المحتوى الرئيسى

الرقابة على أموال التبرعات حائط صد أمام تمويل الإهارب

11/28 11:12

تقرير يكتبه - عمرو فاروق

 تمكنت الجماعات الأصولية تاريخيًا من السيطرة على مساجد القاهرة، وتقديم نفسها كبديل لوزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر الشريف، من خلال اعتلاء المنابر وتأسيس الجمعيات المعنية بصناعة حملات التبرعات والصدقات وزكاة المال وزكاة الفطر، وإدارة مشاريع الطفل اليتيم والأرامل والفقراء.

غالبية هذه المشاريع لعبت دورًا مزدوجًا في توطين الجماعات الأصولية التي سعت لتقديم نفسها كراعي اجتماعي للطبقات المهمشة، في ظل عجز وتخاذل مؤسسات الدولة عقودًا عن القيام بدورها، فضلاً عن عن وضعهم في دائرة الاستقطاب والتجنيد الفكري والتنظيمي،  بجانب استثمار تلك الحالة كغطاء في عملية السيطرة على كعكة الصدقات التي لم تخضع نهائيًا للسلطة الرسمية.

أصدرت الأوقاف المصرية الأيام الماضية، قرارًا بإزالة صناديق التبرعات من المساجد، واتخاذ مجموعة من الإجراءات تهدف إلى حوكمة عملية التبرعات، بحيث لا يسمح لأي شخص القيام بجمع الأموال تحت أي مسمى، باستثناء ما ينظمه القانون بشأن صناديق النذور بمساجد ومقامات آل البيت.

قرارات تحصين أموال الصدقات والرقابة عليها، تأخرت سنوات طويلة من قبل المؤسسات الرسمية، نتيجة صعوبة حصرها، ومراقبة مسارت إنفاقها، كونها خاضعة للجهود الأهلية والشعبية، ومن ثم فإن حصيلة ما لا يقل عن 40 % من قيمة أموال الصدقات، كانت بابًا خلفياً لتمويل الجماعات الأصولية بتنوعاتها المتعددة، في ظل وجود فجوة تم صناعتها بدقة بين المواطن والمؤسسات الدينية الرسمية متمثلة في وزارة الأوقاف والتشكيك في دورها، وعقيدة المسؤولين عنها، في إطار تدويل خطاب دعوي متطرف يعادي تلك الكيانات والقائمين عليها.

 الكثير من تيارات الإسلام السياسي، ركزت جهودها في السيطرة على أموال الصدقات والتبرعات، لسهولة الهيمنة عليها، مع إعادة تدويرها في مسارات تجارية وبناء كيانات استثمارية تدر أرباحًا مستمرة تخدم على مشاريعها الفكرية والتنظيمية.

استغلت تيارات الإسلام الحركي، القضايا السياسية الدينية، في صناعة حملات ممنهجة تهدف للسيطرة على نصيب الأسد من كعكة أموال الزكاة والصدقات بشكل مباشر، مثل القضية الفلسطينية وقضية البوسنة والهرسك وكوسوفا، والشيشان والجهاد الأفغاني، وغيرها من اللافتات التي منحت الجماعات الأصولية دعماً وتواجداً في الشارع، وتصدرها للمشهد السياسي والديني والاجتماعي.  

ووفقًا لما كشفه الدكتور عبد الخالق فاروق، في دراسته «اقتصاديات الإخوان»، فإن مجموع حصيلة الزكاة والتبرعات التي تحصلت عليها جماعة الإخوان بلغت نحو 5 مليارات جنيه عام 2012.

مسؤولية بناء المساجد وترميمها، ورعاية الأيتام والأرامل واحتواء الفقراء والمساكين، تقتصر على  مؤسسات الدولة في المقام الأول، فضلا عن المساهمة البناءة من قبل منظمات المجتمع المدني، مع حوكمة مصادر تمويلها، وربط حساباتها بالبنك المركزي المصري.

الدور الروحي للمساجد يتنافى كلية مع قيامها بجمع أموال الصدقات والتبرعات، وفتح الباب أمام المحتالين الذين يتاجرون بأزمات المهمشين والمحتاجين وغيرهم، وأمام سماسرة جمع الأموال المعنيين بتمويل أنشطة الجماعات الأصولية المتطرفة.

 قرار إزالة صناديق التبرعات والصدقات، وربط العملية بالمراقبة البنكية، يضمن وضع تلك الأموال في مساراتها السليمة، في ظل توسع الدولة حاليًا في إطلاق برامج حماية مجتمعية مثل «حياة كريمة» وبرنامج «تكافل وكرامة»، فضلاً عن برامج الرعاية الصحية للقضاء على الأمراض المزمنة،والتي استهدفت علاج الملايين من الطبقات المتوسطة والفقيرة، وكذلك القضاء على العشوائيات ومنح ساكنيها إقامات بديلة كاملة التجهيزات.

في ظل التعاطي مع تطورات الثورة التكنولوجية الهائلة، من السهولة بمكان التبرع عن طريق الموبيل الشخصي، لأكثر من مؤسسة رسمية قائمة على جمع التبرعات والصدقات تحت إشراف الدولة، مثل «بيت الزكاة والصدقات المصري»، لقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة في السطو على تلك الأموال تحت عشرات اللافتات والشعارات، مع ضمان وصولها ووضعها في مساراتها الصحيحة والسليمة سواء تمويل برامج الحماية المجتمعية أو بناء كيانات اقتصادية تسهم بشكل غير مباشر في دعم الطبقات الأكثر احتياجًا، أو تطوير مؤسسات الدولة سواء التعليمية أو الطبية.

عملية حوكمة أموال التبرعات من خلال المراقبة البنكية، لابد أن تشمل مختلف الجمعيات الخيرية والأهلية التي أطلقت يدها على مدار السنوات الماضية في السيطرة على كعكة التبرعات في المواسم الدينية، حتى تصبح الدولة مهيمنة بشكل كامل على مسارات جمع وإنفاق تلك الأموال وضمان وصولها لمستحقيها سواء في شكل دعم عيني أو خدمي، أو مادي.

لا يمكن أن يتناسى الجميع حملات جمع الأموال عام 2012 التي قام بها أنصار التيارات السلفية في دعم المليشيات المسلحة في ليبيا وسوريا والعراق، تحت غطاء الجهاد المسلح، عبر صناديق المساجد، ووكلاء وسماسرة جمع الصدقات والتبرعات، وتوظيفها في شراء الأسلحة وتجنيد المتطوعين ونقلهم إلى معسكرات القتال.

مثلما كانت أموال الصدقات والتبرعات مصدر دعم لأنشطة الجماعات الأصولية في عمق المنطقة العربية بشكل عام، كانت كذلك أهم أدوات اختراق المجتمعات الأوروبية عن طريق السيطرة على صدقات وتبرعات الجاليات العربية والإسلامية، والتوسع في بناء المؤسسات والكيانات التي تعبر عن توجهاتها وأطروحاتها الفكرية في العمق الغربي.

اعتمدت جماعة الإخوان منذ مرحلة ما بعد الرئيس جمال عبد الناصر، سياسة الانفتاح الغربي، فتم تأسيس المراكز والجمعيات الإغاثية والاجتماعية، التي تحولت لمحرك مهم في جمع أموال التبرعات والصدقات في أكثر من 72 دولة حول العالم.

وعلى سبيل المثال تأسست في أوروبا عدد من المنظمات لهذه الأهداف والتوجهات نفسها، وجمعت أموال الصدقات والتبرعات، منها على سبيل المثال مركز الثقافة الاجتماعية للمسلمين في لوزان بسويسرا تم تأسيسه عام 2002، ومؤسسة التأثير الثقافي والاجتماعي التي أنشئت عام 2010، واتحاد مسلمي سويسرا وتم إنشاؤه عام 2006، فضلاً عن كل من مؤسسة «ماس»  و»كير»، و»اسنا»، و»منظمة الشباب المسلم»، وهي مؤسسات رسمية تمثل جماعة الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل جميعها ضمن شبكة جمع أموال التنظيم.

وتعد «منظمة الإغاثة الإسلامية» التي تأسست عام 1984 من أبرز تلك المؤسسات الإخوانية في عملية جمع الأموال من مختلف دول العالم، إذ يمتد نشاطها بحوالي 40 دولة حول العالم، وأوضحت الكثير من التقارير الدولية أنها من أبرز روافد تمويل الإرهاب الإخواني في العالم.

كانت السلطات المصرية رفضت إنشاء فرع لمنظمة «الإغاثة الإسلامية» داخل القاهرة، خلال مرحلة الرئيس الأسبق حسني مبارك، ما دفعهم لتوظيف لجنة «الإغاثة الاسلامية» بنقابة الاطباء المصرية، واتحاد الأطباء العرب الذين سيطروا عليه في توظيف تلك اللجنة كبديل لفرع المنظمة داخل القاهرة تحت لافتة دعم القضية الفلسطينية، وأشرف عليها الدكتور أحمد الملط، نائب مرشد الإخوان حينها، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وأشرف عبدالغفار، أمين عام مساعد نقابة الأطباء سابقًا، وأحد المتهمين في قضية غسيل أموال التنظيم الدولي للإخوان.

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل