المحتوى الرئيسى

قلمُ الخير.. واللصّ | المصري اليوم

11/25 07:00

فى الآونة الأخيرة، رصدت الأخبارُ عدة جرائم مخيفة ارتكبها آباءٌ وأمهاتٌ فى حق أبنائهم. جرائمُ تحوّل فيها الوالدان إلى وحوش كاسرة تنهشُ فى أجساد أغلى وأعزّ ما لديهم فى الحياة: أولادهم!. أبٌ يربط ابنتيه بالحبال الخشنة ويمنع عنهما الماء والطعام، ويتحرّش بهما جنسيًّا!. أمٌّ تعذّب أولادها الأربعة يوميًّا وتحرقهم!. أم تعذّب طفلها الوحيد حتى الموت وتوثق التعذيب بفيديو ترسله لأبيه لكى تنتقم منه!. أم تكوى طفلتها بالنار!.. وغيرها من فواجع لا يصدقها عقلٌ، لأن العقل الجمعى قد قرّ فى وعيه أن الأم ترمى بنفسها للتهلكة لتحمى أطفالها من شبهة الخطر، وكذلك الأب. لا نعتبرُ مثل تلك الجرائم ظاهرةً، ولن تكون قطعًا بدليل دهشتنا والإشارة إلى تلك الفواجع بإصبع الاستغراب والاستنكار.. لكن الشاهدَ أن تربية الطفل وتنشئته عملية شديدة الخطورة والتعقيد، على بساطتها الفطرية. هنا تحضرنى قصتان متشابهتان فى الجذر مختلفتان فى الأغصان، أود أن أقصهما عليكم، عسانا نقفُ على الوصفة السحرية التى نصنع بها إنسانًا سويًّا صالحًا طيّبًا متحضرًا، أو نصنع بها على النقيض شخصًا عليلًا شرسًا خارجًا عن القانون. الأصل فى القصة فى جذرها البسيط ليست إلا «ضياع قلم رصاص من طفل صغير».

«مجدى يعقوب».. له خفقةٌ فى كلِّ قلب

ماذا قالت «مايا آنجلو» فى السبعين؟

القصةُ الأولى وردت على لسان أحد اللصوص من عتاة المجرمين. قال ما يلى: «كنتُ فى الصف الرابع الابتدائى، حينما عدتُ من المدرسة إلى البيت ذات يوم وقد أضعتُ قلمى الرصاص. وعندما علمت أمى بالأمر نهرتنى وضربتنى ضربًا مبرحًا، وشتمتنى وأهانتنى بصوت عالٍ سمعه الجيران. ومما علق بذهنى من سبابها ولم يبرح ذاكرتى قط طيلة عمرى أننى عبيط ولا أتحمل المسؤولية ولا أستطيع تقدير ظروفنا الصعبة، وغيرها من الاتهامات التى لم أتحملها. حزنتُ للغاية من رأى أمى فىّ ومن خيبة أملها فى إحساسى. لهذا قررت فى اليوم التالى أن أُصلح جريمتى وأصالح غضبة أمى بألا أعود إليها فارغ اليدين. سرقتُ قلم زميلى فى الفصل. ولم تسألنى أمى عن مصدر القلم حين شاهدته فى حقيبتى. وفى اليوم التالى سرقت قلمين، وثلاثة، ثم سرقتُ جميع زملائى. فى البدء كنت أشعرُ بالخوف والوجل لحظة السرقة، ولكن شيئًا فشيئًا بات الأمرُ يسيرًا ولم يعد للخوف مكان فى قلبى. وحينما انتهيتُ من سرقة أقلام جميع زملاء الفصل اختفت لذة الفوز التى شعرتُ بها مع القلم الأول. حاولتُ استعادة ذلك الشعور الفرح بالنصر عن طريق توسيع دائرة لصوصيتى، فانطلقتُ للفصول الأخرى أسرقُ أشياء أخرى، حتى انتهى بى المطاف إلى سرقة مكتب مدير المدرسة. وبعد سنوات قليلة صرتُ لصًّا محترفًا».

القصة الثانية تحكيها لنا إحدى الأمهات. قالت: «كان ابنى فى الصف الرابع الابتدائى حينما رجع يومًا من المدرسة إلى البيت ليخبرنى بأنه أضاع قلمه الرصاص. فسألتُه: بماذا كتبتَ اليوم إذن؟ فأخبرنى أنه استعار قلمًا من زميله. فسألتُه: وماذا كسب زميلك حينما أعطاك قلمًا لتكتب به؟ هل أعطيته مثلا من طعامك أو شرابك أو مصروفك؟ فقال ابنى: لا، هو لم يطلب شيئًا فى المقابل، ولم يأخذ أى شىء. فقلتُ له: بل هو كسب منك شيئًا غاليًا هو نال متعة العطاء وكسب أجر عمل الخير يا بنى. فلماذا لا تكسب مثلما كسب زميلك؟ فسألنى ابنى: وكيف ذلك؟ فقلتُ له: اليوم سوف نشترى لك قلمين، واحدا تكتب به، والآخر نسميه (قلم الخير)؛ وذلك لأنك سوف تُعيره لأى زميل نسى قلمه أو أضاعه. وفرح ابنى بالفكرة لدرجة أنه صار يذهب إلى المدرسة وفى حقيبته قلم له وستة أقلام للخير. المدهشُ فى الأمر أن ابنى صار يحبُّ المدرسة بعدما كان يملُّها ويضجر منها. وتحسّن مستواه الدراسى على نحو ملحوظ، حتى إن المدرسين لاحظوا هذا وأخبرونى بالطفرة النوعية التى صار عليها ولدى. وصار ابنى (نجم الفصل)، يقصده التلاميذُ فى الأزمات، وعرفه المعلمون بالمدرسة. يمنح أقلام الخير لمن ضاع قلمه. ويسأل عنه المعلمون إذا ما طرأ احتياجٌ لقلم قائلين: أين صاحب الأقلام الاحتياطية؟ ومرّت الأعوامُ وصار ابنى الصغير اليوم زوجًا وأبًا ومديرًا عامًا لشركة كبرى».

انتهت القصتان، لكن المعنى والدلالات من ورائهما لا تنتهى. بوسعنا زراعة الخير فى أولادنا وغرس القيم والأخلاق والمبادئ بالحب والاحتواء والغفران والحكمة.. وبوسعنا غرس عكس كل ما سبق بالعنف والتجريح والإهانة وكسر النفس.. بوسعنا تنشئة مواطن صالح يبنى مجتمعه، وكذلك بوسعنا تربية عضو فاسد ينتهك القيم وينخر فى جسد الوطن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل