ولندن وكانبيرا، وما سبقه من تكتل رباعى تقوده الولايات المتحدة مع اليابان والهند وأستراليا، ليدفع الصين إلى اتهام الولايات المتحدة مجددا بشن حرب باردة جديدة عليها.

ويرى الصينيون أن بلادهم محاصرة بهلال عسكرى أمريكى من الشرق والجنوب. ويتوقع كثير من الخبراء أنه مع الزيادة الضخمة فى حجم الاقتصاد الصينى وتراكم الثروة، ستتجه الصين إلى توسيع قدراتها العسكرية وستبدأ بمحاولات الهيمنة على جيرانها أولا.

ولأكثر من 7 عقود، هدد الحزب الشيوعى الصينى بغزو تايوان، وتتزايد الآن المخاوف بين المحللين والمسئولين والمستثمرين من تنفيذ الحزب تهديده خلال السنوات القليلة المقبلة.

وعلى مدى 30 عاما بعد استيلاء الحزب الشيوعى على السلطة فى الصين عقب حرب أهلية مع منافسه الحزب القومى، لم تعترف واشنطن به بوصفه حكومة شرعية للصين، وبدلا من ذلك، كان لها سفارة فى تايبيه، حيث أقامت بقايا جمهورية الصين ــ التى كان يديرها القوميون ــ دولة بعد فرارهم إلى تايوان عام 1949.

ومع التحولات الجيواستراتيجية فى سبعينيات القرن العشرين، أرست واشنطن وبكين الأساس للتقارب بينهما لمواجهة الاتحاد السوفييتى. وفى بداية عام 1979، اعترفت الولايات المتحدة اعترافا دبلوماسيا رسميا بجمهورية الصين الشعبية التى يديرها الشيوعيون، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع تايوان، لكنها احتفظت بعلاقات قوية ومتينة معها.

وبذلك اعترفت واشنطن بجمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة القانونية الوحيدة للصين، كما اعترفت بموقف بكين من أنه لا توجد سوى صين واحدة وأن تايوان جزء منها.

غير أن الولايات المتحدة لم تؤيد مطلقا ادعاء الحزب الشيوعى بأن جمهورية الصين الشعبية تتمتع بالسيادة على تايوان، ويعرف هذا باسم «سياسة الصين الواحدة»، وتعتبر بكين الجزيرة التى تضم نحو 24 مليون نسمة مقاطعة ضالة يجب إعادتها إلى الحظيرة، ويفضل أن يكون ذلك بطرق سلمية، أو بالقوة إذا لزم الأمر.

وترى الكثير من المدارس الفكرية استحالة قيام نزاع عسكرى بين الصين والولايات المتحدة اعتمادا على حجم وكثافة العلاقات التجارية والاقتصادية التى تخطت قيمتها 700 مليار دولار العام الماضى، إضافة إلى امتلاك الطرفين أسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات.

لكن هذه المدارس تتجاهل التجارب التاريخية التى كشفت أن ضخامة العلاقات التجارية والاقتصادية بين ألمانيا وبريطانيا وبقية جيرانها قبل الحرب العالمية الثانية لم تمنع من دخول الحرب. فالاعتماد المتبادل فى الجانب التجارى والاقتصادى ليس كفيلا بضمان السلام، فالسياسة هى من يحرك الاقتصاد وليس العكس.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل