المحتوى الرئيسى

مصر وإفريقيا والكوميسا أيضًا! | المصري اليوم

11/30 10:30

قبل أسبوع انعقدت قمة «الكوميسا»- اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الإفريقى- وتولت مصر قيادة المنظمة خلال السنوات الثلاث القادمة. القمة فتحت الباب على مصراعيه لمناقشة العلاقات المصرية سواء على مستوى التفكير السياسى أو حتى فى الدوائر السياسية والإعلامية. وبالتأكيد فإن إفريقيا كانت حاضرة فى التفكير المصرى بإلحاح خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت النقطة فارقة مع تولى الرئيس السيسى رئاسة الاتحاد الإفريقى، ثم بعد ذلك بعد أن توالت تطورات التعقد فى العلاقات المصرية- الإثيوبية بخصوص سد النهضة الإثيوبية، وما توالت عليه من مفاوضات وأحداث حتى وصلنا إلى الأوضاع الراهنة، بما فيها التغيرات الجارية فى إثيوبيا ذاتها. ولم يكن المحيط الإفريقى حول قضية السد ساكنا، بل كان متفاعلا بشدة، وسط حرب أهلية إثيوبية وفوران كاسح بالعنف الإرهابى فى القرن الإفريقى والصومال فى قلبه، وعندما تدخلت إريتريا فى الحرب الإثيوبية اختلط الأمر كله فى شكل حرب إقليمية إضافية. وعندما جرت الأزمة السياسية فى السودان مؤخرا بدت الحدود الجنوبية لمصر تشاهد اضطرابات كثيرة وقلقا كبيرا. لم يكن ذلك معتادا على هذه الجبهة خلال فترة طويلة سابقة، فقد كانت العلاقات مع السودان تسير فى إطار الزمالة التاريخية، ومع إثيوبيا كانت وهى إمبراطورية متزنة، وعندما ألم بها الزمن الثورى كان الفوران بعيدا حتى انقلبت الثورة إلى فورة مع وصول آبى أحمد إلى الحكم وما بقى بعد ذلك مصير. ولتبيان الصورة فإن الأستاذ محمد حسنين هيكل نشر مقالا تاريخيا فى دورية «الشؤون الخارجية» عام ١٩٦٨، ذائعة الصيت حينئذ، والآن عن «الأمن القومى المصرى» الذى رصد له ثلاثة أنواع من التهديد: أولها من الشمال حيث جاء اليونانيون والرومان والصليبيون، ومن الشمال الشرقى حيث جاء الحيثيون والهكسوس والعثمانيون والإسرائيليون، ومن الجنوب حيث تواجد توازن قوى تاريخى بين مصر وجيرانها كان كافيا لكى يقى مصر العدوان. هذا التوازن للأسف اختل مع ثورة يناير ٢٠١١ التى استغلتها إثيوبيا فى بدء بناء السد ونشوب أزمة المياه مع مصر والسودان.

من المسؤول عن قضية المناخ يا ترى؟!

والحقيقة أن مصر لم تكن تعتمد فى علاقاتها الإفريقية على توازن القوى، وإنما سعت دوما إلى خلق شراكات إفريقية متعددة بدأت بالشراكة فى مكافحة الاستعمار، وباتت القاهرة القلعة التى يأتى لها المناضلون الأفارقة للتزود من نضالها التحررى بالمساندة والعون. وبعد الاستقلال الذى جاء لمعظم الدول الإفريقية حول عام ١٩٦٠، فإنه لم يمض وقت طويل حتى تم التشارك مع الدول الإفريقية فى إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية التى مع «العولمة» والتغيرات العالمية أصبحت تأخذ الاتحاد الأوروبى نموذجا لها فكان الاتحاد الإفريقى. وفى اتجاه مواز من الاستلهام فى القمة الإفريقية فى أبوجا عام ١٩٩١ جرى الاتفاق على إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية. وكان قد سبقها فى عام ١٩٨١ التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة التفضيلية التى ترفع الحواجز والرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، ودخلت إلى حيز التنفيذ عام ١٩٨٢، وكانت المعضلة القائمة فى وجه هذا الاتفاق أن اقتصاديات الدول الإفريقية لم يكن لديها الكثير الذى تتبادله فيما بينها. ولبث الروح فى هذه الاتفاقية، وربما لأخذها خطوات إلى الأمام، جرى الاتفاق فى ١٩٩٤ على إقامة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا أو كوميسا لكى تحل محل الاتفاقية المذكورة.

الملاحظ هنا أن مصر لم تنضم إلى اتفاقية الكوميسا إلا فى عام ١٩٩٨، وهو ما يعكس حالة من فقدان الحماس المصرى من ناحية، والتأثيرات السلبية لمحاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك فى أديس أبابا عام ١٩٩٥ من ناحية أخرى، وربما من ناحية ثالثة أن تركيز السياسة الخارجية المصرية بعد انتهاء الحرب الباردة أخذ اتجاها مشرقيا عربيا يدور حول عملية السلام العربية الإسرائيلية وقضية الأمن الإقليمى فى الخليج. واحتاج الأمر قرابة عقدين من السنوات حتى تولى الرئيس السيسى رئاسة الجمهورية، حيث كانت أولى زياراته الخارجية فى الطريق إلى المشاركة فى قمة إفريقية، ومن بعدها أخذ البعد الإفريقى فى السياسة الخارجية المصرية اتجاها يعكس الواقع السياسى الداخلى فى مصر، حيث «التنمية» تأخذ مقدمة الصفوف فى الساحة المصرية. وخلال رئاسته الاتحاد الإفريقى أخذت مصر توجها تعاونيا على جبهات استثمارية وتنموية عدة، وجاء إعلان المبادئ فى فبراير ٢٠١٥ مع السودان وإثيوبيا عاكسا لهذا التوجه، حيث قام ليس فقط على التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث لحل معضلات سد النهضة وتنظيم عمله، وإنما أكثر من ذلك التعاون فيما بينها لدعم التنمية فى البلدان الثلاثة والدول المجاورة أيضا.

وإذا كانت السياسة الخارجية هى الامتداد الطبيعى للسياسات الداخلية للدول، فإن النهج السياسى الداخلى لمصر يقوم على تنفيذ رؤية ٢٠٣٠ التنموية بكافة توجهاتها نحو تنمية الإقليم المصرى كله البالغ مليون كيلومتر مربع، ويقطنه ما يقارب ١١٠ ملايين نسمة. وفى هذا الصدد فإن اللحظة الإفريقية الحالية مواتية تماما للحالة المصرية التى جعلت من الأمن المائى لمصر جزءا أصيلا من الأمن القومى المصرى بكل ما يعنيه ذلك من حسابات واستعدادات. وعندما تتولى مصر رئاسة «الكوميسا» فإنها تصبح أمام فرصة كبيرة لدعم عمليات التنمية المصرية، حيث يبلغ عدد سكان الدول الأعضاء فى المنظمة ٤٠٠ مليون نسمة تقريبا، وهى تمثل سوقا رحبة لإحدى وعشرين دولة جميعها تسعى للتنمية الاقتصادية. وللعلم فإن حجم التبادل التجارى بين مصر والكوميسا يبلغ ٣ مليارات دولار (٢٠٢١)، حيث حققت مصر فائضا تجاريا قدره ١.٤ مليار فى العام ٢٠٢٠، وزادت صادراتها ووارداتها أيضا بشكل مضطرد خلال العامين السابقين. وتبلغ الصادرات المصرية نحو ٤٥٪ من إجمالى صادراتها الإفريقية، وهى الصادرات التى يمكن زيادتها نتيجة تطبيق دول المنظمة إعفاءات جمركية بالكامل، نتيجة تواجدها فى منطقة للتجارة الحرة فيما عدا إثيوبيا التى تقوم بتطبيق ١٠٪ تخفيضًا على الرسوم الجمركية، بينما تطبق إريتريا ٨٠٪، ولا تطبق الصومال والكونغو الديمقراطية أى تخفيضات، بينما تحتفظ أوغندا بقائمة من السلع الحساسة التى لا تطبق بشأنها تخفيضات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل