المحتوى الرئيسى

لماذا يغامر الجيش بمستقبل السودان؟ - BBC News عربي

10/27 18:52

صدر الصورة، AFP

اتخذ الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الانقلاب في السودان، خطوة لا يعرف عواقبها.

هذه الخطوة أدت إلى تعريض وضع السودان الدولي كديمقراطية وليدة للخطر، ووضعت المساعدات الدولية المهمة للسودان في مهب الريحهذه إلى جانب اتفاقات السلام مع متمردي دارفور وجبال النوبة.

كان البرهان رئيساً لمجلس السيادة السوداني، ورمزاً للتعايش بين المدنيين والعسكرين كان ذلك حتى يوم الاثنين، عندما قرر الانفراد بالسلطلة.

فقد أعلن عن حل الحكومة المدنية، واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغيره من كبار الشخصيات المدنية التي كان الجيش قد وافق على اقتسام السلطة معها إلى حين إجراء الانتخابات العام القادم.

ما هو تجمع المهنيين السودانيين الذي يدعو للعصيان المدني؟

الاتحاد الأفريقي يعلق أنشطة السودان والبنك الدولي يوقف مساعداته

بالصور: السودان عقب الانقلاب العسكري

لم تكن طموحات الجنرال في حكم منفرد أمراً خفياً. إذ إنه أبدى خلال الأشهر الماضية تبرمه من قيادة رئيس الوزراء حمدوك، وأشار إلى أن ثمة حاجة لزعيم قوي لإنقاذ البلاد.

وفي مظاهرة خرجت في الخرطوم مؤخراً بدعم من الجيش، حمّل المتظاهرون حمدوك مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والتي ازدادت سوءاً بفعل إغلاق ميناء بورتسودان الحيوي من قبل محتجين على اتفاق سلام جوبا، ما أدى إلى نقص في الإمدادات.

أنصار الديمقراطية في السودان كانوا يدركون خطط الجيش، التي بدت مطابقةَ لتلك التي أدت إلى سيطرة الجيش المصري بزعامة عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2013.

وكان أعضاء تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة الشعبية العديدة، الذين نظموا مظاهرات سلمية أفضت في 2019 إلى الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير الذي استمر 30 عاماً، يتأهبون لجولة جديدة من الاحتجاجات.

صدر الصورة، EPA

المتظاهرون مصرون على عدم السماح للجيش بالانقضاض على ثورة 2019 التي أطاحت بحكم البشير

الدبلوماسيون الأجانب هم أيضاً شعروا بالقلق. وزار المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فلدمان الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي للمطالبة باتفاق بين جنرالات الجيش والمدنيين، وغادرة المدينة يوم الأحد، ظناً منه أنه نجح في إقناع الطرفين بذلك.

لكن الانقلاب تم بعد ذلك بساعات فقط، ما أثار انزعاج الأمريكيين، بل وغضبهم أيضاً.

ولتوضيح أنها تعرضت للخديعة، قررت الإدارة الأمريكية "تعليق" حزمة مساعدات مالية للسودان قيمتها 700 مليون دولار أمريكي.

وثمة قضية أكبر ألا وهي وضع اتفاق حول إعفاء السودان من بعض ديونه والذي كان حمدوك قد توصل إليه مع الدول الدائنة مؤخراً.

بعد تأخير دام عامين، أصبح أمام السودان فرصة للحصول على مساعدات دولية لإنقاذ اقتصاده، ولكن هذه الفرصة أضحت الآن في خطر.

فقد أدان كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" والمتبرعين الغربيين الانقلاب، وطالبوا بالعودة إلى الحكم المدني.

كما طالبت جامعة الدول العربية جميع الأطراف السودانية بالتقيد بالوثيقة الدستورية. وعادةً ما تكون قرارات الجامعة متوافقة مع توجهات الحكومة المصرية، ما يثير تساؤلاً حول ما إذا كان البرهان يستطيع التعويل على دعم القاهرة.

أين تصرف المساعدات الأمريكية في السودان وهل علقت جميعها؟

"حميدتي" تاجر الإبل الذي أصبح في صدارة المشهد السياسي السوداني

عبدالفتاح البرهان قائد الانقلاب العسكري في السودان

أما السعودية والإمارات، اللتان كانتا قد قدمتا دعماً مالياً مهماً للبرهان في 2019، فقد التزمتا الصمت حتى الآن. وعلى الأرجح أنهما متعاطفتان مع القائد العسكري السوداني القوي، ولكنهما تدركان أيضاً أنهما لا تستطيعان تغطية نفقات إنقاذ السودان من الانهيار.

لقد كان الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالفعل الرجل الأكثر نفوذاً في السودان، وكان دوره يحظى بالشرعية منذ أن وقع في أغسطس/آب الماضي اتفاق اقتسام السلطة مع قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف فضفاض من الهيئات والجماعات المدنية.

