كيف تتجسد براعة السعوديات في فن "القط العسيري"؟ - BBC News عربي

كيف تتجسد براعة السعوديات في فن "القط العسيري"؟ - BBC News عربي

منذ سنتين

كيف تتجسد براعة السعوديات في فن "القط العسيري"؟ - BBC News عربي

صدر الصورة، Eric Lafforgue/Alamy\nفي منطقة عسير الجبلية النائية، يمكن رؤية براعة المرأة في شكل فني عمره 200 عام ينتقل من الأمهات إلى بناتهن.\nلو مشيت في قرية رجال ألمع التراثية في قلب منطقة عسير في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، فستلاحظ على الفور مدى اختلاف هذه المنطقة النائية عن بقية البلاد. فبدلاً من المناظر الطبيعية الصحراوية أحادية اللون، هناك ألوان في كل مكان، بدءا من الجبال الخضراء التي تحيط بالقرية وصولا إلى أكاليل الزهور ذات الألوان الزاهية التي يرتديها الرجال على رؤوسهم.\nوحتى أواخر القرن العشرين، كانت القبائل المتمتعة بالحكم الذاتي تعيش في "قرى معلقة" عبر عسير - مستوطنات في المرتفعات الوعرة التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق سلالم الحبال.\nلقد أدت التضاريس القاسية، والعزلة الجغرافية، وصعوبة الوصول إلى الموارد، إلى ولادة ثقافة فريدة من نوعها قائمة على الاكتفاء الذاتي لا يعرفها العالم الخارجي كثيرا.\nتقع قرية رجال ألمع، التي تعود إلى القرن العاشر، على أرض خضراء شديدة الانحدار، وهي عبارة عن مجموعة من حوالي 60 قلعة حجرية يبلغ ارتفاعها حوالي 20 مترًا.\nوكانت هذه القرية المعلقة ذات يوم مركزًا تجاريًا بين اليمن والحجاز (ومتصلة ببلاد الشام عن طريق البحر الأحمر)، وهي الآن منطقة جذب سياحي ووجهة صيفية شهيرة للسكان المحليين عندما تصل درجات الحرارة في باقي أنحاء المملكة العربية السعودية إلى 40 درجة مئوية.\nوخلال موسم الذروة، يمكن للزوار الاستمتاع بعروض الرقص التقليدية وعرض ضوئي عن تاريخ المنطقة وأسواق الحرف اليدوية المحلية.\nويمكن للزوار أيضًا أن يستمتعوا بفن تعود أصوله إلى 200 عام ويعد محوريا لهوية النساء في منطقة عسير، وهو فن القط العسيري.\nوبينما بنى الرجال منازل تشبه ناطحات السحاب وتبدو نموذجية للمنطقة (واليمن المجاور)، يمكن رؤية براعة المرأة داخل المنازل، وعلى مداخل السلالم والجدران الداخلية للمجالس (غرف الضيوف) المزينة بتصميمات هندسية ملونة.\nصدر الصورة، Frizi/Getty Images\nكانت قرية رجال ألمع، التي أصبحت الآن قرية تراثية، مركزًا تجاريًا إقليميًا بين اليمن والحجاز\nتابوهات المراهقة، من تقديم كريمة كواح و إعداد ميس باقي.\n\nأما فن القط العسيري فهو عملية إبداعية تنتقل من جيل إلى آخر من النساء، وتتضمن رسم أشكال معقدة مثل المثلثات والمربعات والماس والنقط باستخدام خطوط متقاطعة سوداء مثبتة على جدران الجبس البيضاء.\nوهذه الأشكال - التي تشبه التصميمات التي يمكن رؤيتها في ثقافات مختلفة في الهند وشمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية - تُلون بعد ذلك بدهانات خضراء زاهية وصفراء وبرتقالية، والتي كانت تُصنع تقليديًا من الموارد الأصلية - الجبال والأشجار والزهور - بمنطقة عسير.\nوتصنع عفاف القحطاني، فنانة ومعلمة محلية، جداريات القط على القماش وتعرضها في المعارض العالمية، بما في ذلك معرض إكسبو 2020 في دبي.\nوفي الاستوديو الخاص بها، الواقع في محافظة سراة عبيدة، على بُعد حوالي 140 كيلومترًا شمال قرية رجال ألمع، تُزين تصميمات القط الجدران بأنماط متقنة من المثلثات الحمراء المقلوبة والخطوط الأفقية الخضراء السميكة.\nتقول القحطاني: "عندما أرسم فنون القط أجدها متنفسا بعيدا عن التوتر والمشاكل ومضايقات العالم الخارجي".\nوتتذكر القحطاني، التي نشأت محاطة بفن القط، العديد من عماتها وهن يرسمن على جدران منازلهن. لكن في عام 2018، وفي ورشة عمل نظمتها وزارة الثقافة، أتيحت لها الفرصة لإعادة التواصل مع جذورها والتعرف على الأهمية الثقافية الغنية لهذا الشكل من الفنون.\nصدر الصورة، Afaf bin Dajem Al Qahtani\nتقول القحطاني إن الأجيال السابقة من النساء كانت تستخدم الألوان الطبيعية المستخرجة من الأشجار الأصلية والصخور والصمغ النباتي في هذا الفن\nوبينما تستخدم القحطاني الآن الدهانات الاصطناعية والأكريليك، أخبرتني كيف كانت الأجيال السابقة من النساء تستخدم الألوان الطبيعية المستخرجة من الأشجار الأصلية والصخور والصمغ النباتي في هذا الفن. واستخدمت عمتها، مهرة القحطاني، ثلاثة ألوان أساسية هي الأسود والأحمر والأبيض.\nوتقول: "الكربون المنبعث من لهب الشمعة جرى طحنه واستخدامه في رسم الخطوط العريضة للتصميم. أما اللون الأحمر فحصلنا عليه من مصدرين: المشكاة المصنوعة من الصخور الموجودة في جبال عسير؛ والصبغة الحمراء التي جرى الحصول عليها من القرمز على أغصان الأشجار".\nأما اللون الأبيض فصنع من غسيل الحامض المستخرج من الجبس الموجود أيضًا في جبال عسير. وتأتي الألوان الأخرى مثل الأصفر من جذر الكركم أو قشر الرمان، والأخضر من العشب الطازج.\nتقول القحطاني: "مع تطور طرق التجارة، بدأ استيراد اللون النيلي من الهند أو إيران. ومع ظهور الألوان الكيماوية، لجأت النساء إلى استخدام ألوان أحدث في تصميماتهن".\nصدر الصورة، Afaf bin Dajem Al Qahtani\nالفنانة المحلية عفاف القحطاني تصمم جداريات القط التي تعرض في المعارض العالمية\nأما بالنسبة للفرشاة، فقد استخدمت عمتها أغصان المر أو السواك (أغصان سالفادورا بيرسيكا، التي تستخدم على نطاق واسع في البلدان الإسلامية لتنظيف الأسنان).\nتقول القحطاني: "إنهن يمضغن طرف الغصن ويستخدمنه كفرشاة أو يضيفن شعر حيوان إلى طرفه". وللمساحات الأكبر مثل السلالم، تُستخدم قطعة من القماش بدلا من الفرشاة.\nورغم أن لوحات القط تُرسم بطريقة يدوية وعفوية، فإن جميع الفنانات يكررن بعض الأنماط المحددة. الكف، على سبيل المثال، عبارة عن خطوط أفقية تُرسم أسفل الجدار وتستخدم النساء أصابعهن لقياس عرض التصميم. أما البتراء - التي تمتاز بخطوطها العمودية الواسعة والمساحات البيضاء - فتهدف إلى كسر التصميمات المتكررة وجذب انتباه المشاهدين إلى قسم معين من اللوحة الجدارية.\nوللزخارف أسماء مستوحاة من المناظر الطبيعية والحياة في منطقة عسير: بلصانة هو تصميم يشبه الشبكة به نقاط في المنتصف تشير إلى نخالة القمح، وهو محصول أساسي هنا؛ بينما "المحاريب" هو نصف دائرة يستخدم للدلالة على اتجاه مكة.\nتقول جميلة مطر، فنانة وباحثة من مدينة أبها عاصمة عسير، إن رسم القط ليس شيئًا تتعلمه كفن، بل شيء تنشأ معه، وتضيف: "منذ أن كنت طفلة، رأيت جدتي وأمي يفعلان ذلك، إذ كان من الطبيعي والضروري لهما أن تزينان منزلهما وتجعلانه جميلا".\nوفي عيد الفطر، ترحب النساء بالضيوف في مجلسهن الذي جرى تزيينه أو تجديده حديثًا. وتتذكر مطر مساعدة والدتها، قائلة: "كانت ترسم الشكل وتعطيني تعليمات مثل: ضعي اللون الأصفر هنا أو الأزرق هناك".\nوبالإضافة إلى هذا التقليد الذي تتناقله الأمهات إلى البنات من خلال الممارسة والملاحظة، يعتبر فن القط أيضا مصدر فخر للمرأة العسيرية. تقول مطر: "القرويون يقولون فيما بينهم: هذه المرأة أو تلك منزلها جميل جدا!"\nصدر الصورة، Eric Lafforgue/Alamy\nترسم النساء تصميماتهن بألوان طبيعية مستمدة من المناظر الطبيعية\nتعتقد رهاف قصاص، رئيس قسم التراث في الجمعية السعودية للحفاظ على التراث (منظمة غير حكومية تعمل عن كثب مع وزارة الثقافة) أن القط أكثر من مجرد شكل فني، وتقول: "إنها ممارسة اجتماعية تجمع المجتمع معًا، وطريقة تمكن الجدات والأمهات من نقل المعرفة إلى أطفالهن".\nوتضيف: "يمكنك أن تشهد إحساسًا بالفخر في المجتمعات المحلية عندما يرحبن بك في منزل زينه بأنفسهن. هناك الكثير من الحب والشغف في ابتكار هذا الفن، إنه مصدر إلهام".\nوعلى الرغم من إدراج القط على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2017، تشير القحطاني إلى أن حوالي 50 امرأة فقط هن من يمارسن هذا الفن حتى يومنا هذا. وفي محاولة للحفاظ على هذا الشكل الفني، تنظم الهيئات الحكومية ورش عمل تدريبية لتعليم جيل جديد من الفنانات. وفي القطاع الخاص، تقيم الجمعيات التعاونية والأفراد متاحف في منازل أجدادهم وتخبر الزوار بعلاقة عائلاتهم برسامي القط.\nتقول مطر: "نحن فخورون جداً بفن القط لأنه هويتنا. إنه شكل فني نسائي قاد الطريق نحو إنشاء هوية فريدة من نوعها لمنطقة عسير؛ لم يكن الأمر سهلا دائما على النساء".\nوتضيف أنه في السابق ربما كانت الأجيال الشابة تعتبر القط "من الطراز القديم"، لكن هذه الأجيال بدأت تشعر بالفخر تجاه هذا الفن بعد تصنيفه ضمن قائمة اليونسكو للتراث. وتقول وهي تضحك: "لقد صنعوا وشماً وأقنعة للوجه [خلال فترة تفشي كورونا] بتصميمات القط".\nوفي حين تغلغلت بعض المنتجات، مثل الدلة (أواني القهوة العربية) والمباخر والأواني الفخارية ذات تصميمات القط، في الأسواق المحلية، وجدت هذه التصميمات أيضًا طريقها إلى الأزياء الراقية لأنها تعكس الهوية العسيرية والسعودية. وتمتلك كل من "هندام" ، وهي علامة تجارية للملابس الفاخرة، و"تاماشي"، وهي علامة تجارية للأحذية الراقية، خطوط إنتاج لفن القط.\nوبالعودة إلى محافظة سراة عبيدة، توضح القحطاني أن النساء بمنطقة عسير يفتخرن بكل ما ورثنه وبكل الإرث الذي ينقلنه للجيل القادم. وتضيف: "كلمة عسير بالعربية تعني صعب. وكما هو الحال مع المناظر الطبيعية بالمنطقة، تتمتع النساء بالمرونة والإبداع والصبر".\nوتقول: "النساء في منطقة عسير يعشقن الزينة والفن والابتكار، وهذا ليس غريباً، لأن منطقتنا جميلة وملهمة".\nيمكنك قراءة الموضوع الإصلي على BBC Travel\nالمغرب يشتهر بمصفوفاته الشمسية الضخمة والرائدة على مستوى العالم، لكن هذه المشاريع الضخمة هي مجرد بداية للعمل الذي يمكن للمغرب القيام في مجال مكافحة تغير المناخ.\n© سياستنا بخصوص الروابط الخارجية.

الخبر من المصدر