فلماذا يغامر بكل شيء من خلال هذا الاستحواذ السافر على السلطة؟

وفقاً للاتفاق، كان من المفترض أن يتنحى البرهان من منصب رئيس مجلس السيادة الشهر المقبل، ثم تخلفه شخصية مدنية تختارها قوى الحرية والتغير، وحينئذ يكون المدنيون في الحكومة في وضع أفضل يمكنهم من التعاطي مع القضايا الحيوية المدرجة على جدول أعمالهم.

من بين تلك القضايا، محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. والحكومة ملتزمة من حيث المبدأ بتسليم الرئيس السابق البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ولكنّ القادة العسكريين السابقين، بمن فيهم البرهان ومحمد حمدان دقلو المعروف ب"حميدتي" والذي يقود قوات الدعم السريع شبه العسكرية، كانوا يرغبون في محاكمته في السودان وليس في لاهاي.

وهناك أسباب وجيهة لرغبتهم هذه، فهم يخشون أن يقول البشير إنهم كانوا متواطئين في الفظائع التي ارتكبت خلال النزاع في دارفور.

والفريق أول البرهان وغيره من ضباط الجيش لديهم سبب آخر ربما كان أقوى، وهو أنهم يخشون من احتمال أن يطالهم التحقيق في المذبحة التي ارتكبت في الخرطوم في يونيو/حزيران 2019 ويجري توجيه أصابع الاتهام لهم.

Iرتكبت المذبحة بعد شهرين من إطاحة الجيش بالبشير ضد متظاهرين سلميين كانوا يطالبون بحكم مدني.

محاربة الفساد وإجراء إصلاحات بالقطاع الأمني كانا أيضاً ضمن جدول الأعمال الذي آثار قلق الجنرالات.

فلنأخذ على سبيل المثال، "لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989وإزالة التكمين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة" ذات الاسم الصعب.

هذه اللجنة لم تكن تعكف فقط على كشف واستئصال شبكة من الشركات التي يمتلكها الإسلاميون الذين أطيح بهم من الحكم في 2019، بل أيضاً الأذرع الأخطبوطية للإمبراطوريات التجارية التي يمتلكها جنرالات كبار بالجيش.

وأصبح السيد حمدوك بشكل متزايد أكثر جرأة في انتقاده لتغول الجيش في الحياة الاقتصادية.

والجيش السوداني لا يحصل فقط على نصيب كبير - ولا يزال متزايداً - من الميزانية الوطنية، بل إن الشركات المملوكة له تتمتع أيضاً بإعفاءات ضريبية، ويُزعم أنها عادةً ما تقوم بممارسات تعاقدية فاسدة.

كما أن وضع الجيش تحت سيطرة مدنية مناسبة كان من أولويات المرحلة الانتقالية التالية.

هل بات السودان على شفير الهاوية؟

أدوية حيوية وسلع استراتيجية "على وشك النفاد" في السودان

السودان يوافق على تسليم المتهمين بجرائم حرب للمحكمة الجنائية الدولية

يزعم البرهان أنه يسعى إلى الحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي، وتعهد بأن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية وإجراء انتخابات في غضون عامين.

الكثير من السودانيين يعتبرون أن ذلك واجهة غير مقنعة لا تنطلي عيلهم.

الانقلاب تضمن حل النقابات والاتحادات المهنية التي نظمت الاحتجاجات في السابق. كما تم قطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير. وأطلقت القوات النار على المتظاهرين وقتلت 10 منهم وفق التقارير الإخبارية.

الانقلاب في السودان: حشود تملأ الخرطوم بعد اعتقال قادة مدنيين ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك

كان نشطاء الشوارع قد تمكنوا من التغلب على مثل تلك الإجراءات القمعية، وأجبروا الجيش على التراجع، ولا سيما في أعقاب أعمال القتل التي وقعت في يونيو/حزيران 2019.

كما سيتعين على جنرالات الجيش أن يواجهوا الواقع المتمثل في أن الحرب الأهلية في بعض مناطق البلاد لم تنته بعد.

كانت اتفاقية سلام أبرمت العام الماضي قد أفضت إلى مشاركة بعض جماعات المعارضة المسلحة في الحكومة، ولكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق مع أكبر جماعتين متمردتين.

صدر الصورة، AFP

الفريق أول البرهان وحمودك كانا عضوين بمجلس السيادة الذي تقاسم من خلاله المدنيون السلطة مع الجيش

في دارفور، هناك حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، كما أن هناك الحركة الشعبية لتحرير السودان/قطاع الشمال بزعامة عبد العزيز الحلو في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان.

والحركتان تحظيان بدعم شعبي، وأظهرتا في الماضي مرونة عسكرية. وكانت الحركتان منخرتطين في محادثات سلام مع الحكومة، وتثقان في حمدوك. ويهدد الانقلاب بتجدد الصراع معهما.

استيلاء البرهان على السلطة بشكل غير دستوري مقامرة كبيرة. ولم يقدم الجنرال أي حلول لأكثر القضايا إلحاحاً في السودان كالاقتصاد والتظاهر والسلام كما أنه يغامر بتعريض البلاد للفوضى وإراقة الدماء، وبجعلها دولة منبوذةً على الساحة الدولية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل